|
شؤون سياسية وفود من الدول العربية الشقيقة بعد يومين من ذلك. لا شك بأن هذه الذكرى غالية على قلوب أبناء شعبنا , ولها طابعها المتميز لما تحمله معها من معاني الكفاح والجهاد اللذين قادا إلى الاستقلال. لقد أصبح هذا اليوم عيداً رسمياً وطنياً للجمهورية العربية السورية, لأنه يوم النصر المُؤزر لشعب كافح ضد الطغاة المستعمرين , يوم العزَّة الوطنية , يوم الكرامة , اليوم الذي أشرقت فيه شمس الاستقلال, وارتفعت فيه شجرة الحرية التي سقاها الشهداء والثوار بدمائهم الزكيّة الطاهرة لتكبر وتبسط ظلالها الوارفة على ربوع سورية العربية من أقصاها إلى أقصاها. معركة ميسلون من المعروف للجميع بأنَّ الفرنسيين عندما استعمروا سورية بدؤوا بالنزول في طرطوس أواخر عام /1918/ ثم احتلوا حلب في شهر تموز 1920, وبعد ذلك أخذوا باحتلال المدن والمناطق السورية, حتى دخلوا دمشق يوم 24 تموز/1920/ إلا أن دخولهم إلى دمشق لم يكن بالأمر السهل. لقد حصل ذلك بعد معركة حامية الوطيس وقعت على مشارف دمشق, عندما خرج البطل الشهيد يوسف العظمة لمواجهة الجيش الفرنسي في معركة غير متكافئة مع جيش فرنسي مؤلف من تسعة آلاف جندي بقيادة الجنرال « غوابييه» مُعززاً بمدفعية الميدان والدبابات وثلاثة أسراب من الطائرات , في حين كانت القوة السورية لا تتعدى الثلاثة آلاف عسكري ومدني وقد ظل بطلنا الشهيد يقاتل حتى سقط شهيداً مع /400/ من رفاقه الأبطال في أرض المعركة ضارباً أروع الأمثلة في البطولة والاستشهاد بعد أن كبّد الغزاة الفرنسيين أكثر من مائة قتيل وما يزيد على خمسمائة جريح. هنا تكمن المأثرة العظيمة والنادرة للبطل يوسف العظمة, عندما رفض الخضوع لإنذار الجنرال الفرنسي « غورو» رغم أنه يعرف سلفاً نتائج المعركة مع الجيش الفرنسي. ولكن ما الذي حصل بعد معركة ميسلون هذه وبعد احتلال الفرنسيين لسورية؟ الكفاح المسلح لقد أكدت الأحداث والوقائع أنه خلال ربع قرنٍ من الزمن أمضاه الفرنسيون في سورية لم تهدأ الثورات, وكان أهمها ثورة الشيخ صالح العلي والتي شكلت الصرخة الأولى في وجه المستعمرين , فكان رحمه الله من أمهر القادة الثوريين وأكثرهم فطنة وذكاءً ودقة في أعمال الكرّ والفر, والتمويه, وإعداد وتنفيذ الكمائن, وتنظيم أمور المعركة وإدارتها. وقد كبَّد الفرنسيين خسائر فادحة في معارك الشيخ بدر الأولى والثانية وغيرهما, وحكموا عليه بالإعدام ثم أصدروا عفواً عنه على أمل ألّا يعود إلى القتال ولكنه أصر على المقاومة. وفي الشمال , قامت ثورة الزعيم إبراهيم هنانو التي أعلنها في 16 أيلول 1920, حيث تعاون مع الشيخ صالح العلي للقتال ضد الجيش الفرنسي, وكانا يلتقيان في جسر الشغور للتنسيق بينهما. كذلك اشتعلت الثورات في إدلب وكفر تخاريم والقنيطرة ودرعا وغوطة دمشق, وامتدت لتشمل حمص وحماة وتدمر ودير الزور والبادية والقلمون والنبك. ثم جاءت الثورة السورية الكبرى عام 1925 بقيادة المرحوم سلطان باشا الأطرش التي كان من أهم معاركها معركة المزرعة التي خسر فيها الفرنسيون /1000/ قتيل, وعلى أثر ذلك هرب الجنرال « غورو» في دبابة إلى ازرع بمنطقة حوران وتحرك المجاهدون في دمشق وغوطتها لمد يد العون لثورة جبل العرب. وهكذا لم تخل بقعة من أرض سورية من الثورات التي أقضت مضاجع الفرنسيين, وهذا ما أشار إليه جنرال فرنسي يدعى« ويغاند» في كتاب ألفه عن سورية عندما قال: «لقد شهدت في أثناء وجودي في سورية ثلاثمئة ثورة». ولا شك بأن هذه الثورات المسلحة أدت إلى نتائج هامة أبرزها: زيادة نقمة العرب جميعاً على الاستعمار الفرنسي, وبروز الوطنية السورية الحقة, وازدياد التعاون والترابط بين أفراد الشعب, والإصرار على نيل الاستقلال, وبالتالي اضطرت فرنسا إلى تبديل نظرتها إلى سورية, فلجأت إلى تعيين مفوضين مدنيين فيها بدلاً من الحكام العسكريين. النضال السياسي وبعد الثورات المسلحة هذه , بدأ النضال السياسي الذي كان له رجالاته البارزون الذين عملوا على بلورة برنامج سياسي يعبر عن إرادة الشعب , وبناءً على نشاطاتهم ودعواتهم تعالت الأصوات الرافضة للانتداب الفرنسي, وقامت الإضرابات والاحتجاجات والتظاهرات والاعتصامات في كل مكان, ما أدى إلى اصطدامات مع الفرنسيين بشكل دائمٍ. وهكذا أدت الثورات المسلحة التي جئنا على ذكرها قبل قليل والنضال السياسي في نهاية المطاف إلى رضوخ الفرنسيين لمطالب الشعب واضطرارهم إلى الجلاء عن سورية ليصبح يوم السابع عشر من نيسان من كل عام عيداً وطنياً يرمز إلى الحرية والاستقلال والتضحيات التي قدمت من أجل عزة الوطن وكرامته واستقلاله هذه هي باختصار شديد ملحمة الجلاء الخالدة التي أبناء شعبنا ببطولاتهم الخارقة وبتضحياتهم الكبيرة , وبإيمانهم بقدسية الحرية والاستقلال. التكريم الكبير هذا ومما يجدر ذكره أن القائد الخالد حافظ الأسد كان سباقاً إلى تكريم الشهداء والمجاهدين, عندما أصدر مرسوماً بمنح الشهداء والثوار المجاهدين الأشاوس رواتب تقاعدية شهرية, وكان يلتقي بالمجاهدين في المناسبات القومية والوطنية ويكرمهم تقديراً للتضحيات التي قدموها, هذا بإضافة إلى عطاءات أخرى من مساكن ومدارس لتعليم أبنائهم مجاناً و مكاسب أخرى متعددة في مجالات التوظيف والتداوي... كذلك سار الرئيس بشار الأسد على هذا الطريق طريق رعاية وإكرام الشهداء ودعم المقاومة في كل مكان مادياً ومعنوياً. استهداف سورية هذا وتحل الذكرى السادسة والستون للجلاء هذا العام وسط ظروف غير عادية, حيث يشتد التآمر على سورية عربياً وإقليماً ودولياً بسبب مواقفها المبدئية الداعمة للمقاومة والرافضة لكل أشكال الهيمنة والإملاءات الخارجية, وقد تجسد هذا التآمر فيما تتعرض له سورية منذ ما يزيد على العام من قيام مجموعات إرهابية مسلحة بتنفيذ أعمال إجرامية من قتلٍ وترويع وتخريب للمنشآت الخدمية والصحية, تحت شعار المطالبة بالحرية, معتمدةً في ذلك على دعم عربي وخارجي بالسلاح والمال, مع حملة إعلامية شرسة تتخللها كل أشكال الكذب وفبركة الأخبار وتلفيق التحقيقات ضد سورية بهدف النيل من وحدتها الوطنية ومن تماسك شعبها وجيشها. إنها أبشع مؤامرة تتعرض لها سورية منذ الاستقلال وتقودها الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الأطلسي بالتعاون والتنسيق مع دول عربية خليجية في مقدمتها قطر والسعودية, اللتان تضخان مليارات الدولارات لتمويل هذه المؤامرة الشرسة الرامية الرامية إلى إخضاع سورية وإجبارها على السير في ركاب السياسية الأمريكية, وبالتالي إفساح المجال أمام المشروع الأميركي الصهيوني للهيمنة على المنطقة العربية بأسرها وتسييد إسرائيل عليها وذلك انطلاقاً من أن العقبة الوحيدة أمام هذا المشرع هي سورية. ولكن وعي الشعب العربي في سورية وتماسك أبنائه وجيشه أحبطا هذه المؤامرة الدنيئة, وبات من يقف وراءها يتخبط في حيرةٍ من أمره بعد أن أدهشه الصمود السوري المنقطع النظير في وجه أعتى مؤامرة تحاك ضد بلدٍ لا ذنب له إلا دفاعه عن تراب وطنه وأمته ورفض الإملاءات الخارجية ودعمه للمقاومة العربية في كل مكان ورفضه للمساومة على الحقوق العربية والتصالح مع إسرائيل ... هذا هو ذنب سورية ولهذا يعاقبون سورية... إن ذكرى الجلاء العظيم ستكون حافزاً لأبناء الشعب العربي السوري على مزيدٍ من التماسك ومزيدٍ من الصمود في وجه المؤامرة, فالشعب الذي صنع فجر الجلاء بدمائه وبنضاله السياسي وبثوراته المسلحة, لهو قادر في كل وقت على دحر الطغاة وتفويت الفرصة على أعداء الوطن الذين باعوا أنفسهم للشيطان , وقادر على ردّ كيد الأعداء إلى نحورهم, فسورية العربية الواثقة من نفسها ومن دعم الجماهير العربية لها, ستنتصر بإذن الله على أعدائها كما انتصرت عليهم من قبل, لأنها تجسد في مواقفها نبض الشارع العربي ولأنها وقفت وتقف دائماً إلى جانب الحق العربي. تحية لأرواح شهداء الاستقلال ورجاله الميامين , تحية لأرواح شهدائنا الأبرار جميعاً الذين رووا بدمائهم الطاهرة تراب الوطن الغالي. |
|