تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


رغم شقائها.. العتالة مهنة التغلب على البطالة

مجتمع
الأثنين 12-7-2010م
وائل المولى

رغم أن «العتالة» من أقدم المهن التي اعتقدنا أنها ولت في عصرنا لارتباطها في أذهاننا بالحقبة الاستعمارية،حيث كان الاستعمار يستغل الناس ويجبرهم على حمل المواد الخاصة بتشييد الطرق والمواقع العسكرية إلا أن الحمالين اليوم منا وإلينا...

مهنة تقف وراءها الحاجة والبؤس الاجتماعي الذي يطبع يوميات الكثير من العاطلين عن العمل وبالتالي التغلب على البطالة والسرقة أو التسول وغيرها.‏

ويرى فيها البعض نوعا من الأعمال الشاقة وينظر إليها البعض بكثير من الشفقة أو الدونية، إنها ببساطة مهنة«الحمال» التي يمارسها الآلاف من الأشخاص من مختلف الأعمار. مهنة رغم ما يقال عنها فتحت الكثير من البيوت وأعالت العديد من العائلات، بل مكنت البعض منهم حتى أن يصبحوا مدراء لمجمعات اقتصادية ضخمة حساباتها بالعملة الصعبة.. يكفي زيارة سوق الهال أو التجول في ساحة المرجة والحريقة والمناطق المحيطة لتكتشف خلية مثل النحل في ذهابها ومجيئها بين الأروقة تبحث عن الزبائن. إنهم جماعة«الحمالين» الذين قد تتوقف حركة البيع والشراء في غيابهم بالنظر الى دورهم الكبير في تصريف أطنان الخضار والفواكه التي يتم تداولها من البائع الى المشتري في اليوم الواحد. منهم من يستعين ب «العربة الصغيرة»لنقل البضائع ومنهم من تقتصر وسيلة العمل لديه على مجهوده العضلي ليس إلا.‏

تجدهم يسبقون الجميع الى السوق ربما لحجز أهم الأماكن الاستراتيجية للظفر بحمولة«صحيحة» أو لضمان قوت ذلك اليوم بالنظر الى اشتداد المنافسة حتى بين الحمالين جراء ما تطلبه المهنة من خفة وسرعة وحسن التفاوض حول التسعيرة.«عبد. خ »الذي يخيل للمرء أنه يمارس رياضة كمال الأجسام، من شدة وضوح تقاسيم الوجه وبروز عروق اليدين وقوة اليدين، لم يعرف مهنة أخرى غير مهنة«حمال» التي شب عليها منذ نعومة أظافره.‏

ورغم أن مهنته كما يقول تقسم الظهر وتحبس الأنفاس إلا أنها مع ذلك لم تقلل من خفة روحه ودعابته وحب «تنكيته»، ربما من باب الترويح على النفس للتخفيف من رفع الأثقال الذي يقوم به مع طلوع شمس كل يوم شتاء وصيفا.‏

«عمر. م» الذي تقوس ظهره بفعل السنوات التي قضاها في نقل مشتريات الخضار والبقالين يملك« عربة» تساعده على تخفيف الحمل بعدما لم يعد قادرا على رفع الثقيل فوق جسمه النحيف بعدما أتى عليه الكبر ولم يعد مثل أيام زمان . وزيادة على صعوبة المهنة وكذا صعوبة إرضاء الزبائن الذين يشتكون عند دفع الأجرة على قلتها، فإن عمر يفكر مليا في كيفية إنهاء «العقوبة» وظل طيلة حياته يمارس مهنة«حمال» دون أي تأمين أو نقابة تساهم في إنهاء حرمانه من الحق في التقاعد. وهذا حال كل الحمالين.. قبلتهم المفضلة اختاروا الأحياء السكنية المكتظة ليستقروا بها طيلة ساعات النهار عارضين خدماتهم على السكان الذين يفتقدون الى كل المرافق وعلى رأسها المصاعد الكهربائية مما يحتم على سكانها الاستعانة بهؤلاء الحمالين في قضاء كل مشاويرهم واحتياجاتهم بدءا من نقل الأثاث الى جرات الغاز.. إلخ باعتبار هذه الأحياء تفتقر الى كل ذلك ناهيك عن الأشغال الأخرى التي يعمل بها الحمالين مثل تسليك الصرف الصحي والهدم وغيرها. وجد «الحمالين» لقمة عيش لكنها ليست طرية ولا هنية مقابل آداءهم لهذه الخدمات مقابل مبالغ مالية زهيدة، كل من رأيناهم وقابلناهم كان همهم واحد فالجميع يريد ضمانات اجتماعية وراتب تقاعد والجميع اشترك بالرأي بأنه يوما ما سيصاب جسده بعجز نتيجة التراكم ويضيف البعض قائلا: الغريب أن لا أحد في المجتمع يكترث لنا ولا يشعر بهمنا أو تطرق لمعاناتنا وبالفعل هذه الفئة من العمال محرومة ومهمشة فالجميع يرى بأم عينه التعب المضني الذي يتكبده هؤلاء والعرق المتصبب من جباههم وأجسادهم النحيلة التي أضنتها الأحمال الثقيلة، خاصة بالنسبة للكهول منهم الذين تعرضوا الى ضمور في العظام. في حين أن البعض الآخر منهم شباب يافع دفعته الظروف وانعدام المستوى التعليمي الى امتهان العتالة بدلا من مد اليد للتسول أو السرقة تراه مصابا بمرض أو علة أو أنه ينتظر الإصابة مع مرور الزمن بالمختصر الجميع يحتاج الى اصحاب هذه المهنة. بل لا غنى لنا عنهم فالظروف أمليت علينا وعليهم لتؤكد لنا بأنها سنة الحياة وتسخير الله تعالى الناس لخدمة بعضهم البعض ولكن كل ما يحتاج إليه هؤلاء هو تأمين يسترهم في المستقبل ويساعدهم في الاستشفاء والعيش بدون هذه المهنة ولو لبعض سنوات قبل الرحيل الى الرفيق الأعلى.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية