تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كل اربعاء...الربيع المغدور

منوعات
الأربعاء 16/4/2008
سهيل ابراهيم

مَن يذكر ميثاق السابع عشر من نيسان عام 1963?? من يذكر ذلك الربيع المغدور الذي صلب بخضرته ووروده وهوائه العليل على جدران قلوبنا, قبل أن تنضج فاكهته, ويحلو ثمره!!

من يذكر الأعلام التي اتحدت نجومها وبياضها وأحمرها القاني في علم واحد, والأناشيد التي تشابكت مفرداتها وموسيقاها الحماسية, في نشيد واحد, يربط ضفائر الفراتين بجدائل النيل, وغرة بردى, تحت شمس دافئة, تشرق في سماء فسيحة, تمتد كما يحلو لها أن تمتد, فوق أرض تكتنز بالخصب والخيرات.‏‏

قبل خمسة وأربعين عاماً, وفي مثل هذه الأيام, كان شبابنا يخطو خطوته المستحيلة لبناء الدولة القومية! على أعمدة المثلث العربي, من شرق العرب وشمالهم الى جنوبهم, من بغداد العباسيين, الى قاهرة الفاطميين, مروراً بدمشق الأمويين, في فضاء قومي,كان كل شيء فيه ينبئ بولادة كبرى, تفترس الحدود, وتؤكد الهوية, وترسم لمصيرنا خرائط جديدة, تنسف من الأساس خرائط سايكس-بيكو, وتقتلع من الجذور غرس بلفور, وتنتزع من قبضة التاريخ قدر الأمة, بعد انكسار طويل بدأ في غرناطة ولم ينته بعد!‏‏

ميثاق السابع عشر من نيسان عام ,1963 رافعة الدولة القومية, التي تحمي ولا تهدد, تصون ولا تبدد, تشد أزر الصديق, ترد كيد العدو, تحول في الذاكرة الى عرس قومي مخطوف, احترق فيه ثوبه الأبيض, واغتيلت الأغاني, وانطفأت المصابيح, وتفرق الأهل والأصحاب, نحو مصير آخر, نحصد مرارته اليوم, في كل الأصقاع والأمصار, تناحراً واحتلالاً, وتمزقاً, وسفك دماء, وتشوشاً في الرؤية, واستباحة للمقدسات, وقنوطاً في عتمة الظلام الذي يسد الأفق في عيون العرب كشياطين الأساطير.‏‏

مرحى للذاكرة الحية, التي ما زالت تختزن صور ذلك الحلم المجسم , ومفردات نشيده, وألوان علمه, ومرحى لمن يسعى الى النهوض بعكازين جديدين من الحلم, في مشرق الوطن العربي ومغربه, كي يثبت أن ما صُلب على جدران قلوبنا قبل خمسة وأربعين عاماً, ما زال قابلاً للحياة, وسط كل الفجائع التي تسكننا, وكل الموت الذي يهبط على مدننا وأقطارنا بمظلات أمريكية, يقودها جشع امبراطوري, يلتهم الحياة, وقيم الحياة ومبادئها المقدسة.‏‏

سابع عشر آخر من نيسان 1946 قطف فيه العرب السوريون ثمرة جلاء الفرنسيين عن ترابهم, ونصبوا سرادقهم الوطني, ودقوا فيه طبول العرس, وغنوا كما لم يغنوا من قبل, حاضنين في صدورهم راية يوسف العظمة,ووجوهاً استقلالية خضبت وجه الأرض بدمها, من جبل العرب في الجنوب, الى جبل الزاوية وجبال اللاذقية في الشمال!‏‏

ثمرة الجلاء التي انتزعها العرب السوريون من قبضة الجنرال غورو وأركانه الفرنجة, لم تكن مجرد خطوة استقلالية, تحرر فيها الوطن الصغير من سطوة المستعمر, بل باباً للنهوض القومي, ظلت إرهاصاته تتفاعل في وجدان السوريين, حتى انبلج صبحهم عام 1958 عن فعل وحدوي, أنجزوا من خلاله أولى ركائز الدول القومية التي جسدتها حينذاك الجمهورية العربية المتحدة, بشطريها المصري الجنوبي, والسوري الشمالي .‏‏

من أجل ذلك فالصراع على سورية في مختلف مراحل التاريخ الحديث, كان انقضاضاً على نبضها القومي, الذي دأبت على ضخ فلسفته في كل حواضر العرب, كخلاص وحيد للأمة من هُزال كياناتها وتردد خياراتها, وانقسام قرارها!‏‏

كان الجلاء خطوتنا الشجاعة, التي فتح أمامها الطريق, أرتال من الثوار الاستقلاليين الذين صنعوا لنا النصر في معركة الحرية, وكانت الوحدة خطوتنا المكملة التي قطعنا فيها المسافة بين انتمائنا الوطني, وانتمائنا القومي, من أجل الهوية القومية التي يجحدها اليوم الجاحدون, ويرشقونها بنبال الغدر!‏‏

مرحى للعرب السوريين, الذين عرفوا مرة كيف يهزمون جحافل الجنرال غورو, وعرفوا كيف يقطفون ثمرة استقلالهم, وعرفوا كيف ينتقلون بهمومهم وطموحهم من مفهوم القطر الضيق الى مفهوم الأمة الواسعة ويعرفون دوماً كيف يكسرون الحصار من حولهم, حين ينقض على نبضهم القومي تجار الحروب والفتن, وسدنة المشروع الأمريكي العاصف في غابات العرب الساكنة.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية