|
فضاءات ثقافية وبرحيله يكون الجيل الذي صنع مجد الأدب الأميركي في الفترة التي أعقبت الحرب الكونيّة الثّانية متمثّلاً في كلّ من جاك كيرواك، وويليام بوروز، وترومان كابوتي، وبول باولز، ونورمان مايلر، قد فقد آخر عمالقته الذي اشتهر بأناقته، وبميله للحياة المترفة الباذخة، وبلسانه السّليط، وبإتقانه لفنّ الاستفزاز والتّمرّد على القيم، وعلى الأخلاق العامّة، وعلى السياسة الأميركيّة منذ روزفلت، وحتى جورج دبليو بوش. وكان غور فيدال متعدّد المواهب. فقد لمع في فنّ الرواية، وفي المسرح، وفي المقالة الأدبيّة، وفي كتابة السير. كما برع في إعداد السيناريو السّينمائي. وكانت حياته سلسلة من المغامرات البديعة تعرّف خلالها على أشهر الشخصيّات الأدبيّة والسياسيّة والفنيّة والسينمائيّة في عصره. فكان صديقاً للرئيس الأميركي جون كينيدي ولزوجته جاكلين. وعندما كان زوجها رئيساً، كانت هيلاري كلينتون تزوره بين وقت وآخر في الفيلا التي يقيم فيها في منطقة توسكانا الإيطاليّة. وكانت تربطه علاقة صداقة بكبار المخرجين السينمائيّين من أمثال فيليني. تزوّج من الممثّلة الأميركيّة جوان وودوورد التي ستتزوّج فيما بعد من بول نيومن. وفي مذكّراتها، ذكرت أناييس نين أنها كانت عشيقة له. لذلك هو يقول: «لي شعور بأن الأغلبيّة السّاحقة من الذين تعرّفت عليهم يمكن أن يكونوا موضوعاً لسيرة. وصديقي القديم بول باولز الذي أمضى الجزء الأعظم من حياته برفقة شخصيّات مشهورة، له الحقّ هو أيضاً في مكتبة صغيرة مخصّصة فقط لأولئك الذين كانوا على علاقة به». وينتمي غور فيدال المولود في الثالث من تشرين الأول 1925 إلى عائلة ثريّة. فقد كان والده ضابطاً سامياً في جيش الطيران الأميركي. وبعد مرور سنوات قليلة على ولادته، انفصل والداه، لتتزوّج والدته من هوغ أوشينكلوس الذي سيتزوّج فيما بعد والدة جاكلين كينيدي. ومن وحي الفترة التي أمضاها في القاعدة العسكريّة بالالسكا، كتب غور فيدال روايته الأولى وهو في التاسعة عشرة من عمره. وفي عام 1948، نشر روايته الثانية التي حملت عنوان: «فتى على ضفّة النهر». وحال صدورها، أثارت هذه الرواية ضجّة هائلة بسبب تحدّيها للأخلاق العامّة، وتطرّقها للعلاقات المثليّة في أوساط المراهقين والشباب. وفي الخمسينات من القرن الماضي، كتب غور فيدال العديد من السيناريوهات لشركات كبيرة، ولمخرجين عالمييّن، محوّلاً رواية صديقه تينيسي ويليامز «الصّيف الماضي» «الفضائحيّة» إلى فيلم عن العلاقات الجنسيّة المحرّمة. كما كتب مسرحيّات تنتقد بحدّة جوانب مختلفة من الحياة السياسية في الولايات المتحدة الأميركيّة. وفي الستينات من القرن الماضي اهتمّ بالتّاريخ الأميركي ليكتب سيرة الرئيس أبراهام لنكولن، محرّر العبيد. كما تطرّق إلى جوانب معتمة من التّاريخ الأميركي المعاصر. ففي الفيلم الوثائقي الذي حمل عنوان: «لماذا نحارب»، حمّل الرئيس روزفلت مسؤوليّة معركة «بيرل هاربور»، مدّعياً أن هذا الأخير هو الذي حثّ اليابانيين على الهجوم على الجزيرة لكي يجد هو ذريعة للدخول في الحرب. وستتكرّر مثل هذه التهجّمات العنيفة على سياسة الولايات المتحدة وعلى رؤسائها. فقد نعت الرئيس رونالد ريغن ب «الرجل الصّغير العقل الذي لا يتقن شيئاً آخر غير تحنيط إمبراطوريّة ميتة كلينيكيّاً». وفي التسعينات من القرن الماضي، اتّهم غور فيدال «البيت الأبيض» بأنه هو المسؤول عن أحداث 11 أيلول 2011، والتي اتخذها حجّة شرعيّة لشنّ الحرب على أفغانستان والعراق، واصفاً جورج دبليو بوش ب «أغبى رئيس عرفته الولايات المتحدة الأميركيّة». بل ذهب إلى حدّ القول بأنّه-أي جورج دبليو بوش- وصل إلى البيت الأبيض بانقلاب انتخابي! وفي العديد من المقابلات التي أجريت معه، تحدث غور فيدال عن النّظام السياسي الأميركي قائلاً: «في الولايات المتحدة الأميركيّة، ليس هناك غير حزب واحد، ألا وهو حزب الملكيّة. وهناك جناحان لليمين: جناح جمهوري، وجناح ديمقراطي. والجمهوريّون أغبى قليلاً، وأشدّ صلابة وحدّة في مفهومهم للرأسماليّة من الديمقراطيّين الذين يبدون لطفاء، وكيّسين لكنهم أكثر فساداً». كان غور فيدال يقول إنه يعرف الكثير من المشاهير في مختلف المجالات غير أنه لا يستطيب العيش إلاّ وحيداً. |
|