|
جون افريك ولكن كانت الريبة وعدم الثقة هي السمة الغالبة بين الطرفين، كان كلاهما حريصاً فيها على إخفاء التنافر المتبادل بينهما والتظاهر بالكياسة المصطنعة، ولكن لم يستطيعا إخفاء المساحة الكبيرة لخلافاتهما، ولذلك تنبىء الجولات المقبلة بالمزيد من الرضات والكدمات، حيث يمثل أوباما بالنسبة لإسرائيل تحدياً حقيقياً لم تشهد البلاد مثيله منذ سنين عديدة إذ ولأول مرة منذ عام 1967 لا تستطيع إسرائيل الاعتماد على الدعم غير المشروط لرئيس أمريكي، فالرئيس أوباما لم يمنح إسرائيل أي «شيك على بياض» وهذا لا يعني مجرد حالة فتور في العلاقات بين البلدين، بل إن الرئيس أوباما طالب إسرائيل بالتخلي عن تطلعاتها وعن بعض سلوكياتها وعقائدها الأمنية والتي غدت جزءاً مكملاً من بسيكولوجيتها خلال الستين عاماً المنصرفة وطالبها بتغيير جذري لطرق تفكيرها الخاصة بالحدود والأمن على المدى الطويل وكذلك بموقع إسرائيل في المنطقة. ومنذ حرب حزيران عام 1967 تبحث كل حكومة إسرائيلية تأتي إلى السلطة أياً كان لونها توسيع استيطانها من خلال الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية ،والبعض كان يقوم بذلك بشكل غير معلن، والبعض الاخر يعلنها، مؤكدين أن حرب عام 1948 لم تنته بعد بالنسبة للعديد من الإسرائيليين. وأن مشروع «إسرائيل الكبرى» الممتدة من النهر إلى البحر يبقى هدفهم النهائي. وفي حين كان كل من أوباما ونتنياهو يعقدان لقاءاتهما أعلن بعض المستوطنين عن موافقة الحكومة الإسرائيلية بناء وحدات استيطانية جديدة في وادي الأردن، ويعتقد أوباما حالياً بضرورة وقف عمليات التوسع تلك والتي تحتل لب المشكة وطالما أن المستوطنات الإسرائيلية تنمو وتتوسع، فسيكون من الصعب تفكيكها والتخلي عنها وبالتالي لن يكون هناك لاسلام ولادولة فلسطينية التي يسعى أوباما لإقامتها إلى جانب إسرائيل. وتشكل الدولة الفلسطينية المقبلة في نظر العديد من الإسرائيليين وهم ليسوا من اليمين وحسب، كتهديد ايديولوجي ووجودي لهم، ويخشون أن تنتهي تلك الدولة إلى قضم إسرائيل بنفس الطريقة التي تقضم بها إسرائيل الدولة الفلسطينية، لأن تلك الدولة يمكن أن تقوض شرعية مشروعهم الذي يزعمونه «قومي»، لأن إسرائيل بالأصل قامت على أنقاض الفلسطينيين العرب وساد اعتقاد راسخ لدى الصقور الإسرائيليين أمثال نتنياهو أنه بالإمكان حل الأزمة الفلسطينية من خلال إحراز نصرعسكري حاسم عليها يترافق مع تشتيت الفلسطينيين، ويطرح بعض المحللين والمسؤولين بكل بساطة فكرة إعادة غزة إلى مصر وطرد الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الأردن. وأمام ململة هؤلاء الصقور ينفخ أوباما الآن الروح في مفاهيم كان الاعتقاد بأنها صفحتها قد طويت مثل «السلام مقابل الأرض ودولة فلسطينية». ومنذ إنشائها وضعت إسرائيل نصب عينيها بسط هيمنتها العسكرية الاقليمية وترتكز استراتيجيتها الأمنية بشكل أساسي في الإبقاء على ضعف جيرانها وتوجيه ضربات لهم قدر الإمكان إلى جانب ضمان قوتها على كافة التحالفات العربية، وتلقت دعماً لاستراتيجيتها تلك من قبل حليفتها أميركا من خلال مدّها بالمساعدات المادية السخية والدعم السياسي وتزويدها بالأسلحة الحديثة، وأحد العناصر الأساسية للهيمنة الإسرائيلية هو امتلاكها السلاح النووي وسيطرت فكرة أن قوة الولايات المتحدة يمكن تحريكها وحشدها في أي وقت كان من أجل إلحاق الهزيمة بعدو حقيقي أو محتمل، وعندما انتهت الحرب العراقية الإيرانية إلى هزيمة الطرفين فجأة أصبح صدام حسين وسلاحه مثار خوف وخشيت إسرائيل من بروز قوة عسكرية عربية في خاصرتها الشرقية وسعت إسرائيل على مدى سنوات التسعينيات بالتعاون مع المحافظين الجدد في واشنطن دون كلل لقلب نظام حكم صدام، والمرحلة الأولى تكرست من أجل إعادة صياغة الدول العربية، ومن الضروري إقصاء الولايات المتحدة للقومية العربية والفكر الجهادي والفعالية الفلسطينية بشكل يضمن لإسرائيل أمنها ، إلا أن الرياح هبت عكس ما تشتهي السفن، فالحرب على العرق كانت كارثة لذاته ولاستقرار كامل المنطقة ، وفي ظل غياب الثقل الذي كان يشكله العراق أصبحت إيران قوة اقليمية وحجم تحديها الآن أكبر من حجم التحدي العراقي، وشهد كل من الإسلام السياسي ومعاداة أميركا أوجه في كامل المنطقة العربية والعالم. أما بالنسبة للولايات المتحدة فقد ضحت برجالها واستنزفت قواها المادية وأساءت لسمعتها من أجل حرب ما كان أن تحدث. وأوباما يدرك ذلك جيداً ومصمم ألا يدع نفسه ينقاد وراء إسرائيل في صراع جديد. وفي الدعوة إلـى إقامة حوار مع إيران واحتمال إجراء مساومة كبرى من وجهة نظر تل أبيب تهديد لهيمنتها العسكرية وقدرتها النووية وترغب إسرائيل بدلاً من صياغة تفاهم حول الملف النووي الإيراني تدمير تجهيزاتها النووية، كما أعرب عن ذلك نتنياهو في واشنطن من أن إسرائيل تحتفظ بحق الدفاع عن نفسها، ومن وجهة نظر الرئيس أوباما فإن نشر سلاح التدمير الشامل هو تهديد بحد ذاته للعالم أجمع، واتخذ من مسألة نزع التسلح ركناً أساسياً في سياسته الدفاعية ولذلك فهو يأمل إقناع إيران بتخليها عن تصنيع سلاح ذري، ويعلم أن ذلك غير ممكن إلا في حال قبلت إسرائيل بالمقابل إخضاع منشآتها للتفتيش الدولي، وطالب أحد المسؤولين الأميركيين رفيعي المستوي إسرائيل بالتوقيع على اتفاقية الحد من انتشار السلاح النووي، وبذلك يكون قد وضع حداً لأحد المحظورات القديمة التي تمنع إثارة المسألة النووية الإسرائيلية بشكل علني وبما أن إدارة الرئيس أوباما تتطلع إلى تقويم سلطة ومصداقية أميركا لدى العالمين العربي والإسلامي الذي يرتبط فيه أمنها يتحتم عليها إخماد نار الغضب الإسلامي في مهده ولذلك من الضروري التعامل مع الوضع في الشرق الأوسط بشكل متوازن وأقل انحيازاً إلى إسرائيل، وتحتل القضية الفلسطينية قلب المشكلات الأكثر تأججاً وتفجراً في المنطقة وقد لحق بها إجحاف منذ سنوات عديدة. ويبدو أن أوباما عازم على استخدام سلطته لحل هذا النزاع القديم على قاعدة إقامة دولتين، ويرغب بتحرير الفلسطينيين من ارتهانهم تجاه إسرائيل ليس لأنهم يستحقون أن يكونوا أحراراً بل لأنها الوسيلة الأنجع لضمان أمن إسرائيل على المدى الطويل وانخراطها السلمي في المنطقة، أما وجهة نظر نتنياهو فهي مغايرة كلياً لأن لديه نظرة رؤيوية لإسرائيل، فهي دولة محاصرة، مهدد وجودها من قبل عدو متصلب ينبغي هزمه وتدميره ، وضمن هذا السياق تبدو الثغرة بين إسرائيل والولايات المتحدة واسعة وعميقة وربما يمكن ردمها دون مواجهة. |
|