تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ليلى طه في تطلعات اللوحة التراثية الحديثة .. إيقـاع الزخارف والزهور والتفـاف الدوائـر والأقواس

ثقافة
الاثنين 26-10-2015
أديب مخزوم

تستعيد الفنانة التشكيلية ليلى طه في لوحاتها، التي تقدمها في معارضها الفردية والخاصة، تداعيات الماضي المكتنز بصوره ورموزه وأشكاله، وكل ذلك يحرك العناصر التشكيلية أمام العين، ويجعل الشاعرية والغنائية حاضرة، الشيء الذي يعني حضور الخطوط والتشكيلات اللونية، من منطلق المفاهيم الثقافية الجديدة،

التي تعطي اللوحة دلالات لا متناهية من المعاني المرتبطة بموسيقا اللون وإيقاع الخط وأثر الحالة الداخلية، وإلى آخر ماهنالك من تعابير جمالية وتشكيلات وجدانية.‏

حلم المدينة‏

ولقد حملت بعض لوحاتها مؤشرات التفاعل مع هذا الحلم المستمر في مشاهدات القناطر والأقواس والقباب والنوافذ والأبواب والجدران القديمة، كل ذلك في خطواتها الرامية إلى إعادة الاعتبار للأنماط والاتجاهات التي أعطت للعمارة المحلية والعربية طابعها الخاص والحميمي. فأحواض الورود والزهور والأشكال النباتية المختلفة تتواصل في لوحاتها بطرق جديدة، وتبدو مرسومة من زوايا متعددة، منخفضة ومرتفعة وقريبة وبعيدة.‏

وهي تمد لوحاتها بثمرات خبراتها التقنية المتراكمة للوصول إلى العجائن اللونية الكثيفة القادمة من الإحساس الحيوي بجمالية اللوحة التشكيلية الحديثة والمعاصرة والإمساك بصياغة عفوية قابلة للبوح التعبيري، الذي يكسر رصانة البنى الهندسية، سواء انحصرت داخل مساحة لونية زخرفية أم معمارية أم نباتية.‏

كثافة اللون‏

إنه الارتجال الذي تجسده في حالات التكوين والتلوين ويبعدها مسافات عن الاشارات الواقعية المباشرة، ويدخلها بالتالي في الحركة التعبيرية للون، على أساس أن هواجس التركيز على مظاهر اللمسة اللونية التلقائية، تدرج ضمن إيقاعات البحث عن جمالية تشكيلية عصرية، تلغي الرتابة والرزانة الزخرفية، وتبقي فقط على الإيقاعات البصرية المعبرة عن إشراقة الحالة الداخلية المجسدة بالتعبير اللوني الحر، الذي يفسح المجال لإثارة التساؤلات والتأويلات، وذلك لأن الكثافة اللونية التي تصوغها في مساحات لوحاتها تشكل فسحة للتأمل ولترداد صدى الإيقاعات التي تولدها تقنية وضع المادة اللونية الزيتية في المدى التصويري، الذي يعمل يوماً بعد آخر على ترسيخ الحضور الفني على النطاق التشكيلي في أبجديته التعبيرية، و ذلك للحد من الرزانة الهندسية الدقيقة، حيث تعمل في كل لوحة من لوحاتها على تجنبها، لتصل بالمشهد المعماري إلى انفلاتات خيالية مفتوحة على جماليات تشكيلية وثقافية معاصرة. هكذا نجد الزخارف والقباب والجدران والأبواب والنوافذ القديمة تتداخل في أحيان كثيرة مع الكراسي والأزهار، كل ذلك بصياغة لونية عفوية تبعد اللوحة عن الزخرفة التزيينية والتقليدية، وتدخلها في إطار اللوحة الحديثة التي تضفي المزيد من التلقائية والعاطفية على حركة الأشكال المرسومة، وهذا يفتح نصوص مساحاتها التشكيلية على احتمالات تعبيرية وتجريدية، ويحرك عناصر اللوحة بإضافات لونية متحررة ولمسات كثيفة ومرتبطة بالحالة الداخلية التي تعيشها أثناء إنجاز اللوحة.‏

وفي صياغة تشكيلاتها التعبيرية والتجريدية تعتمد على الحركات الدائرية والنصف دائرية والحركات الحلزونية التي تتداخل مع الزخارف والرموز والإشارات الحضارية.‏

احتمالات تعبيرية وتجريدية‏

وتتحول لوحاتها إلى الشكل وتبتعد عنه في آن، لتستقر على ثنائية التراث والحداثة، وهي في أحيان كثيرة تشغل كامل مساحة اللوحة بالمفردات المكثفة والمركبة إلى درجة غياب أي فسحة. وحين تظهر المساحات الواسعة أحياناً نستطيع ان نلمح فيها ذلك الحوار التقني الذي يحرك المساحة عندما يتشكل السطح من تضاريس لونية فيها الكثير من العفوية والتحرر من القيود الأكاديمية.‏

ومنطلق البحث التشكيلي في اعمالها يأخذنا نحو كسر الهندسة بغية الوصول إلى زخرفة لونية متحررة، أقل هندسية وأكثر انعتاقاً من الأطر القاسية، رغم تأكيدها نوعاً من الانسياق (القباب، الأشكال الصامتة، البيوت القديمة، الأحصنة...) وتصل إلى جوهر الشكل الهندسي أو جوهر الزخرفة متخطية بذلك الاستغراق في الصياغة التزيينية والدقة الرياضية.‏

وتشعرنا دائماً بتلك الرغبة في إبراز الخصوصية الأسلوبية داخل مساحة اللوحة، التي قد تكون مساحة جدار قديم فيه زخرفة على سبيل المثال، ومنطلق البحث التشكيلي يأخذنا نحو كسر الهندسة بغية الوصول إلى زخرفة لونية متحررة، أقل هندسية وأكثر انعتاقاً من الأطر القاسية، رغم تأكيدها نوعاً من الانسياق (القباب، الأشكال الصامتة، البيوت القديمة، الأحصنة...) وتصل إلى جوهر الشكل الهندسي أو جوهر الزخرفة متخطية بذلك الاستغراق في الصياغة التزيينية والدقة الرياضية.‏

تستخدم ليلى طه إذاً زخرفة لونية على قدر من الحرية والتنويع التقني، فمرة تستخدم المساحات الشفافة أو المسطحة، ومرة ثانية الناتئة أو النافرة، ومرة ثالثة تعتمد حركة اللمسة العفوية واللمسة شبه الصافية، وهي في ذلك تستخدم مواد لونية بدرجات متفاوتة من السماكة في اللوحة الواحدة.‏

هكذا نجد الزخارف والقباب والجدران والأبواب والنوافذ القديمة تتداخل في أحيان كثيرة مع الكراسي والأزهار، كل ذلك بصياغة لونية عفوية تبعد اللوحة عن الزخرفة التزيينية والتقليدية، وتدخلها في إطار اللوحة الحديثة التي تضفي المزيد من التلقائية والعاطفية على حركة الأشكال المرسومة.‏

انها لوحات تجعل الشواهد والعناصر التراثية قابلة لطواعية التغيير، وهذا يضفي الناحية الأسلوبية، ويظهر قدرة على التلاعب بالسطح التصويري من خلال استخدام اللمسة والأجواء اللونية وخطية التعبير الذي تريد إيصاله إلى المشاهد عبر استعادتها المتواصلة لثنائية التراث والحداثة.‏

facebook.com/adib.makhzoum‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية