|
ثقافة ويصف ماجد اللحام في كتابه «دمشق في نصف قرن» يوم الجلاء قائلاً: لم تشهد دمشق عيداً كعيد الجلاء الذي شاركت فيه عدد من الدول العربية، فسارت في العرض العسكري وكانت الرايات السورية والمصرية والعراقية واليمنية والسعودية تحملها سواعد وفود عسكرية صغيرة تمثل الدول الشقيقة، أما الجيش السوري فقد رفع يوم الجلاء رايات النصر ومشاعل الحرية وأنشد جنوده نشيد الحرية، نشيد الوطن حماة الديار عليكم سلام، وفي كل حي فرح، وفي كل شارع مهرجان وفي كل ساحة دبكة، واحتشد الشباب والشيوخ والأطفال والنساء في كل مكان يعربون عن فرحهم ومشت آلات العراضات تعلن بهجتها بعد أن كانت تصب جام غضبها على المستعمر، يرافقها قرع الطبول وزغاريد النساء، ومسيرات الشباب، وأرتال الطالبات وفرق الكشافة كلها تردد: ليس بعد الظلم إلا فجر مجد يتسامى وامتدت المصابيح ورفعت الأعلام في كل مكان ووضعت مكبرات الصوت في كل منعطف وشارع ليصدح فيها صوت واحد يشق عنان السماء: حماة الديار عليكم سلام أبت أن تذل النفوس الكرام عرين العروبة بيت حرام وعرش الشموس حمى لا يضام فقد عاد في 17 نيسان من عام 1946 إلى سورية عزها، وإلى دمشق مكانها وكانت أول عاصمة عربية نالت استقلالها وأصبح حكمها بيدها، وقد كتب العديد من الشعراء والأدباء عن ذاك اليوم الأغر إذ كان الجلاء محرضاً لشاعريتهم فانطلقت قريحتهم بكتابة قصائد عصماء غراء لا تزال ماثلة في أذهاننا وخالدة تردد حتى اليوم، ومن هؤلاء الشعراء الشاعر بدر الدين الحامد الذي كان في أوج شبابه وحماسته وتفجر شاعريته حين خيّم الاستعمار الفرنسي على سورية، فشارك في الحركات الوطنية، واتجه للشعر القومي والسياسي يلقيه في المناسبات ويثير العزائم وانخرط في العمل الوطني ومحاربة الاستعمار حيث كان من رجالات الكتلة الوطنية التي كان يرأسها شكري القوتلي آنذاك، فألقي عليه القبض إبان ثورة حماة 1925 وزُجّ به في السجن. ولعل قصيدته بمناسبة الجلاء هي من أجمل ما كتب في الشعر الوطني وفيها يقول: بلغت ثأرك لا بغي ولا ذامّ يا دارُ ثغرك منذ اليوم بسام ولّت مصيبتك الكبرى ممزقة وأقلعت عن حمى مروان آلام لقد طويت سجوف الضيم صابرة السيف منصلت والظلم قوّام على روابيك أنفاس مطهرة وفي محانتك أشلاء وأجسام هذا التراب دم بالدمع ممتزج تهب منه على الأجيال أنسام لوتنطق الأرض قالت إنني جدث في الميامين آساد الحمى ناموا ست وعشرون مرت كلما فرغت جام من اليأس صرفاً أترعت جام لولا اليقين ولولا الله ما صبرت على النوائب في أحداثها الشام يوم الجلاء هوالدنيا وزهوتها لنا ابتهاج وللباغين إرغام مشارف الشام تهتز العراق لها وتنتشي طرباً في مصر أهرام وفي الرياض وبطحاء والحجاز وماتضم صنعاء آمال وأحلام أما فلسطين فالأقدار ترمقها فهل يكون لها للعيد إتمام |
|