|
مجتمع ومازال يؤمن بوطنه ويرى بأن كل التضحيات التي يقدمها المواطنون ستكون قليلة في سبيل حماية الوطن والدفاع عنه , فإن فنيت الأجساد سيبقى الوطن للأبناء لكن إن فنى الوطن أين سنبقى وكيف سيكون مستقبل أبنائه . بعد ثلاث أعوام من الأزمة السورية استحق كل شخص باق فيها وصامد بوجه كل الصعوبات لقب المواطن السوري الجبار فهو رغم معاناته على أكثر من صعيد نتيجة مافرض على سورية , أبى مغادرتها أو الاستسلام حتى ولو بمجرد الشعور باليأس , فأصبح الاستمرار بالحياة سواء في العمل أو الدراسة أو حتى الحصول على الطعام سر من أسرار صمود الشعب الاسطوري « الشعب السوري الجبار» . نخلق الحياة
لم يمنعني طول الطريق وبعد المسافة من ذهابي إلى العمل كل يوم يقول يوسف موظف بعمر الأربعين وهو يقطن في أحد ضواحي دمشق ويتابع رغم عدم قدرتي إلى الذهاب والوقوف إلى جانب الجيش العربي السوري إلا أنني أجد أن مجرد ذهابي كل يوم إلى عملي رغم الصعوبات التي أعانيها أنا وكثير من أصدقائي فمعظم الباصات في ريف دمشق لم تعد تعمل كالسابق حيث يتعين علينا يوميا أن ننتظر ساعتين أو أكثر للوصول إلى العمل , ومع هذا مازلنا نذهب ولم نتغيب يوم واحد ,وهو ما كان له دور كبير في استمرار الحياة السورية على طريقتنا , فنحن شعب لم يعتد على الاستسلام ونستطيع أن نخلق الحياة من رحم الصعوبات , وهو مانقوم به أنا وكل السوريين الباقين على أرض هذا الوطن فمواصلة العمل كل من مكانه ساهم في دعم الجيش وصمود الحياة . فيما يجد سامي جمال أستاذ مدرسة أن هناك الكثير من الحلول الجيدة والمفيدة التي ساعدتنا على مواصلة الحياة بشكل يناسب وضعنا الحالي , فأنا منذ أكثر من سنة و نصف أذهب الى عملي بالبسكليت ومع أنني أمتلكها منذ خمس سنوات , لكني لم أستخدمها إلا عندما بدأت زحمة المرور و أصبح الطريق يأخذ ساعات و ساعات , فقررت أن أركب «البسكليت « رغم أني خريج أدب عربي 2007 وموظف بمدرسة خاصة , وبالتالي لم أعد أتأخر على حصصي المدرسية ووجدت حل لمواصلة عملي وحياتي بطريقة ترضيني وتناسبني , وهو مايلزم كل مواطن قادر على التفكير بحل مناسب وشيء بديل للاستمرار بحياته بطريقة تناسب مقتنياته ومقدرته, وقد بدأت ألحظ بعض الحالات في دمشق وهو ما أشعرني بالسعادة بأن الحياة مستمرة بشكل رائع , فالناس غيرت طرق حياتها لكي تواصل العيش بشيء فريد ومميز وبنفس الوقت مفيد , ففي كل مرة أرى شخصاً بالغاً على دراجة هوائية، أرى ان اليأس لم يعد له مكان في مستقبلنا . علم وعمل سأتعلم على ضوء الشمعة أوقنديل الكاز لأعمر وطني من جديد فلن يقف أي ظرف في وجه تعلمنا هكذا تعبر لما محمود طالبة جامعية سنة ثانية فهي تدرس الهندسة المعمارية , وبسبب الاعتداءات الارهابية الكثيرة على محطات الكهرباء لم تعد تأتي سوى ست ساعات في اليوم , وتقول أضطر في فترة الامتحانات إلى الدراسة على ضوء الشمعة فليس لدي خيار آخر ولن أضيع فرصة النجاح , فهذه الظروف علمتنا أن نتأقلم مع كل الظروف وأن نستمر بحياتنا بالشيء المتاح فكل ماعانته سورية فرض عليها وبالتالي عانينا كلنا ومن واجبنا وحقها علينا أن ندرس ونتعلم لكي نعمرها ونكبرها أفضل من السابق لتضاهي دول العالم , فبالعلم والعمل ترقى الأمم . وتوافقها الرأي راميا علي ربة منزل فهي ام لأربع أطفال واثنان منهم في المدارس وتقطن في جرمانا وتقول رغم كل القذائف التي تمطر بالموت يوميا على حينا فمازلت أرسل أطفالي الى المدارس , وهو حالي أنا وكل أمهات سورية فنحن مصرين على الحياة وتلوينها بالعلم واستمرار يومنا بشكله المعتاد فما زلنا نرسل أطفالنا الى المدارس ونذهب الى السوق ونطبخ في منازلنا ونزور أقاربنا وجيراننا ونحتفل بأعيادنا ضمن الظروف المتاحة , المهم ان نبقى نضخ النفس ونعيش حياتنا بشكل يليق بنا كسوريين , فلولا هذا الصمود وتحدي الإرهاب لما كنا نستحق العيش على الأرض السورية. صمود
من وجهة نظر أخرى يقول أحمد ناجي 25 عاما جندي سوري : «إن رؤية الناس تستمر وتزاول عملها اليومي وتعيش حياتها بالشكل الطبيعي , أعطانا الأمل والتحدي الأكبر لمواصلة الدفاع عن سورية وكانوا السبب الرئيسي في صمودنا فالحرب ليست لمن يقف خلف المتراس فقط , فنظرة الأمل في عيون أطفال المدارس وحتى الذهاب الى السوق وشراء حاجيات المنزل بحد ذاتها شكلت عاملا هاما لصمود هؤلاء الناس ومنهم نتعلم كل يوم أن الحياة مليئة بالأشياء التي تستحق الدفاع عنها , وبهذا التحدي شكلنا الشعب العظيم الذي يستحق الاحترام لصبره على كثير من الصعوبات , من أصغر فرد الى أكبر فرد فقد تحمل معظم الناس تبعات الأزمة ومازالوا صابرين كما انهم ابتكروا أشياء تساعدهم على العيش بطرق وظروف جديدة . ويرى ماجد عبد محامي 30 عاما أن صمود الجيش وتضحياته وتراكم انتصاراته أدى إلى خلق روح إيجابية لدى الناس فكان كل مواطن جندي , فكان هو يحارب وبيده بندقية ويتلقى رصاص الغدر من الإرهابيين وفي نفس الوقت موقن بأن وطنه سينتصر ,الأمر الذي بعث في روح المواطنين مزيدا من الثقة وأصبح كل سوري مؤمن بالوطن جندي يذهب إلى عمله ويكمل علمه , في حين يتلقى مع الجندي في الجبهة قذائف الغدر وصعوبات الحياة التي أفرزتها الأزمة , وبالتالي تحول المواطن الى محارب يتحدى حقد وجرائم الإرهابيين بكل الوسائل المتاحة عبر عيش الحياة . إرث سوري في النهاية لا يسعنا إلا القول بأن سورية عمرها آلاف السنين , ومرت عليها بالتأكيد أزمات أشد وأصعب من اليوم , لكن المهم أن يحافظ الشعب السوري على هذا الإرث و على الصورة والشخصية الحضارية , لكي نثبت للتاريخ والمستقبل وكل العالم أن نيل الجنسية السورية لم يكن محض صدفة ,بل استحقه كل فرد مؤمن بالوطن استمر بحياته ضمن أصعب الظروف . |
|