تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الدور الإسرائيلي في الطور الراهن للأزمة السودانية...الهدف موطئ قدم يمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها الاستراتيجية في افريقيا...منع مصر من العودة إلى دورها التاريخي في حوض النيل

شؤون سياسية
الأثنين 30-4-2012
بقلم: محمد خير الجمالي

رغم الاستعداد الذي أبدته حكومة السودان لبحث الخلاف الناشئ مع دولة الجنوب حول قضايا النفط والحدود وكل المسائل المختلف عليها والتوصل إلى حلول لها بالحوار, إلا أن حكومة الجنوب اختارت تفجير الخلاف بدفع قواتها لاحتلال منطقة هجليج الغنية بالنفط والتي تشكل جزءاً أساسياً من جغرافية السودان,

في محاولةلحمل السودان على التنازل في موضوع النزاع على منطقة أبيي, ما جعل الأزمة تأخذ منحى عسكرياً ينطوي في كل لحظة على احتمال التطور إلى حرب شاملة سيكون لها تداعيات اقتصادية وسياسية جد خطيرة على الدولتين وجوارهما الإقليمي بأسره.‏

لماذا رفضت حكومة الجنوب منطق الحوار وتجاهلت مبدأ فض النزاعات الدولية بالطرق السلمية, واعتمدت منطق القوة والحرب والعدوان على سيادة السودان ووحدة أراضيه وتهديد أمنه الوطني؟ ثمة أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة لجنوح حكومة الجنوب إلى الخيار العسكري.‏

في الأسباب المباشرة تبرز محاولة حكومة الجنوب تصدير مشكلاتها الداخلية إلى الخارج عبر حرب مفتعلة مع السودان بهدف تحويل أنظار سكان الجنوب عن عجزها السياسي, وأهم هذه المشكلات تخلف التنمية الذي لم يجد حتى بوادر حل له بعد أكثر من عام على قيام الدولة وكثرة الوعود الأميركية والغربية بدعمها في مواجهة هذا التحدي, وغياب الاستقرار الداخلي الناشئ عن غياب السلم الأهلي بين مكونات سكان الجنوب المنقسمين فيما بينهم بسبب تعددهم القبلي وأصوله الافريقية واختلاف لغاتهم وانتماءاتهم السياسية تبعاً لذلك.‏

ومن هذه الاسباب ايضاً, تبرز مسألة ضعف الحجة في منطق حكومة الجنوب على طاولة الحوار, إذ لا شيء يبرر لها احتكارها لموضوع النفط المكتشف في دولة السودان الموحدة قبل التقسيم ما يجعلهما شريكين فيه وما يجعل السيادة المشتركة على منطقة أبيي الغنية بالنفط, هي الحل المنطقي للنزاع الدائر حولها, وهو ما ترفضه حكومة الجنوب بدافع استئثارها بالنفط السوداني.‏

وفي الاسباب الخفية يبرز الدور الإسرائيلي في الطور الراهن للأزمة كدور مرجعي لدولة الجنوب يرسم ويحدد التوجه السياسي لهذه الدولة على قاعدة دخولها في تحالف استراتيجي مكشوف مع إسرائيل, ظاهره مساعدة هذه الدولة على مواجهة تحديات التنمية, ومدها بالقوة العسكرية, وباطنه جعلها موطئ قدم يمكن إسرائيل من تحقيق اهدافها الاستراتيجية القديمة- الجديدة في الوصول إلى حوض النيل وربط دوله المحيطة بمصر والسودان بتحالف استراتيجي ضاغط عليهما بهدف إضعاف دورهما في الصراع العربي – الصهيوني, وخصوصاً في مرحلة ما بعد اسقاط نظام مبارك وتداعياتها المتجلية بتهديد مستقبل اتفاقية كامب ديفيد على نحو ما دلت عليه أزمة السفارة الإسرائيلية في مصر ونشوء مشكلة امداد إسرائيل بالغاز المصري, وتوتر الأوضاع على الحدود , وأخيراً ارتفاع وتيرة الحديث من مسؤولين عسكريين إسرائيليين عن احتمال الحرب مع مصر وضرورة الاستعداد لها, ما يجعل أحد الاهداف الخطيرة لاستدراج دولة الجنوب إلى الخندق الإسرائيلي وسعي إسرائيل لإقامة تحالف استراتيجي في حوض النيل هو منع مصر من العودة إلى موقعها التاريخي في حماية الوجود العربي, والحفاظ على كامب ديفيد كمانع لمصر من هذه العودة تحت ضغط إشغالها من الخلف بتحديات جديدة يكون على رأسها التهديد بتقليص حصتها التاريخية في مياه النيل, وإثارة ما يصطلح عليه بحروب المياه كرد على استعادة مصر لدورها العربي في مواجهة التحدي الإسرائيلي واخطاره المهددة للعرب وجوداُ وأمناً وثروات.‏

وبالرغم من أن حكومة الجنوب نفت أن يكون لإسرائيل أي دور في دفعها إلى اختيار الحرب وسيلة لحل الأزمة مع دولة السودان, وهو اختيار يتطابق بشكله وأسلوبه وهدفه مع السياسة الإسرائيلية في حروبها ضد العرب منذ العام 1948, إلا أن الدعم الإسرائيلي المستمر لحركة التمرد في الجنوب قبل انفصاله وعلى مدار 22 عاماً, وكذلك اعتراف إسرائيل بدولة الجنوب فور إعلانها ومن ثم الزيارة المشبوهة لسيلفا كير بعد أشهر معدودة من إقامة الدولة إلى إسرائيل, كل ذلك يكشف عن أن دولة الجنوب في حربها المباغتة على السودان لم تتحرك من تلقاء نفسها ولم تندفع بردود فعل على مواقف السودان, بل تحركت في إطار استراتيجية مشتركة جرى رسمها ووضع مخططها بالتنسيق المسبق مع إسرائيل, واعطيت فيها دولة الجنوب دور رأس الحربة الموجهة ضد السودان, لئلا يتم التوصل إلى حل سياسي للأزمة يخدم مصالح البلدين وينزع فتيل التوتر من علاقاتهما ويقطع دابر استغلال الأزمة على إسرائيل فتتبدد أحلامها في إعادة تشكيل المنطقة استراتيجيا بما يخدم سياسة احتوائها لبعض دول حوض النيل وتغلغلها في القارة السمراء.‏

وتجسيداً لهذه الاستراتيجية الخبيثة والدور المطلوب من دولة الجنوب في اطارها, كانت زيارة سيلفا كير لإسرائيل أواخر العام الماضي وما ترتب عنها من اتفاق سري على تزويد دولة الجنوب بالدعم اللوجستي اللازم للقيام بالحرب المطلوبة منها بالوكالة عن إسرائيل.‏

ففي الزيارة إياها لم يخف سيلفا كير اعجابه بإسرائيل «كأنموذج ناجح» في اشارة للاقتداء بها على نحو الدور العدواني الاخير لدولة الجنوب, وكشفاً لأبعاد هذه الزيارة تعترف صحيفة معاريف الإسرائيلية بأن «الخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين يرون أنه في ظل الوضع المعقد الذي تعيشه الدول العربية حاليا, تبحث إسرائيل عن صياغة خطوات عسكرية وأمنية وسياسية على المستويين الاستراتيجي والعملي بدأت تظهر ملامحها من خلال التوجه الجديد نحو الدول الافريقية المسيحية, خاصة أوغندا وكينيا وأثيوبيا ودولة جنوب السودان الجديدة وهي ما تعرف بدول تجار الحروب ومجرى النيل»...‏

ولئن كان التوظيف الإسرائيلي لدولة الجنوب في تسخين الأزمة مع السودان قد فشل بعد تحرير هجليج, فهذا لا يعني نهاية هذا التوظيف لأن إسرائيل تنظر إلى الحلف الذي تعمل على تشكيله ضد مصر والسودان رهانها الاستراتيجي على تغيير موازين القوى, ما يشير إلى استمرارية هذا التوظيف الذي تتوقف مواجهته وإبطال مفاعليه بصوغ استراتيجية عربية مشتركة تقوم على توسيع أطر التعاون العربي – الافريقي وضخ فائض المال العربي في مشاريع اقتصادية تعود بالنفع على الطرفين, وفضح مخاطر الدور الإسرائيلي على أمن القارة ومستقبل علاقات دولها مع العرب .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية