|
مجتمــــع إنها الأديبة والمناضلة السورية «نازك العابد»، التي صاغت بمواقفها البطولية جزءًا مهمًا من تاريخنا الوطني. نشأة متميزة ولدت عام 1887م من أسرة دمشقية عريقة، ووالدها مصطفى باشا العابد من أعيان دمشق، تولى ولاية الموصل أتقنت اللغة الإنجليزية والألمانية إلى جانب اللغة العربية التي أبدعت في فهمها، واتخذت من الكتابة الصحفية في مجلتي العروس والحارس منبرًا لآرائها وعروبتها وأفكارها الجريئة التي سبقت عصرها. فعكست بآرائها ووعيها صورة إيجابية للمرأة وقدرتها على جعل الكلمة قوة فعالة من أجل التغيير، رغم ظلمة الواقع السياسي في ظل الاحتلال الفرنسي من جهة، والقيود الاجتماعية والاقتصادية والدينية المفروضة - آنذاك - على النساء من جهة أخرى. غيرة على المرأة جمعت الفتاة الدمشقية المتميزة المجد من أطرافه، فجالت في طرقات الحياة السياسية والاجتماعية والأدبية، وشاركت في العمل العام فعملت على تحرير المرأة من الأمية والجهل والتقاليد البالية، لذلك أنشأت أول جمعية نسائية في سورية سنة 1914م أطلقت عليها (نور الفيحاء)، ثم تعاونت مع عدد من سيدات دمشق وفتياتها، وأسسن مدرسة بنات الشهداء العربيات، كما عملت في ساحة الصحافة، فكانت لها مجلتها التي أسستها سنة 1920م باسم نور الفيحاء، وهي مجلة نسائية أخلاقية أدبية صدر منها تسعة أعداد.. دروس في البطولة قدمت نازك العابد رسالة واضحة في النضال والوطنية، أكدت من خلالها وعي المرأة السورية ووطنيتها التي لم تقل يومًا عن الرجل. فتحدت الاستبداد العثماني والاحتلال الفرنسي بجرأة، وخلال الثورات السورية المتعاقبة ضد الاستعمار الفرنسي كانت تشارك في التظاهرات الاحتجاجية على ممارساته، وتسير خلف مواكب الشهداء، وأسست جمعية الوردة الحمراء، وشاركت في إسعاف الجرحى يوم ميسلون. ففي هذه المعركة تطوعت لخدمة الجرحى، ولبست الملابس العسكرية، وأنشأت مستشفى ميدانيًا لعلاج الجرحى. وكان هذا اليوم (ميسلون) يومًا مشهودًا في حياة سورية، وفي حياة نازك العابد ذاتها، ففي هذه المعركة أظهرت بطولات نادرة، وحاولت إنقاذ حياة القائد يوسف العظم، وتقديرًا لشجاعتها هذه منحها الملك فيصل مرتبة فخرية كنقيب في الجيش السوري، وبعد انتقالها للعيش مع زوجها قامت بتأسيس عصبة المرأة العاملة، فلقبت بجان دارك الشرق، تيمنًا بالبطلة الفرنسية التي قاومت الإنجليز.. كما أسست وترأست جمعية (نور الفيحاء) لمساعدة ضحايا الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين ضد الأتراك التي اندلعت سنة 1916م. و النادي النسائي الشامي الذي ضم سيدات الشام الواعيات. ونتيجة لمواقفها النضالية ضد المستعمر الفرنسي قام بنفيها عن الوطن، فأبعدت إلى اسطنبول لمدة عامين 1920 - 1922م، وبعد سنوات من عودتها قام بنفيها مرة أخرى إلى الأردن، ولم يسمح لها بالعودة إلا حين تعهدت بعدم ممارسة العمل السياسي، فاختارت (مزرعتها) لإقامتها، فاختلطت بالفلاحين، وكانت تساعدهم في العمل الزراعي، وتحضهم على الثورة ضد المستعمر. وعندما شبت الثورة السورية 1925م كانت أحد ثوارها، تعمل بصمت وفي الخفاء متنكرة في زي الرجال. جهاد متواصل لم يتوقف نشاطها الوطني حتى بعد أن تزوجت سنة 1929م من المفكر اللبناني محمد جميل، وانتقلت للإقامة معه في بيروت. فقد أسست فيها عدة جمعيات نسائية وخدمية منها جمعية المرأة العاملة، وجمعية أخرى تسعى إلى تأمين العمل للاجئين الفلسطينيين، كما أسست مدرسة لتعليم بنات شهداء لبنان دراسيًا ومهنيًا. وفي عام 1957م، أسست لجنة للأمها ت تعمل على رفع مستوى الأم اللبنانية في كافة المجالات، وفي عام (1959م) انتخبت رئيسة لها، وقد أقيم بهذه المناسبة أول احتفال بعيد الأم في لبنان. توفيت نازك العابد في العام نفسه 1959م عن عمر يناهز 72 عامًا، قضتها في سبيل عزة بلادها وصون كرامتها، ودفنت في بيروت، وفي حفل تأبينها الذي أقامته لها الجمعيات النسائية اللبنانية تكلم المفكرون والخطباء عن هذه الوردة الدمشقية التي زرعت الحب والتضحية في ربوع دمشق وبيروت، وكل أرض عربية وطأتها قدماها. |
|