|
مجتمع حيث يجلس أفرادها في غرفة أو أكثر و كل فرد فيها مشغول في عالمه الافتراضي في عالم الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي و التي أهمها الفيسبوك، زمن لا يتعدى في مداه بضعة عقود، انتقل فيه العالم «بسرعة البرق» إلى زمن مختلف كلياً سمي بالقرية الصغيرة. ورغم اختلاف دول العالم بمستويات التطور العلمي و الثقافي و تباين في الفروق الاجتماعية، راجت كلمة العولمة في الإعلام و تعددت أشكالها.. لا تحتاج صورة هذا العالم الافتراضي اليوم للإسهاب في توصيفها وإنما تحتاج، بعد أن دخلنا في ثنايا عناصرها و رموزها، إلى أن نقف لبرهة لنأخذ استراحة في تلمس آثارها على حياتنا و يومياتنا. في آخر إحصائية غير رسمية عن عدد مستخدمي شبكة التواصل الاجتماعي الفيسبوك تجاوز الرقم المليار و ثلاثمائة مليون مستخدم، ثلاثة أرباعهم يدخلون يوميا عى صفحاتهم ليضيفوا صورة لهم أو أن يكتبوا آراءهم بمواضيع شتى أو ليعبروا عن مزاجهم اليومي، حيث يتيح لهم الموقع برموز معينة التعبير عنها.. لا يوجد ضرورة هنا في البحث عن أنواع الصفحات، إن كانت حكومية أم مؤسساتية، أم إعلامية أم غيرها.. السؤال الأهم هنا كيف يمكن أن يكون هذا الفضاء الرحب بوابة للحصول على بيانات عامة عن فئة عمرية ما لمجتمع ما أو التدخل فيها و المشاركة فيها سلباً أم إيجاباً. لا شك ان العدد الهائل للمستخدمين في هذا الموقع، و الذي يعادل عدد سكان الصين و هي الأكبر ديمغرافيا في العالم، يمكن أن يوصف هذا العدد بالدولة الافتراضية و يشكل موقعها «سلاح ذا حدين» كما يصفه بعض المختصين بوسائل الإعلام و تأثيراته. إذن سيكون لهذه « الدولة الافتراضية» تأثير في السياسة و الإعلام و الاقتصاد و الثقافة والمجتمع و غيرها. في كل حدث عالمي هام في هذه المجالات المتعددة لجأت الكثير من الجهات في التأثير على هذا الحدث إن كان من الناحية السلبية أم الإيجابية و خاصة في منطقة الشرق الأوسط. فقد جاء خبر في الإعلام مؤخراً أن مستخدمي هذه المنطقة هم الأكثر تفاعلاً و استخداماُ لهذا الموقع حيث أن غالبيتهم ينتمون للفئة العمرية الشابة. و هنا تكمن أهمية الإجابة على السؤال المذكور آنفاً حول الحصول على المؤشرات العامة و تشكيل البيانات و الدراسات الممكن الاستفادة منها عبر مراكز بحثية سياسية كانت أم اجتماعية. لا يخفى على أحد اليوم قصة التنصت و التجسس التي قامت و تقوم بها وكالة الأمن القومي الأمريكية على مستوى العالم، بل على مستوى حلفائها الأوروبيين أنفسهم، حتى أن الهاتف الخاص للمستشارة الألمانية ميركل كان تحت المراقبة الأمريكية، الأمر الذي أشعل الجدل في البرلمان الألماني بين الحزب الحاكم و المعارضة اليسارية.. لا يشذ موقع الفيسبوك عن القاعدة في رغبة الوكالة نفسها و غيرها من المؤسسات الغربية عموما و الصهيونية خصوصاً في الاستعانة به لتحقيق مآرب لها في مجال التجسس عبر تجنيد أشخاص أو في اختراق حدث ما سمي «بالربيع العربي» عبر عملائها المدربين و الذين يتقنون اللغة العربية و تشكيلهم لصفحات معينة، وهنا كانت لبعض الأشخاص تجارب خاصة في كشف بعض التعليقات على صفحات معينة، لها زوار كثر على مستوى الحدث الاخباري اليومي، فيصبح التدخل عبر التعليق على خبر سياسي، إلى شتائم دينية مذهبية لأحد الأطراف مما يشعل النار على مستوى الخبر الذي لم يكن له علاقة بالخبر نفسه و الأمثلة هنا كثيرة لا تحصى. من اللافت هو عدد المتفاعلين مع الخبر الديني، أي عدد المعجبين به، وربما يكون الخبر مجرد صورة تمت معالجتها على «الفوتوشوب»، مثل «نصف حبة البندورة التي يظهر لبها على شكل صليب أو على شكل كلمة «لفظ الجلالة» و يمكن أن يصل عدد المعجبين و المشاركين بها إلى مئات الآلاف. ليس المثال هنا للتدخل في رغبات الناس أو معتقدهم و إنما في نشر «فكرة التدين»، لسهولة تمرير الأفكار الهدامة للتمذهب و التعصب الديني، فنحن في سورية لازلنا نواجه آثار هذا «التعصب الديني» الوهابي، الذي تغلغل في بعض المناطق عبر الفضائيات في السنوات العشر الأخيرة والتي تدعو إلى التمذهب و القتل باسم الدين و هي التي معروف لنا مموليها و غاياتها. هذه الدولة الافتراضية على الرغم من إيجابياتها الكثيرة التي تستغلها شريحة من الناس في الدفاع عن الوطن و نشر الثقافة الوطنية و المجتمعية و لكن هنالك شرائح أخرى تقوم بقصد أم بغير قصد في السير بعكس تيار البناء و الثقافة. مجانية الموقع تزيد من عدد مستخدميه يوميا و لكن بالتأكيد هو منبع لا يقدر بثمن لتلك المراكز و الجهات في أخذ المؤشرات و البيانات لتحقيق غاياته الهدامة. لا يعني هذا الأمر أنه دعوة لحجب الموقع أو الابتعاد عنه و إنما هي دعوة للحذر من مطباته عبر التنبه من مسألة نشر الخصوصية الشخصية، كالصور و أرقام الهواتف النقالة، التي يطلبها الموقع نفسه بحجة زيادة الحماية للصفحة. التحدي يكون أكبر كلما تطورت وسائل الاتصال، ليس بالنسبة لمجتمعاتنا و إنما لكافة الجهات في العالم، التي تفتقد يوماً بعد يوم خصوصيتها و تذوب ثقافتها في صالح فكرة العولمة. لقد بدأت بعض دول العالم تأخذ الحيطة و الحذر من هذه الآثار و ها هي الصين، كأحد العمالقة الكبار في الاقتصاد تنشىء محرك البحث الخاص بها و ربما تلحقها دول كبيرة أخرى في محاولة للخروج من هيمنة دولة الغطرسة الأولى في العالم. أما دول العالم الثالث أو النامية فما عليها إلا أن تأخذ الحذر من عواقب تلك التطورات التي تستغلها القوى العظمى و تؤسس لنفسها بالعلم أجيالاً تزيد من سرعة نهوضها للحاق بركب التطور الإعلامي و التقني، بدل أن يهرب مبدعوها إلى الغرب و تزيد بذلك الهوة العلمية و الإعلامية. كانت بداية الموقع في العام 2004 و كانت الغاية منه تواصل طلاب جامعة هارفارد عبر الشبكة العنكبوتية مع بعضهم البعض، أما اليوم فشخص واحد من أصل ستة تقريبا على مستوى العالم له ظهور في هذا الموقع، لقد تحول منشأ الموقع إلى اسطورة في الإعلام الحديث كغيره في العقود الأخيرة. فهل هذا التطور هو فعلاً من الأساطير الجديدة للعالم الافتراضي؟..من سومر إلى بابل إلى أوغاريت إلى بغداد و دمشق لاحقاً .. لقد أبدعنا في الثقافة و قدمنا الكثير.. واليوم علينا جميعا مؤسسات اعلامية وعلمية وأهالي الاقتراب من أبنائنا أكثر لتوجيه اهتماماتهم والاستفادة من طاقاتهم لنحقق نهضتنا من جديد. |
|