|
الغارديان وتبعتها النتائج التي خلصت إليها مجموعة الدراسة لوضع العراق التي قادت إلى تعرض الإدارة الأميركية إلى نقد لاذع جراء السياسة التي نهجتها إليها في هذا البلد, واعتبر الكثير من الأميركيين بأن بوش كان من أسوأ رؤساء الولايات المتحدة قاطبة,وأن سياسته لم تعد تلقى الدعم من المؤسسة الأميركية , أما المحافظون الجدد فقد وجدوا أنفسهم فجأة في حالة الدفاع عن النفس: فرامسفيلد أخرج من الوزارة, وتشيني وجد في الصمت ملاذاً له, وآخرون أمثال ريتشارد بيرل حدت حركته, وبقي بوش وحيداً في هذه الظروف لم يحرك ساكناً للتأثير في أعمال مجموعة الدراسة لوضع العراق,وبذلك سقطت الخارطة السياسية مرة أخرى بسرعة متناهية حيث تحطمت مكانة المحافظين الجدد جراء فشل سياستهم الخارجية, وجرهم البلاد إلى حرب كارثية في العراق, الأمر الذي استدعى بالضرورة إلى توجه مجموعة الدراسة إلى هناك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. لقد مرت الولايات المتحدة بمرحلة كانت خلالها القوة العظمى الوحيدة دون منازع لكن السنوات الست الأخيرة التي حكم فيها بوش الولايات المتحدة قادت البلاد إلى مواقع تحاكي ما انتهت إليه حرب فيتنام من حيث الهزيمة العسكرية والسياسية. عانى الأميركيون في عام 1975 من الهزيمة العسكرية المريعة التي لقوها على يد فيتنام الشمالية والفيتنكونغ, وقامت طائرات الهوليكبتر بانقاذ الجنود الأميركيين المحاصرين ونقلهم عن طريق سطوح الأبنية ,لأن الفيتناميين الفدائيين حاصروا مركز سايغون بعد تطويقها , الأمر الذي دعا الولايات المتحدة إلى إعادة النظر بسياستها الخارجية ولاسيما ما يتعلق منها بالاقتتال في بلدان ما وراء البحار, وعمدت إلى تجنب الخوض في مثل تلك السياسيات لعدة عقود تلت تلك الحرب. ما إن برز دور المحافظين الجدد حتى أعلنوا رفضهم الفكر الانهزامي الذي ساد خلال وبعد حرب فيتنام لذلك كان تعاملهم مع العراق يختلف تماماً عما نهجته الإدارة الأميركية في حروبها السابقة,وجدت الولايات المتحدة نفسها تغوص في مستنقع دموي لا نهائي وخاسر لن يمكنها من تحقيق نتائج تتوافق مع رؤيتها. إن الحرب في العراق تشكل خطورة على الولايات المتحدة تفوق الخطورة التي تعرضت لها في فيتنام على الرغم من التبريرات التي ادعتها من أنها تسعى لمنع انتشار الشيوعية, لكن الولايات المتحدة لم تستطع تحقيق ما هدفت إليه بل إن كل ما استطاعت فعله هو توريط لاوس وكمبوديا بحروب لا طائل منها. إن نتائج الحرب على العراق ستقود الشرق الأوسط إلى فوضى قد تستمر لأمد طويل وإن استراتيجية المحافظين الجدد لإعادة تشكيل المنطقة بالتعاون مع اسرائيل قد تقوضت بكاملها, لذلك نهجت لجنة بيكر- هاملتون إلى التوجه نحو إشراك سورية وايران في أي عملية لتوطيد الأمن في هذه المنطقة, الأمر الذي يتطلب اعادة مرتفعات الجولان إلى سورية والسعي إلى تحقيق اتفاق جديد بين اسرائيل والفلسطينيين وبذلك فإن اللجنة قد جاءت بمقترحات تناقض السياسة الخارجية التي وضعها بوش. إن فشل الولايات المتحدة في الحرب العراقية سيجعلها ولأمد طويل تحجم عن خوض أي حرب مماثلة, إذ أظهر هذا الفشل الامكانيات المحدودة لقواتها العسكرية وعرفت الكثير من الدول أمثال ايران وسورية واسرائيل والسعودية هذا الواقع. اتخذت الولايات المتحدة لنفسها دور الوسيط لحل معضلات الشرق الأوسط وذلك منذ عام 1956 على الرغم من الدور الضئيل الذي كان يلعبه الاتحاد السوفييتي لغاية عام ,1989 لكن دورها أخذ الآن بالتلاشي وعليه لن يمضي زمن طويل حتى تجد الولايات المتحدة نفسها ملتزمة للمشاركة بالنفوذ مع دول اقليمية مثل ايران والاتحاد الأوروبي, ولاشك بأن هناك لاعبين اقليميين كالصين وربما روسيا سيظهرون في الساحة.وإزاء ذلك فإن التحالف الذي تشكل في الشرق الأوسط منذ عام 1956 بين اسرائيل وأميركا سيفقد فعاليته بشكل تدريجي ويتلاشى, وبناء عليه فمن وجهه نظر اقليمية فإن الحرب على العراق تشكل خطورة على الولايات المتحدة تفوق ما تعرضت له في حربها في فيتنام. إن تمسك إدارة بوش باستقلالية السياسة الخارجية لم تقد إلى كارثة الحرب العراقية فحسب, وإنما أدت إلى انحسار في النفوذ الأميركي في مختلف الاتجاهات , وإن عالم متعدد الأقطاب يتطلب بالضرورة شكلاً مختلفاً عما ترسمه السياسة الخارجية الأميركية ويستوجب شكلاً معقداً من الإشراك في السلطة على المستوى العالمي والاقليمي. وهذه النظرة الجديدة جاءت مضمنة في تقرير ( بيكر-هاملتون) للوضع العراقي الذي يقول إن أي حل لأزمة العراق يستدعي إشراك سورية وايران, وستظهر هذه النظرة الجديدة بشكل جلي حين معالجة شؤون شبه الجزيرة الكورية وأميركا اللاتينية, وبناء عليه فإن نتائج حرب العراق سيكون لها تأثيرها الحتمي على السياسة الخارجية الأميركية لعدة عقود قادمة. |
|