|
منوعات وبالتأكيد فإن مثل هذا التفكير هو استمرار في الطريق الخطأ الذي بدأ بغزو العراق,ولن يؤدي إلا للمزيد من تفاقم الأوضاع,فهل يستحق حفظ ماء وجه الإدارة الأمريكية والتغطية على فشلها المزيد من القتلى والدمار?أليس حريا برئيس القوة الأعظم أن يتحلى بالشجاعة ويعترف بالخطأ,والتخلي عن منطق القوة الذي ثبت فشله, واعتماد قوة المنطق في رؤيته لمشكلات العالم? يبدو أن الإدارة الأمريكية لا تتعلم.وأن تلك الغشاوة المسدلة على بصرها وبصيرتها لا تزال تمنعها من رؤية الحقيقة,وتقبل سلسلة الإخفاقات المتتالية التي منيت بها سياساتها ومشاريعها في الشرق الأوسط,من العراق إلى فلسطين ولبنان ومن دون أن ننسى أفغانستان.هذا الفشل وجد له صدىً في الداخل الأمريكي عبر عن نفسه بزلزال انتخابي أفقد الإدارة الأمريكية أغلبيتها في مجلس الشيوخ والنواب,الأمر الذي من المفترض أن يكون له أثره في ضبط سلوك هذه الإدارة,وكبح نزعة الهيمنة والغطرسة وعقلية التفرد التي حكمت سياساتها في الداخل والخارج. لقد سوقت الإدارة الأمريكية لسياساتها تحت شعارات براقة:مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطية,وكانت ميكافيلية أكثر من صاحب كتاب الأمير في سبيل الوصول إلى غاياتها. فإلى جانب الحروب الظالمة,والضغوط الهائلة والتدخلات السافرة,شرعت للحروب الاستباقية,وابتدعت مبدأ الفوضى الخلاقة,ونستطيع أن نتصور مع سياسة بهذه المبادئ المشهد الذي سيكون عليه العالم من دمار ومآس وعدم استقرار وظلم,الأمر الذي يتناقض مع أبسط القواعد الأخلاقية والشرائع السماوية والإرادة الإلهية التي تدعي هذه الإدارة أنها تستمد منها السلطان والإلهام. بعد ست سنوات من وصول المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض انهارت أوهامهم نتيجة الفشل الذريع الذي منيت به مشاريعهم وسياساتهم وأدت إلى نتائج معاكسة تماماً لما كانوا قد خططوا له,فالحرب على الارهاب أدت إلى نموه عوضاً عن تقليمه,ونشر الديمقراطية أدى إلى شبح الحروب الأهلية والفوضى العارمة,لذلك كان من الطبيعي مع نتائج كهذه أن تتدحرج تباعاً الرؤوس المسؤولة عنها. رغم هذا الفشل الذريع,والانتقادات العديدة داخلياً ودولياً لسياسات الإدارة الأمريكية والصفعة التي وجهها لها الناخب الأمريكي,يبدو أن هذه الإدارة لم تتعلم أو لا تريد أن تتعلم,وعوضاً عن إعادة النظر بهذه السياسات الخاطئة,تستمر على لسان مسؤوليها بتوجيه الاتهامات للآخرين مطالبة إياهم بتغيير سلوكهم,وعوضاً عن الحوار البناء لإيجاد حلول للقضايا الدولية,لا تنفك تتحدث عن عزل(الأشرار) واستعمال لغة الإملاءات التي آن الأوان لها لتتأكد من عقم نهج كهذا. لا يحق لهذه الإدارة المحافظة أن تنتقد أي دولة,وعليها توفير نصائحها لنفسها لأنها غارقة في وحل أخطائها على قول الشاعر: يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم لقد آن الأوان لتعيد الإدارة الأمريكية النظر بسياساتها واعتماد الحوار البناء للوصول إلى فهم مشترك والمساهمة الفعالة في معالجة الأزمات الدولية,والابتعاد عن منطق التعالي والغطرسة والعنجهية في توزيع شهادات حسن السلوك وإسباغ المشروعية على دول العالم وأنظمتها,لأن الشرعية تستمد من إرادة الشعوب وليس من رضى الإدارة الأمريكية,وشعوب المنطقة لم تعد قاصرة وهي أدرى بمصالحها,وديمقراطية أبو غريب وغوانتانامو لا تناسبنا لأنها تتناقض مع قيمنا وأخلاقنا ومعتقداتنا. إن الرجوع عن الخطأ فضيلة,وأن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً,وكانوا يقولون قديماً السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه,ويمكننا أن ندرك مستوى الشقاء الذي بلغته الإدارة المحافظة في الولايات المتحدة,وبالتالي يحق لنا أن نتبادل الأدوار مع منظري المحافظين الجدد وممثليهم في الإدارة الأمريكية,آملين أن يتقبلوا لمرة واحدة نصائحنا البعيدة عن لغة التهديد والوعيد,وكما يقول إخوتنا في لبنان( يسمحوا لنا فيها هالمرة). |
|