تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عشق سورية الحكاية.. فصار.. «بائع الحكايات»

ثقافة
الاثنين 26-10-2015
هفاف ميهوب

«هي رواية، تتحدث عن مهندسٍ بولندي، يذهب إلى سورية ضمن فريقٍ تقنيٍّ، للتنقيب عن الغاز في صحراء «دير الزور» لكنه يقع في غرام هذا البلد، وينسحر به، فيترك عمله في مجال التنقيب عن الغاز، ويبقى في سورية،

وقد ساعده على ذلك أنه كان يمتلك المال، وبما أنه يهوى الثقافة والمجتمع، فقد أصبح حكواتياً يروي ما يحدثُ له من قصصِ وحكايات».‏

إنه الجواب الذي كان الكاتب البولندي «ستانيسواف ستراسبورغر».. قد ردَّ به في إحدى اللقاءات التي كان أول سؤالٍ وجّهَ إليه فيها، عن مضمون ومحور روايته «بائع الحكايات».‏

حتماً، هو لقاء الثقافات. هذا ما أراد أن يحكي عنه، بل هذا ما أكده، وفي الحوار الذي أجاب فيه أيضاً، وعندما سُئل عن أول تماس له مع الثقافة العربية:‏

«حين كنتُ في السابعة من عمري، أهداني شخصٌ كتاباً مصوراً للأطفال حول الحملات الصليبية، وفيه صورٌ للمحاربين الصليبيين، الذين ذهبوا إلى فلسطين وتأثروا بالسكان المحللين، وأصبحوا يرتدون ملابس تشبه ملابسهم. ملابس ملونة يرتدونها وهم حاملين أسلحتهم. سحرتني هذه الأزياء وبقيت في ذاكرتي، وكنت أرسمها ولازلت أذكر حتى الآن، ما رسمته منها في طفولتي»..‏

يتنقَّل «بائع الحكايات، بين أماكن كثيرة، وخصوصاً في البلدان العربية. تلك التي يبدو بأنه كان يعرفها جيداً، ويعرف حكاياها التي دفعته للقول:‏

«بائعُ الحكايات، هو بشكلٍ أو بآخر.. كل واحدٍ منكم»..‏

نعم.. «بائع الحكايات» هو كلّ من لديه دراية بالثقافة العربية. الثقافة التي قارنها الكاتب مع الثقافات الغربية. فعل ذلك، فأعاد إحياء الموروث الثقافي العربي القديم، مذكراً بأن هناك مفردات كثيرة تُستخدم في الثقافة العربية، وكان لها أبلغ الانتشار والتأثير على الثقافة الغربية.‏

في الرواية، تكلم الكاتب عن تاريخ سورية، عارضاً مساحتها وعدد سكانها. مناخها، دستورها، صناعاتها. تكلّم عن كلّ ذلك، لأنها البلد التي قرر أن يكون فيها «بائع الحكايات».. الحكواتي الذي يطوف في أرجائها، وينهلُ من عمقِ ثقافتها.. الثقافة التي عرفها منذ كان صغيراً، وحلّقَ في عوالمها بانتظار أن يطير إليها دون أن يستقر على حالٍ في عشقها.‏

تكلّم أيضاً، عن مدينة حلب ودمشق، مستعيراً شخصياته من أصول أدبية-عربية، ومنها قصص الملك سليمان، وأشعار المعري وعنترة ونزار..‏

أما أكثر ماميَّز «بائع الحكايات» فالمقارنة التي أجراها الكاتب، ما بين «رسالة غفران» الشاعر «أبو العلاء المعري» ونصوص «الكوميديا الإلهية» للشاعر الألماني «دانتي».. حيث قام وبلسانيهما، بإجراء حديث كان شديد المنافسة بينهما، وبهدف معرفة من منهما بإمكانه أن يقنع أكثر، في حديثه عن «الفردوس».. «الجنة».‏

فعل ذلك، لهدفٍ في نفسِ مغامرٍ رحال، بل كاتب عشق سورية فأبى إلا أن يؤرِّخها في الحال. أرَّخها، عبر قصصه عن دمشق وحاراتها وبازاراتها وأسواقها.. مطاعمها وأطعمتها وعطورها وألبستها.. حرفها وخردواتها وحماماتها.. مساجدها وكنائسها وقلاعها وكلّ مافيها ودلَّ على حضارتها.. أيضاً، عبر قوله عن شاعرها «المعري» الذي وصلت شهرته إلى شرق البلدان وغربها، وعن «زنوبيا» التي اعترفَ كل العالم بحنكتها وقوتها:‏

«شكَّل المعرّي، دانتي الشرق، وقد سبق الأخير بقرنينِ كشفا عظمته.. كنت تحب مقاطع محدّدة له.. تقرأها لدرجة الملل، وحفظت بعضها بشغفٍ كأنها قطعة موسيقية.. كما عرفنا، الكثير عن زنوبيا. ملكة تدمر الفائقة الجمال».‏

إنه العشق. عشق «بائع الحكايات» لمدينة أبى إلا أن ينبشُ في ثقافتها وآثار إبداعها.. أبى إلا أن يفعل ذلك، ليترك بعد رحلته الطويلة إليها وإقامته فيها، وثيقة تاريخية تجعل كلّ من زارها أو سمع عنها، يتساءل سؤال الكاتب:‏

«هل سيقع الوصل فعلاً، مابين بائع الحكايات الدمشقية. حكايات دمشق وكل من زارها، أو لايزال يحلم، ولو عبرَ بعثة استكشافية؟».‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية