|
شؤون سياسية لقد أراد نتنياهو من خلال لغته الواهمة التي خاطب بها العالم والعرب والفلسطينيين بصفة خاصة أن يعيد الأمور إلى الوراء كثيراً ويضع بين سطورها من جديد شروطاً أشبه بالمعجزة لأي تسوية قادمة مع الطرف العربي وهو الذي استعاد لغة لا تنتمي إلى الواقع بقدر ما تنتمي إلى المجهول القاتل عندما رفض عروض السلام العربية وفي مقدمتها المبادرة العربية للسلام. إن مشروع نتنياهو الذي أفصح عنه في خطابه يخضع الشعب الفلسطيني لامتحان يقرر خلاله مدى أهلية هذا الشعب وجدارته للعيش معه بسلام دون أي قلاقل وذلك على أرض توراتية كما يدعي هي ليست للفلسطينيين الغرباء عنها بل هي لليهود أصحابها الأصليون وفقاً لمزاعمه التي أصبحت بدون أي غطاء ودون أي رصيد. زد على ذلك أضاف شرطاً آخر وهو أنه في حال نال الشعب الفلسطيني النتائج المطلوبة من ذاك الاختبار فما عليه إلا أن يقدم الطاعة أيضاً ويعترف بيهودية إسرائيل وبأن إسرائيل هي دولة للشعب اليهودي فقط وبأن الشعب الفلسطيني شعب بلا أرض وهو الدخيل على الدولة اليهودية وليس العكس، أي اليهود هم الدخلاء على أرض فلسطين. وعند هذين المقياسين كما يقول نتنياهو تستطيع إسرائيل أن تبحث وقتها في حل قيام دويلة فلسطينية منزوعة السلاح أولاً وأخيراً وبالتأكيد مستثناة من القدس أولاً وأخيراً أيضاً وبالتالي على الفلسطينيين أن يتناسوا حق العودة إلى تلك الدويلة إذ أن الفلسطينيين بالخارج حسب برنامج نتنياهو ليس لهم سوى التوطين، وما يثير الدهشة في خطاب نتنياهو أيضاً هو أنه رغم كل شروطه تلك يضيف شرطاً آخر لا يقبل أن تكون غزة قاعدة متقدمة لإيران ولحزب الله وفي هذا السياق لم يوفر نتنياهو جهده لتحريض العرب والغرب والفلسطينيين على حماس وعلى برنامجها الكفاحي المقاوم للمشروع الصهيوني, زد أنه في نفس الوقت يطالب العرب بتطبيع مجاني مع الدولة العبرية كعربون مقدم كما قال للمساهمة في دفع التسوية السلمية مع العرب وبقدر ما كان نتنياهو واضحاَ في خطابه في تحديد معالم سياسته المقبلة كان واضحاً في نفس الوقت وبشكل آخر مع الإدارة الأميركية ومع جهودها لإمكانية تطبيق حل الدولتين وبالتالي في وضعه ركائز لسد الفجوات التي يريد تصويرها على أنها موضع خلاف مع إدارة الرئيس أوباما وها هي مواقفه ومطالبه، وما على تلك الإدارة سوى الاستجابة دون أي نقاش وهذا ما طالب به صراحة أصحاب المعسكر الإسرائيلي اليميني المتشدد، كذلك من دواعي استغراب مشروع نتنياهو الجديد هو أن حل مسألة اللاجئين الفلسطينيين يجب أن تكون خارج فلسطين داعياً المجتمع الدولي أن يتبنى ذلك بتقديم مشاريع استثمارية لهم على حد قوله، إذاً حسب ادعاء نتنياهو فإن إسرائيل اليوم تقف أمام ثلاثة تحديات وهي التهديد الإيراني والأزمة الاقتصادية الخانقة لإسرائيل وعملية السلام، وهو من خلال هذه الأجندة رفض أي دعوة لوقف بناء المستوطنات قائلاً: ليست لدينا نية لمصادرة أراض جديدة لكن ثمة حاجة للمستوطنين اليهود بأن يحيوا الحياة الكريمة وهذا من ناحية نتنياهو أمر مطلوب تأمينه لهؤلاء لكنه على الطرف الآخر أمر لا يستحقه الفلسطينييون حسب عقيدته الإرهابية المجرمة، كما شدد نتنياهو على أن من أجل تحقيق السلام يجب أن يضمن العالم لنا ألا يدخل الفلسطينيون أي نوع من الصواريخ أو الأسلحة أو حتى إقامة جيش لهم حتى لا يتحولوا كما قال إلى قاعدة متقدمة لإيران وحزب الله في المنطقة. الاستهتار المذهل لنتنياهو بالطرف العربي وصل إلى حد إلقاء اللوم عليه حينما رفض العرب في عام 1948 خطة التقسيم آنذاك طالباً في الوقت نفسه من الرؤساء العرب التعاون معه من أجل ما أسماه بإقامة سلام اقتصادي يشمل مواضيع المياه والنفط والغاز تساهم في ازدهار المناطق غير عابئ بالحقوق الوطنية للفلسطينيين وبما جرى ويجري لهم على أيدي هؤلاء الصهاينة، والملفت للنظر أن مشروع نتنياهو الجديد ما إن قدمه للكنيست الإسرائيلي حتى سارع أنصار اليمين الإسرائيل المتطرف إلى التظاهر داعين إلى عدم الرضوخ للمطالب الأميركية ورفعوا خلال تلك التظاهرات صوراً للرئيس الأميركي أوباما يلبس الكوفية الفلسطينية مع عبارة «باراك حسين أوباما معاد للسامية ويكره اليهود»، فيما المعارضة الإسرائيلية التي تتزعمها الوزيرة السابقة ليفني قالت اليوم: يخطو نتنياهو الخطوة بالاتجاه الصحيح، لكن العجيب كل العجب أنه ورغم هذه المجاهرة ضد الرئيس باراك أوباما فإن المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيتس قال إن الرئيس أوباما يرحب بالخطوة المهمة للأمام في كلمة نتنياهو، أي خطوة مهمة مما يعنيها نتنياهو، فالأمر لا يحتاج لتفكير طويل إذ إن الأمور أصبحت واضحة للجميع وعلى الطرف العربي أن يخرج ويعلن كلمته بوضوح بعدما قالها أعداؤنا بأوضح من وضوح. |
|