تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الأولويات الوطنية .. والقرارات غير الشعبية

على الملأ
الأثنين 30-4-2012
علي نصر الله

اذا كان من الطبيعي أن يكون للمؤسسات المصرفية سياسة عامة لها ما لها من أبعاد اقتصادية واستثمارية واجتماعية تؤدي من خلالها الدور الذي ترسمه لذاتها أو ترسمه لها الجهات الوصائية ( الدولة في حالة المصارف الحكومية )،

فانه من الطبيعي أن يكون لهذه المؤسسات سياسة إقراض تقوم على حسابات دقيقة ليس للمال المتوفر، والفوائد والأرباح التي يمكن تحقيقها، وإنما تقوم على حسابات دقيقة أخرى تتصل بالحياة الاقتصادية والاجتماعية والظروف السياسية المحلية والدولية.‏

هذا الكلام ينسحب على جميع المؤسسات المصرفية في العالم في حالات الاستقرار حيث لا حروب ولا أزمات سياسية أو اقتصادية عالمية أو إقليمية أو محلية، أما في ظل الحروب والأزمات فان إعادة الحسابات، وإعادة النظر بالسياسات العامة والإقراضية تكون ضرورة وحتمية مستحقة لا تتردد – عادة – الإدارات بدراستها دراسة متمعنة تضع أمامها كل الاحتمالات والسيناريوهات لا سيما السيئة بحثا عن توفير عوامل الأمان التي تبقي المؤسسة والمال والمساهمين والمتعاملين خارج دوائر المخاطر التي قد تفرزها الظروف المحيطة.‏

وإذا كان لا يخفى على أحد تعرض سورية لحرب كونية لم توفر الأطراف - الدولية والإقليمية والعربية - التي تشنها أي وسيلة أو أداة إلا واستخدمتها لإسقاط الدولة في دورها وحضورها المؤثر في المعادلات الإقليمية والدولية على جميع المستويات والصعد، فان ما لا يخفى على أحد أن الاستهداف أول ما ظهر في الجانب الاقتصادي بهدف الضغط على الحكومة والشعب.‏

العقوبات الأميركية، الأوروبية، العربية، ومحاولات الحصار والتضييق، حملات استهداف الليرة والبنك المركزي ثم التجاري ومن ثم الإشاعات التي طالت المصارف الخاصة والعامة، تمويل الإرهاب وتهريب السلاح والمتطرفين .. وغيرها من ممارسات - أقل ما يقال فيها أنها عدوانية – خلقت لنا سلسلة من الأزمات لا ننكر وجودها ونعترف للعرب قبل غيرهم بأنها خلقت أشكالا متعددة من المعاناة للشعب .. لكن..‏

لكن الشعب الذي قاوم وصمد بالأمس في مواجهة العقوبات يسجل اليوم ملاحم جديدة في المقاومة والصمود، وإذا كان البعض يرى أن الغموض يلف بعض القرارات الاقتصادية والمصرفية أو يجدها قرارات لا شعبية لها ( الإقراض نموذجا ) ففي هذه الرؤية جزء من الحقيقة، ذلك أن الظروف الاستثنائية تقتضي قرارات استثنائية ليس بالضرورة أن تحمل أو تعكس الحقيقة كلها، لكنها بالتأكيد تعنى بالأولويات التي قد تكون أولويات غير مرئية للعامة من الناس.‏

قد نسمع أصواتا تستهجن وقف هذا النوع أو ذاك من القروض، وقد استمعنا إلى الكثيرين ممن يرى في وقف أو تعليق قروض بعينها خطأ اقتصاديا من شأنه أن يترك آثارا سلبية أعمق من تلك التي قد يتسبب بها استمرار منحها، بمعنى أن الخيارات في الأزمات تكون أو تنحصر بين السيء والأسوأ، وكثيرا ما يجري الحديث عن أن توفر الضمانات لا يدع مسوغا لعدم الإقراض أو الامتناع عنه ... وعن أن للقروض دوراً مباشراً في تحريك المال والدورة الاقتصادية .. و.. و‏

كل ما يطرح ويقال صحيح ويستند إلى نظريات اقتصادية لكنه في الظروف الاستثنائية ينطوي على احتمالات الخطأ والصواب، وبالتالي ينطوي على مخاطر كبيرة يجب ألا تغيب عن الحسابات، وينبغي هنا ألا يغيب عن الأذهان أن إدارات المصارف الحكومية وغير الحكومية لا تجهل هذه النظريات ولا تلك، وهي عندما تتخذ قرارات غير شعبية فإنما هي تحاول التوفيق بين النظرية والواقع، وبين الثابت والمتغير، ودائما لخدمة الأولويات الوطنية المستجدة.‏

ali.na_66@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية