|
كتب
من جهة والوعي الشعري من جهة أخرى.. كانت مرحلة فاصلة يكفي أنها حررت الشاعر من الأساليب الموروثة وأفهمته أن الشعر ليس هو الكلام الموزون المقفّى، بل هو التعبير الشخصي الفريد عن رؤيا الشاعر الشخصية الفريدة فالشاعر وإن كان يعيش لأجل الآخرين فإنه يموت- كإنسان – عن نفسه ولنفسه كما يقول يوسف الخال في كتابه الحداثة في الشعر. عندما تقرأ الأديب القاص والشاعر غسان كامل ونوس تقرأ القلق الإنساني والخوف بكل أبعاده ومعانيه.. القلق من الآخر.. والخوف على أهم ما يميز الإنسان عن غيره من المخلوقات وأعني ضرورة تحليه بالإنسانية بعيداً عن الجشع والطمع والغدر والخيانة. وإذا كنتُ شخصياً قد قرأت الأديب غسان كامل ونوس قاصاً يجيد اللعب على المفارقات والحالات الإنسانية. يلتقط كمصورٍ بارع الكثير من تلك الحالات النافرة في المجتمع،في الشارع، في مكان العمل الوظيفي.. الخ. فإنني أعترف أنها المرة الأولى التي أقرأه فيها شاعراً وجدانياً وإنساناً يتميّز بالشفافية وصدق العاطفة وصوابية الحكم.. وبما أن الأديب يملك من المشاعر والأحاسيس ما لا يملكه غيره من بقية الناس- وطبعاً هذا يجب ألاّ يكون مدعاة للتكبر والغرور- فإن الحالات الإنسانية تثير لديه الهموم والشجن والأسى فيلتقط قلمه ويبدأ برسم لوحة شعرية أو قصصية يشخص من خلالها الداء والدواء. وبالعودة إلى الإصدار الجديد للأديب غسان ونوس (قريباً من القلب) الصادر عن دار شرق وغرب بالاشتراك مع دار الفرقد للطباعة والنشر والتوزيع فإنني أود أن أبدأ مما كتبه الناشر على الغلاف الخلفي للكتاب إذ قال: « لابدّ أن يثير هذا السفر من كتابات الأديب غسان كامل ونوس جدلاً حول الجنس الأدبي الذي ينتمي إليه..».وبالفعل فمن يدخل بين صفحات الكتاب يفاجأ بالعديد من الأجناس الأدبية، إذ تظهر لنا القصة القصيرة جداً كما في الصفحة 4 عندما قال: « أيها المسرع ليس هنا من ينتظر.. من يضحك.. ربما كان في مكان آخر « وطبعاً هذا يذكرنا بقصة قصيرة عن فتاة أسرعت للقاء حبيبها لكنهما لن يلتقيا لأن أحدهما كان على الرصيف الآخر. وتظهر لنا الحكم والأمثال فهاهو يقول في الصفحة 139: « لو علم الوادي أيّ بقايا ستلقى فيه ما تواضع « وطبعاً هذا ما يقودنا إلى المثل القائل: الأرض المنخفضة تشرب ماءها وماء غيرها ومن وجهة نظر الشاعر فقد تكسب هذه الأرض مياه الينابيع والأمطار ومياه الصرف الصحي أيضاً، وفي هذا إشارة إلى أن للتواضع قيمة كبيرة لدى من يفهمه وضرراً كبيراً لمن يجهله.وفي نفس الصفحة وتحت نفس العنوان يقول: « لو علم السهل أي تجمعات ستأسن فيه ما تراخى وتمدّد « وهنا إشارة إلى أنه على المرء أن يطوّر ذاته ويجدّد روحه وفقاً للظروف التي تعصف به، لأن الثبات على بعض الآراء والأفكار تشكل مقتلاً لصاحبها ومثل هذه الروح التي يصرّ عليها الشاعر لا تصدر عن طبع ساكن بل متحرك ولا تصدر عن ضمير راض قانع بل قلق ورافض، فالقلق والبحث والسؤال المستمر والمحاكمة هي مفاتيح لا بدّ أن يتناولها الشعر! وطالما أننا نتحدث عن الهم الإنساني عند الأديب غسان كامل ونوس فلا بد أن نراه يرسم لنا لوحة عن حال الإنسان المهزوم والمطرود من أفعال قام بها وندم عليها وأخرى لم يقم بها ويخافها دوماً: « إلى متى تلاحقني الندامة لأفعال لم ارتكبها / لأشياء تنكبت أوهامها/ إلام اندسّ في فراشي بلا دفء/ رغم كثافة الغطاء؟! انطلاقاً من تعريف الشعر في كونه التعبير الشخصي الفريد عن رؤيا الشاعر الشخصية الفريدة يعتبر ديوان الشعر الجديد للشاعر غسان ونوس قريباً من القلب تعبيراً صادقاً عن تجربته الشخصية وربما كانت هذه التجربة هي المولدة الأساسية للقصيدة لديه بعيداً عن القوالب الجاهزة التي اعتاد البعض على استخدامها. وماذا يمكننا بعد أن نقول؟ أين نقف مع غسان كامل ونوس؟ هل نزعم أننا أمسكنا بمفاتيح الديوان وعوالمه؟ وكيف ذلك؟ إننا نقول مفاتيح الديوان لأن ديوان شاعرنا هو كذلك فعلاً،هو أكبر من الإحاطة به بهذه السرعة، فالشاعر يضعنا أمام فضاء شعري أكثر سعة، يتطلب للامساك بمفاتيحه الرئيسية جهداً مستمراً وصبراً مفتوح الجوانب وهو إنما يبدع لنا كل ذلك باقتدار شاعر متمرد إذ يقول في الصفحة 177: « إذا كان القريب يبتعد/ وليس من اللائق أن الحق به/ وإذا كان البعيد لا يقترب/ وليس من اللائق أن أذهب إليه/ هل ابقى في مكاني؟!.أم أسير في اتجاهي وليقولوا ما يقولون؟! وقبل أن يدعنا نلتقط أنفاسنا يلوّح لنا الأديب غسان كامل ونوس ليقول:» الوقت ليس للقراءة الصور لا ترحم/ الوقت ليس للخيال الواقع لا يرحم/ الوقت ليس للتقليد الجديد لا يرحم /.. إلى أن يقول الوقت ليس للوقت فالعمر إلى انطفاء! |
|