تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


باخرة تهريب السلاح إلى سـورية ..والدلالات الخطيرة ؟!

الصفحة الاولى
الأثنين 30-4-2012
العميد الدكتور أمين محمد حطيط *

طرحت الباخرة التي ضبطها الجيش اللبناني مقابل الشاطئ اللبناني مؤخراً اسئلة هامة وخطيرة تتعلق بالازمة السورية ومسارها، بعد ان تبين خط سير الباخرة وحمولتها باخرة انطلقت من ليبيا ورست

في الاسكندرية ومرت في منطقة تراقبها اوتسيطر عليها قوات الامم المتحدة المنتدبة لمراقبة الشواطئ اللبنانية لمنع ادخال السلاح لغير الدولة ( هذا حسب نص القرار 1701 ) ثم انها كانت متجهة الى طرابلس لنقل حمولتها البالغة 150 طناً ( حسب مصدر لبناني رسمي) من الاسلحة والذخيرة والقذائف الصاروخية المضادة للدروع والمتفجرات فضلا عن قذائف المدفعية من مختلف العيارات .‏

بداية واذا كنا لا نستغرب السلوك الاسرائيلي حيال الباخرة التي مرت في منطقة تتحكم اسرائيل بمراقبتها ( المياه الاقليمية والدولية مقابل فلسطين المحتلة وقطاع غزة الذي تحاصره) لان اسرائيل هي جزء من منظومة العدوان الذي يستهدف سورية بقيادة اميركية، وبالتالي لا نستبعد ان تكون اسرائيل قد امنت لها الحماية والمواكبة حتى ادخلتها المياه الاقليمية اللبنانية، كما اننا لا نستغرب انطلاقها من ليبيا التي تحولت الى قاعدة للناتوومنصة لتصدير الارهاب بعد ان سقط نظامها المركزي ودخلت في حالات من الفوضى التي قد تقودها الى التقسيم، لكننا نتوقف عند مواقف الاطراف الاخرين المتعاطين مع الازمة السورية ودلالات ذلك وانعكاسه على مستقبل هذه الازمة فنرى :‏

1) ان تهريب السلاح بهذ الشكل يؤكد بان هناك منظومة دولية وراء هذا العمل، وان هذه المنظومة تملك الكثير من الطمأنينة الى قدراتها في ايصال السلاح عبر لبنان والا لما كانت جازفت بهذا العمل وبهذه الكمية من الاسلحة والذخائر . كما وان لهذه المنظومة فروع لبنانية وعربية ودولية يستوقفنا منها هنا فرعها اللبناني الذي لا بد من ان يكون له نفوذ ما . اذ كيف يعقل ان يغامر من ارسل هذا الكم الهائل من الاسلحة الى ميناء طرابلس حيث الاجهزة الرسمية اللبنانية من امنية ومدنية، لولم يكن مطمئنا لطرف هناك من العاملين فيه يتكامل مع جهات خارجه قادرة على تمرير البضاعة وخزنها ثم ارسالها عبر الحدود الى سورية . وهنا تطرح مجددا سياسة النأي بالنفس التي يرفعها رئيس الحكومة اللبنانية ويجوب العالم طلبا لتأييدها . كما انها تطرح التناقض في سلوك الاجهزة الرسمية اللبنانية حيث نجد الجيش يقوم مشكورا ً بواجبه الوطني ويعتمد سياسة واحدة في السر والعلن قولاً وفعلاً لضبط الحدود ومنع التهريب، ثم نجد اجهزة اخرى تلعب دورا معاكساً ومغايرا للسياسة اللبنانية المعلنة ولما تفرضه الانظمة والقوانين اللبنانية والدولية والاتفاقات المعقودة مع سورية التي تفرض منع اتخاذ لبنان قاعدة للاضرار بها والاخلال بامنها واستقرارها . وتفريعا على ذلك نذكر بدور فئة لبنانية ومجاهرتها بدعم الجماعات المسلحة وايوائها وتقديم الخدمات المتنوعة لها، ثم الضغط على الجيش لمنعه من القيام بواجبه في ضبط المعابر والحدود ومنع تسلل الارهاب الى سورية. مع هذه الصورة نسأل اين موقع لبنان ؟ فهل سيتابع العمل كما فعل الجيش ام سيتراجع وينخرط واقعيا في جبهة اعداء سورية كما تريد اميركا مع ادواتها اللبنانية الحاضنة للجماعات المسلحة في الشمال والتي بدونها ما كان لاحد ان يفكر بارسال السلاح عبر لبنان الى سورية ؟ وان استمر هؤلاء بفعلهم هذا فاننا نسأل هل ان لبنان قادر على تحمل ارتدات هذا الدور ؟، ثم من اعطى هؤلاء الحق بزج لبنان في هذا الاتون وهم انفسهم ارهقوا العالم وهم يلوكون شعار قرار الحرب والسلم وحصريته بيد الدولة اللبنانية ، والا يعتبرون سلوكهم هذا قرار حرب على سورية من غير رجوع للدولة وخلافا للاكثرية الساحقة من اللبنانيين ؟‏

2) تطرح العملية الدور الفعلي الحالي للامم المتحدة في الازمة السورية، اذ لو كانت هذه الهيئة جادة بجهازها التنفيذي الخاضع للامين العام (نميز الان بين السلطة التقريرية في مجلس الامن حيث يقوم التوازن بعد المتغيرات الدولية ، والجهاز التنفيذي الذي تسيطر عليه كليا اميركا برئاسة بان كي مون ) لوكانت جادة في الحل السلمي لكانت قواتها – اليونفيل البحرية – التي تمتلك الصلاحية والقدرات العالية لاحكام المراقبة واعتراض اي سفينة تنقل سلاحا لغير الدولة اللبنانية لكانت قامت بما عليها ومنعت عبور السفينة التي يبدوانها ليست السفينة الاولى . واذا كان لا بد من تطوير الفكرة اكثر، فاننا نقول لوكانت الجهة المهربة غير مطمئنة لتعاون اليونفيل لما اقدمت على هذه المغامرة وهي تعلم مصيرها الحتمي بما تملك اليونفيل من قدرات عالية في الاعتراض.‏

اذاً اليونفيل برأينا شريك اومسهل للتهريب وهنأ نسال كيف يوفق الامين العام بان كي مون بين روح القرارين 2042 و2043 الذين جاءا من اجل منع العنف ووقف النار والعمليات القتالية في سورية وانتداب 300 مراقب دولي للتحقق من ذلك، وبين تقاعس اليونفيل التابعة له او تسهيلها لتهريب الاسلحة الى سورية. ثم هل سيتخذ الامين العام للامم المتحدة الموقف المناسب لادانة هذا العمل وادانة من يقوم به ويضمن ذلك تقريره حول سورية في 5 أيار المقبل وها قد مضت 4 ايام ولم نسمع منه كلمة اونرى منه موقفا من الموضوع ؟ وهل سيطلب من مجلس الامن ادانة العمل والقائمين به ؟ اننا لا نتوقع منه ذلك .‏

3) ان عملية التهريب تثبت صحة من قلناه سابقا حول توزيع الادوار بين مكونات جبهة العدوان على سورية، وان الموقف الحقيقي لهذه لجبهة يتمثل برفض الحل السلمي، والاصرار على المواجهة المسلحة والعمل العسكري من اجل الوصول الى السلطة بصرف النظر عن خيارات الشعب السوري الذي اثبتت اكثريته وبالدليل الميداني، كما وبالاستطلاعات التي اجرتها الجبهة العدوانية ذاتها، بانها ستحول عبر الطرق الديمقراطية الصحيحة دون نجاح المؤامرة- العدوان على سورية وستمنع الاستيلاء على السلطة من قبل عملاء المخابرات الغربية لنقل سورية الى موقع معاكس لموقعها الطبيعي الذي تحتله الان في منظومة المقاومة والممانعة .‏

4) ان حجم الاسلحة ونوعيتها واسلوب تهريبها، يدل بشكل قاطع بان جبهة العدوان على سورية ما زالت متمسكة بقرار الهجوم العدواني، وان فشلها في النجاح خلال الاشهر ال 14 السابقة وسقوط اوراقها الواحدة تلوالاخرى ( بدءا من ورقة الرهان على خداع الشعب، ثم الرهان على انقسام الجيش، وبعدها الرهان على المجموعات المسلحة والقتال لعزل المناطق في الداخل، واخيراً الرهان على التدخل العسكري الاجنبي عبر مجلس الامن اوخارجه والمترافق مع الضغط الاقتصادي والسياسي ) فشل لم يثنها حتى الان عن متابعة العدوان وهي تنظر الى المرحلة الحالية بانها مرحلة هدنة مؤقتة عليها استغلالها من اجل حشد القوى وتعزيز الطاقات العسكرية، وتصعيد الضغط الاقتصادي، لتنطلق في جولة عدوانية اخرى تعوضها عن الفشل السابق، مستفيدة من وجود المراقبيين الدوليين، لتمرير هذه الهدنة وانتاج البيئة الملائمة للهجوم الذي سيتخذ كما يبدواسلوب فتح الجبهات المتعددة واحتلال المناطق (الاسلحة المضبوطة تتعدى في استعمالها الاستعمال الارهابي الفردي و المحدود وهي اسلحة تلزم القوى والتشكيلات لخوض المعارك) . وان هذه الهواجس يبررها سلوك المراقبين الدوليين المثير للريبة والقلق، خاصة بعد ما بدأ يتكشف منه ما يبرر السؤال هل ان هؤلاء جاؤوا للقيام بما لم يقم به المراقبون العرب من انتاج بيئة ملائمة للعدوان ؟ وهل ان تهديد سوزان رايس مندوبة اميركا في مجلس الامن بانها لن تجدد لهم هو انذار لهم بان عليهم انجاز هذه المهمة في مهلة 3 اشهر ؟‏

اسئلة ذات دلالات خطيرة تطرحها باخرة تهريب السلاح العربي – الغربي – الصهيوني، تحت مرأى ومسمع القوات الدولية و المبعوث الدولي الذي يجول ليروج كما يقول لحل سلمي للازمة السورية، ثم يأتي السلاح وبهذه الطريقة لينسف الاعتقاد بجدية الحل ويثير الهواجس والشكوك حول خطط غربية معاكسة ، وليؤكد مرة اخرى بان سورية ما زالت عرضة لحرب كونية وليس لموضوع الاصلاح الذي رفع شعارا في بدء اعلان الحرب محل في الخطة اكثر من كونه قناعا يخفي العدوان – المؤامرة .‏

ومع هذا اليقين بخطة العدوان ، نعود الى واقع يقيني اخر، هوواقع سورية وجبهة الدفاع عنها من الداخل والاقليم وعلى الصعيد الدولي العام ونرى ان هذه الجبهة هي من القوة والارادة والمنعة ما يمكنها من المواجهة ورد كيد المعتدي الى نحره مستقبلاً كما تمكنت من هزيمته في مراحل العدوان المتعددة خلال ال 14 شهراً الماضية .‏

* أستاذ جامعي وباحث استراتيجي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية