تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من أسرار الدماغ

علوم وبيئة
الثلاثاء 11-9-2012
د.طالب عمران

إنّ فكرة التعادل بين الحالة النفسية والحالة الدماغية تشغل قسماً لابأس به من الفلسفة الحديثة..

ويرى البعض أن التعادل يأتي من كون الحالة الدماغية والحالة النفسية تدخلان بآن واحد ضمن سلسلتين من الظواهر المتطابقة، لأن تجاه أية حالة دماغية معينة هناك حالة نفسية تابعة لها..‏

يستطيع عقل بشري متفوق (سوبر عقل) إذا شاهد رقص ذرات الدماغ وإذا توفر له أن يميّز بين الحالة النفسية والفيزيولوجية.. يستطيع هذا العقل المتفوق أن يقرأ في دماغ يعمل كل مايجري في الوعي المطابق..‏

لاشك أن هذا الكلام يبدو مبهماً لدى البعض، ولتوضيح الصورة تقول: إن نشاط الدماغ يرتبط بالحالة النفسية ارتباطاً مباشراً، فمن يمر بمشاكل نفسية من الصعب عليه أن يكثف من عمل دماغه..‏

الاستقرار النفسي غذاء العقل.. وقد يحدث أن تتأزم المشاكل النفسية لدى المبدع، فيقدم خيرة إبداعاته، ولكن يبدو لدى الناس أن ماصنعه لايعدو أن يكون من نتاج عبقرية المجنون المتأزم.. وهو اصطلاح ينتشر كثيراً بين العامة الذين يقرنون الجنون بالفن أحياناً..‏

إن المنطق العلمي يرتبط مباشرة بالاستقرار النفسي، وربما خرج عن ذلك بعض الاستثناءات التي تطبق المنطق العلمي وسط ركام من المشاكل النفسية التي قد تؤدي –في الحالة العادية– لجنون من يمر بها.. إنها حالة التعادل بين عمل الدماغ واستقرار النفس..‏

لماذا لانقر بوجود قوى إضافية هائلة للإنسان، مادام الدماغ البشري غامضاً لم نكتشف سوى القليل من أسراره، ومادام يختزن إمكانات هائلة تدل عليها إمكانات العلم الحديث المتجسد في التقنية المعاصرة؟‏

الخيال إذاً يجعل الإنسان يخرج من آفاقه الضيقة المنحصرة في حياته التي يمارسها في عمله وبيته ومدينته.. ليحلق به في هذا الكون الواسع، ويطلعه على إمكاناته في النفوذ إلى المستحيل..‏

منذ أن نشأ الإنسان على الأرض، والزمن بالنسبة له هو اللغز المخيف الذي يرعبه ويحني هامته مهما اشتدت عجرفته وغروره..‏

فالزمن يحاصره بسنوات عمره القصيرة، ويظمأ للتعرف على المستقبل، ويتخيل عوالمه المغرقة في زمن مقبل سحيق، ويتمنى لو يمتد عمره ليرى الأحداث ويتفاعل معها مهما امتد الزمن..‏

ولكن هذه الأمنية في مدّ عمره، رغم محاولاته العديدة المستمرة، لم تتحقق إلا بأضيق مستوى، صحيح أنه هزم بعض الأمراض القاتلة وأطال متوسط عمره، ولكنه لم يستطع أن يوقف هرم الخلايا والشيخوخة المتعبة البليدة..‏

وظل الزمن والموت والحياة بعد الموت هاجسه، لايستطيع أن يبتعد عنه لأنه يشكل أحياناً كل عالمه ويغرقه في تساؤلاته المثيرة المخيفة المرهقة دائماً، بقلة معرفته للأسرار التي تغلف عالمه الغامض..‏

كيف يستطيع الإنسان الانتقال من زمن إلى زمن آخر؟ ماأسرار الأحلام التنبؤية؟ ماأسرار الذاكرة الوراثية؟ لماذا نخاف من المجهول ونهرب منه؟ لماذا مازال الدماغ بأسراره الكثيرة يستعصي على الفهم؟ أية عوالم غريبة تطرحها الذاكرة؟‏

كيف يمكن للإنسان أن يدخل عوالم الموتى وهو حي؟ هل تقفز ألغاز الأمكنة القديمة إلى واجهة البحوث في خفايا أمواج الذكريات الطافحة بالعاطفة والمشاعر الفياضة؟‏

يعتقد الكثير من علماء النفس، أن الوهم مرض ينتشر بين المرضى الذين هم بحاجة ماسة لعاطفة معينة، أو يفتقدون الإحساس بالأمان في الأوساط التي يعيشون فيها..‏

وربما كبر هذا الوهم لدرجة تجعلهم يتخيلون أشياء غير ممكنة الحدوث ضمن سياق المنطق العلمي، وأحياناً يتخيلون أناساً، يحادثونهم، ويلاحقونهم في غدوهم ورواحهم، وقد يكبر الوهم عندهم لدرجة تجعلهم يتصرفون كفاقدي العقل..‏

ورغم التقدم العلمي الذي جعل العلم ينفذ إلى كل مكان في العالم.. فمازالت الأساطير الممزوجة بخيالات الناس، تجد مكاناً لها في عقول البسطاء من الشعوب..‏

وربما كانت منطقتنا أكثر مناطق العالم إغراء للباحثين والدارسين في سبر حضاراتنا القديمة، والتعرف على ملامحها الغنية بالعبقرية والخيالة.. وهي صفة مميزة من صفات الحضارة المبدعة..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية