|
شؤون سياسية يؤكد المؤلف أن العالم اليوم لم يعد هو العالم الذي كنا نعيشه من قبل,فمنذ سنوات مضت كان من المتعذر تجاوز مبدأ السيادة في العلاقات بين الدول في حين تجاهد الدول اليوم من أجل المحافظة على مواقعها في مواجهة العولمة الاقتصادية, والتجمعات الاقليمية,والقيم الإنسانية المشتركة. بل وفي مواجهة أنواع متعددة من الحركات عابرة الحدود وهي (ثقافية,ودينية,وعرقية,ومافياوية..) هذا التغيير الكبير الذي حدث بعد انتهاء الحرب الباردة وعهد القطبية الثنائية, لا يتوقف عن التمخض عن آثار عديدة, وعن إنتاج مبادئ جديدة يتناولها هذا الكتاب بالنقد والتحليل.. كما يكشف القناع عن وهم مبدأ السيادة. بدءاً من القرن السادس عشر قام الفلاسفة (بودان,وجروتيوس, ثم كانط) بوضع الأساس الفكري لمفهوم السيادة. وفي القرن السابع عشر توطد مفهوم السيادة في أوروبا ,ثم انتقل تدريجياً منه مفهوم سيادة الحاكم الى مفهوم سيادة الجماعة السياسية (أي الشعب) ومنذ قرن مضى أصبح هذا المفهوم هو المبدأ الأسمى للقانون الدولي الذي يشترط بأن تمتلك كل دولة سلطة مطلقة.. غير محدودة,مستقلة عن الآخرين. تسن قوانينها كما يحلو لها,ولا تقدم حساباً لأي دولة أخرى, ليس من حق أي دولة التدخل في شؤون دولة أخرى. إن التاريخ حتى يومنا هذا ليس في الواقع إلا تاريخ أشكال وأنواع من التدخلات في شؤون البلدان الأخرى... وتاريخ نزاعات وحروب مترتبة على هذا التدخل. كانت السيادة منذ البداية محاصرة من جانب مبادئ أخرى تسمو فوقها.. فمنذ العصور الوسطى كان مبدأ الحرب العادلة يمثل قوة ضاغطة تسعى الى فرض ذاتها على السيادات. هذا الأمر أصبح أكثر وضوحاً بكثير منذ قرن مضى مع ظهور مبدأ حقوق الإنسان أو نمو الوعي العام بالمسؤولية المشتركة تجاه الإنسانية فيما يتعلق بموضوعات السلام والبيئة والصحة والسكان والتنمية البشرية وحتى الأمن. يتناول المؤلف بايجاز الخطوط العريضة للمناقشات التي جرت حول فكرة هذا الكتاب عالم بلا سيادة ويستخلص منها ثلاث أفكار تؤثر في التطور المعاصر: - أولاً: ينبغي تبين الفارق بين معنيين يكسوان فكرة السيادة والذي ينزع الخطاب السياسي والعلمي الى الخلط بينهما (السيادة كانت مطالبة وعزماً على التحرير وخطاباً للتنديد بالتسلط والهيمنة- ثم السيادة باعتبارها مبدأ لتسيير عمل النظام الدولي) وهذا التعاون بين هذين الوجهين للسيادة يقع على الأرجح في بؤرة الأزمات والتقلبات التي تصوغ الحياة الدولية المعاصرة. -ثانياً: الاعتمادات المتبادلة بين الدول تمزج السياسات القومية العامة,بل وأيضاً الأمن القومي لدول متعددة .. وهذا الاعتماد المتبادل يناقض مبدأ السيادة. - ثالثاً: النظام التالي للسيادة يتغذى على الأقل من حقيقتين جديدتين ثابتتين فمن ناحية لا توجد لدى أي دولة أي فرصة لبلوغ أهدافها بمفردها ومن غير الانتفاع بكل ما تقدمه أفكار الاعتماد المتبادل والتشارك في المسؤولية وتقاسم السيادة. ومن الناحية الأخرى هذه المسؤولية العالمية ليست موكلة الى تعسف قوة الدول الأكثر ضخامة إذ يزاد أكثر فأكثر وضع هذه المسؤولية العالمية تحت اشراف مساحة دولية عامة مصنوعة من آراء عامة متعددة, وشبكات ترابطية ووسائل اعلام ومعلومات ومنظمات غير حكومية تخلق تدريجياً ظروف مواطنة دوليةحقيقية تتجاوز دبلوماسيات الدول لعله أيضاً ثمة ثأر للشعوب. ويتألف الكتاب من 296 صفحة توزعت على ثلاثة أجزاء ومقدمة تبحث في تاريخ وهم السيادة.. وعجزها كقوة خائرة القوى(منهارة وضالة) وتتحدث في عالم المسؤولية والقوة وحقوق الإنسان بين المراوغة والعدل. يؤكد المؤلف أن مبدأ السيادة لم يكن في أي وقت من الأوقات منذ نشأته مبدأ مطلقاً ولم ينقطع عن كونه مبدأ وهمياً.. كان الفاعلون يطالبون به لتحقيق مصلحتهم الخاصة وفي حدود هذه المصلحة .. كما ويجري برتران بادي تحليلاً منطقياً لما يجري بعد انتهاء عهد القطبية الثنائىة في أوروبا وفي العديد من الدول حيث تتخذ الولايات المتحدة قرارت منفردة.. وتسعى الى استخدام سياسة ديبلوماسية الجيتو.. وبالطبع فإن كل ذلك وسيلة هي أكثر هدماً لمبدأ السيادة لأنها لا تنشىء سيادات حقيقية لكنها تقيم تعايشاً مزعزعاً بين معازل (أوسلو مثلاً) ويقول بادي (إن الدول الكبرى تستنكر علناً التدخل المباشر في شؤون الدول الأخرى.. إلا أن دورها كان حاسماً في عدد لا بأس به من الحالات... وإن هذه الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة تتدثر في أغلب الأحيان بفكرة الجماعة الدولية. وبمبدأ المسؤولية الدولية الذي لا خلاف حوله خاصة بالنسبة لحقوق الإنسان والديمقراطية من أجل تحقيق غاياتها ومصالحها الخاصة. وتتكشف لنا خلال قراءة هذا الكتاب آليات الترابط القائم بين علم السياسة والفلسفة وعلوم التاريخ والجغرافيا والقانون والاقتصاد والاجتماع والنفس البشرية بل وطبيعة علاقاته الوثيقة بثقافات الشعوب وأديانها وأعراقها. إن سيادة الدول التي يصورها كل إنسان بأنها قيمة مطلقة ومقدسة لا يمكن التهاون فيها تمثل مراحل تاريخية عرضية بين غيرها من المراحل. هل حدث من قبل أن كانت السيادة أمراً مقرراً بلا منازع? بالأمس كانوا يطالبون بها من خلال المعاناة وبذل الدماء,وهي اليوم تحث على نشوب معارك تتحلى بتعبير بليغ هو أنصار السيادة. وتوحد بطريقة غريبة بين المواطنين في القارة الأوروبية المصابين بالحنين الى الماضي, ونخب العالم الثالث المحملين بالآمال المحبطة,ورجال القانون المتشددين والجمهوريين الصارمين,,خصوم العولمة,والشكاكين في التجمعات الإقليمية. ما الذي يتصوره هؤلاء الذين يمجدون احترام السيادة في حين تتكاثر التدخلات لأغراض إنسانية وخطط التكيف, ويتزايد المدافعون عن حقوق الإنسان وعن الإعلاء من شأن المنافع المشتركة للإنسانية? وأخيراً يؤكد الملف أن السيادة والقوة مفهومان مألوفان لدى أنصار الدولية, ومع ذلك لم يحدث اطلاقاً أنهما تعايشا معاً في وفاق,من البديهي أن تبدو القوة كشرط ضروري من أجل السيادة ..وعلى هذا من المؤكد أن السيادة لم تعد مبدأ مؤسساً لكنه ثانوياً وتابعاً ولاحقاً..والالتباس هنا فخم فالأكثر ضعفاً كانوا دائماً هم الأكثر تمسكاً بقيم السيادة التي تستهدف حمايتهم وتأمينهم ضد مبادرات الأكثر قوة .. غموض خطير إذ إن الحماية لا تتحقق إلا إذا قبلها واعترف بها سيادياً الأكثر قوة. ويخلص المؤلف الى أن السيادة تعني سلطة نهائية لا تخضع لمبدأ يسبقها يمكنه تهذيبها وتعديلها أو مراقبتها. |
|