تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نحو شفير الهاوية

معاً على الطريق
الاحد 24/12/2006
برهان بخاري

ربما إن من أكثر الأمور حراجة ان يضطر الكاتب الى التأكيد على صحة اطروحاته في قضايا سياسية ذات أبعاد استراتيجية

وأن يستعرض نفسه بالتالي ككاتب استراتيجي بعيد النظر, لكن حيث إن ما سأقوله هو على درجة بالغة من الخطورة, فإن القصد من الحديث عن الاطروحات السابقة هو التأكيد على أن ما سأطرحه اليوم ليس ابن ساعته أو ابن سنته أو سنواته, بل هو حصيلة التعامل مع قوانين طبيعية واجتماعية.‏‏

بعد سقوط بغداد ساد نوع من التصور بأن الدور آت على سورية لا محالة, وبأن النظام فيها سيسقط وفق نظرية الدومينو كنوع من تحصيل حاصل, وقد نقل الصديق وئام وهاب صدفة طرفا من تلك الاجواء عبر مداخلة مع فضائية المنار يوم الجمعة قبل الفائت, قائلا إن وليد جنبلاط كاشفه بعد سقوط بغداد بشهرين بأن القيادة السورية ستغادر دمشق الى الخارج خلال فترة وجيزة لأن الأميركيين قادمون لا محالة.‏‏

وقد وصل الأمر وقتها بأرييل شارون الى حد أنه طالب أميركا في لقاء مع صحيفة التايم اللندنية بتأجيل اسقاط سورية لأن سقوطها تحصيل حاصل والتوجه فورا الى ايران لأنها تشكل العدو الصعب المستعصي.‏‏

وسط تلك الأجواء المحمومة التي اعقبت سقوط بغداد نشرت مقالا في صحيفة النهار البيروتية تحت عنوان (الفوضى في ضوء الراهن والمستقبل) بينت فيه أبعاد نظرية الفوضوية التي أسس لها كل من برودون وباكونين ومدى ملاءمتها للاوضاع السائدة في العراق وأكدت أن الأميركيين لن يكون بمقدورهم تحمل الفوضى التي ستنشب في العراق, وأن ما يسمى بالزلزال العراقي الذي أحدثته أميركا والذي بات يهدد سورية حسب مزاعم صبيان السياسة وغلمانها في لبنان ليس إلا نوعا من الالعاب النارية التي تلتمع فوق المستنقع العراقي الذي ستغرق أميركا في أوحاله لا محالة.‏‏

ورغم أنني تعرضت وقتها لنقد شديد, حتى من قبل أقرب المقربين إلي, بسبب ما اعتبروه استخفافا بالقدرة غير المتناهية لأميركا, وبسبب التفاؤل المفرط الذي ابديته بالهزيمة الحقيقية لأميركا, إلا أن النتائج النهائية اليوم تثبت أن الهزيمة الأميركية فاقت جميع التوقعات, وأن ثمة نوعا من الاجماع بأن الوضع في العراق هو أسوأ بما لا يقاس من أيام حكم صدام حسين الذي عارضناه بلا هوادة, وبأن نظرية تحرير العراق التي تبناها الأعراب والمتأسلمون وساهموا في تنفيذها لم تكن إلا خطة جهنمية قادتها الصهيونية لتدمير العراق ومحوه من الوجود ثأرا لسبي بابل وانتقاما من نبوخذ نصر الذي جرت سرقة تماثيله من متاحف بغداد على أيدي الصهاينة.‏‏

ثم نشرت بعد ذلك مقالا في صحيفة السفير البيروتية تحت عنوان (السيناريوهات المقلوبة) أكدت فيه أن أميركا قد اسدت لإيران خدمة لا تقدر بثمن حين قضت على ألد وأشرس عدوين لها وأعني طالبان في أفغانستان وصدام حسين في العراق, وأن إيران هي التي باتت تحاصر أميركا وليس العكس, وتنبأت فيه أيضا بأن يتجمع في العراق مختلف أعداء أميركا, كما تتجمع أسماك القرش على رائحة الدم.‏‏

يبقى بيت القصيد هو أنني نشرت قبل الغزو الأميركي للعراق ببضعة اشهر في صحيفة البيرق البيروتية مقالا تحت عنوان (الحرب العالمية الثالثة) تنبأت فيه بقيام حرب عالمية ثالثة إذا ما غامرت أميركا بغزو العراق, ثم اتبعته بعد سنتين بمقال في صحيفة الثورة تحت عنوان (اللا أميركانية) تنبأت فيه أن تعود سياسة القطبين من جديد بأن تشكل أميركا قطبا وأن تشكل الشعوب المظلومة المستضعفة القطب الآخر وأن ينشأ صراع عالمي يؤدي الى نشوب حرب عالمية ثالثة, ثم أتبعته بعد سنة بمقالين في صحيفة الثورة تحت عنوان (الحرب العالمية الشعبية) جزمت فيهما بنشوب حرب عالمية ثالثة.‏‏

ولقد فوجئت فعلا عند سماعي لتصريحات الجنرال الأميركي العقيد (جون أبو زيد) التي تتنبأ فيها بقيام حرب عالمية ثالثة بين أميركا وبين الشعوب والقوى الاسلامية, وتبقى استقالة أبو زيد أو اقالته اضافة الى استقالة ستة من كبار الجنرالات الأميركيين لغزا يحتاج الى الغوص في أحاجيه وغياهبه.‏‏

نعم أيها السادة, سواء شئنا أم أبينا, فإننا مقبلون على حرب عالمية ثالثة لا محالة, فالفوضى الخلاقة التي استحدثتها إدارة بوش قد آتت أكلها بجعل العالم كله يقفز تباعا نحو شفير الهاوية.‏‏

صحيح أن الغالبية العظمى من دول وقوى العالمين العربي والإسلامي عاجزة بمجملها عن إدارة أزماتها, وصحيح أن قسما كبيرا من قياداتها السياسية هو تابع أو عميل لأميركا, لكن السحر قد انقلب‏ على الساحر فلقد ثبت أن المتضرر الأكبر من سياسة الفوضى الخلاقة الخرقاء هو أميركا والكيان الصهيوني وأوروبا, فالمارد الذي انطلق من القمقم لم يعد بالامكان اعادته اليه, وليس العراق إلا مثالا متواضعا على ذلك.‏

وأخيرا وفي ما يخص المستنقع اللبناني الذي اجترح أوحاله صبيان السياسة وغلمانها في لبنان فإنني اطالب بقراءة جماعية متأنية لتصريحات كبير اساقفة كانتربري التي أدان فيها سياسة بوش- بلير الخرقاء التي حولت المسيحيين إلى مجموعة من العملاء للغرب في نظر غالبية المحيط الاسلامي المتلاطم, الأمر الذي نبهت الى خطورته في مقالاتي التي خاطبت فيها القيادات في لبنان, حيث حذرت من اللعب بالنار في المساس بالأقانيم الوطنية والتحررية والقومية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية