تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في موسم المهرجانات..يامال الشام.. هل نلملم ذواتنا مع بقايا الشعر..؟

ثقافة
الأربعاء 18-6-2014
سعاد زاهر

يوم الأحد الماضي، عقارب الساعة تجاوزت الثالثة ظهرا بقليل، الحركة في باب شرقي خفيفة بالكاد نشعر بالحر رغم أن الشمس مصرة على الحضور، بضع أشخاص يسرعون إلى مشاغلهم..

أغلب المحلات التجارية مغلقة، توجهت بعد الباب الأثري مباشرة إلى اليسار، لأجد مقهى (نينار)، بطاولاته الخشبية البسيطة..‏

المكان الثاني الذي اختار مهرجان ملتقى يامال الشام الشعري، الانتقال إليه.. بضعة أشخاص قدموا مسبقا، مثلي ينتظرون بتوق أن تكون الفعالية على مستوى المشقة التي تكبدناها للحضور.. !‏

للوهلة الأولى شعرت بي محصورة في ركن ضيق أمام تلك الطاولة الخشبية الصغيرة، لا أستطع التركيز في بعض القراءات التي قيلت ولا في الكلام الشعري الذي بدا منمقا أكثر مما يحتاجه الشعر.. اجتاحتنا برودة أحاسيسهم تجاه مايلقونه تراهم لايشعرون.. ؟‏

هل المهم أن نقول شعرا.. وكفى.. هل المهم أن نلقي بعض المقطوعات، لجمهور اعتاد على سماع الشعر، هل المهم أن تضمنا تلك المقاهي أو المطاعم الصغيرة التي قبلت باستضافة الشعراء، لأن روادها ابتعدوا عنها.. وحتى أثناء المونديال.. وهل الشعر منفي إذاً؟‏

هل هو مجرد بوح ذاتي لايأخذ بعين الاعتبار أن الروح الشعرية لاتصطنع، ان الروح الشعرية.. لاتتجزأ إما أن تكون شاعرا أو لا.. !‏

الشعر ليس كلمات اصطفت إلى جانب بعضها البعض.. الشعر يخترقك رغما عنك.. يهز وجدانك، يقلقك، يجعلك تضج بالأحاسيس رغما عنك.. الشعر الحقيقي ربما يتمكن يوما من تبديلنا !‏

شعر وتجارة‏

الشعر في ملتقى يامال الشام، لم يحضر بمفرده، بدا عاجزا يحتاج لشيء يتكئ عليه، فحضرنا إلى المقهى، لنتسلى ونأكل ونشرب.. وقد نستمتع ببعض الشعر، فهل ترانا أزعجنا المشاركين.. ربما؟‏

وهل تمكن الشعر من جلب مدخول للمقهى، وان فعل إذاً لماذا بدل الملتقى مكانه الأول؟.. أليس مزعجا للمشاركين أن يتناول الجمهور الطعام ويشربون أثناء إلقائهم للشعر، و هل يمكن المزج بين الشعر والمردود المادي؟طالما أن لاجهات رسمية تقبل بتبني أو دعم أمثال هذه المشاريع؟‏

شعر ونقد‏

الفقرة النقدية التي افتتح بها الملتقى أمسيته تلك بدت من أهم فقرات الملتقى، تختار شاعرا لتضع شعره على المجهر النقدي.. وفي ليلتها اختار الملتقى الشاعرة ليندا إبراهيم.. حيث تحدث كل من علي الحسن، وكمال سحيم.. ود.نضال الصالح.. والمفاجأة السارة، أن نقدهم ابتعد عن المجاملات.. نقد أكثر ما نحتاجه بعد أن أثملت مثقفينا المجاملات الزائفة!‏

الدكتور الصالح الذي استرسل في نقده لديواني الشاعرة المنشورين، وذاك الذي لم ينشر بعد..‏

ركز على مسألتين.. الأولى: التناقض الكبير في تجربة ليندا الشعرية بين نصوص عالية الشعرية، وأخرى لاترقى إلى مستوى الشعر، والذي عزته الشاعرة إلى البعد الزمني بين التجربتين (2001-20013).‏

المسألة الثانية: ركز د.نضال الصالح على تناول الشاعرة للحب المفقود لاعلى مستوى الأفراد فحسب، بل وعلى مستوى الجماعات والأوطان!‏

جمالية هذه الفقرة أنها بدت تشبه بوحاً نقدياً أو بمعنى أنها فقرة تحاكي البوح الشعري الذي يعيشه الملتقى، نقد يترفع عن الصغائر، هدفه فقط أن يعلو بالمنتج، ما أحوجنا لنقد من هذا النوع.‏

شعر ومسرح‏

احمد كنعان الذي عرفته منذ كنا طلابا في الجامعة.. بمجرد رؤيتي له وقد اختط الشيب كل خصلات شعره.. شعرت بغدر الزمن وقسوته!‏

آلمني رؤية وجهه المتغضن بألم من يرفض الاعتراف بما يحدث لنا..!!‏

بوجع الذي يحتمي بالناس لاخوفا ولاهربا.. وإنما حبا.. في أن يجعل لحظاتنا الخانقة تلك.. لها معنى..‏

وأي معنى يمكن أن يغنيها أكثر من الشعر.. والفن!!‏

بدا قلقا.. منزعجا من أن يصيب المهرجان أي خلل بسبب تبديل مكان الملتقى، بدا قلقه ينزاح بمجرد بدء القادمين بشغل اغلب الطاولات..‏

اختياره للشعر والموسيقا والغناء.. لأنها قابلة على أن تتأقلم مع ظروف الملتقى الذي لم يجد من يموله.. ومع ذلك يصر كنعان على أن يبقيه، على أن يجعله حالة ثقافية لافتة.. تغتني من تجربتها الذاتية.. التي تصر على أن تقدم الوجبة الثقافية بجاذبية.‏

احمد كنعان صاحب فكرة المتقى وهو القادم من عالم المسرح يبدو وكأنه أصر على ألا يغيب المسرح عنا، في لحظات كثيرة شعرت أننا في لعبة مسرحية واقعية أو شئ من هذا النحو..‏

خاصة حين كان يصفق بحرارة لايمتلكها البعض.. أو من خلال حثه الناس على التصفيق والتفاعل مع الشعراء.. ناسيا أن يترك الناس تعبر بطريقتها وان لم يتفاعلوا أو يعبروا كما يريد.. المشكلة ليست عندهم، بل في مكان آخر.. !!‏

شعرت في لحظات كثيرة أننا جميعا على خشبة مسرح كبيرة، وكنعان كأنه مخرج مسرحي، يشرف على التفاصيل الكثيرة التي يحتويها المشهد الشعري المتتالي بانسيابية، لابأس من أن يشوبها أخطاء وبعض الانفعال العشوائي، والفوضى.. لأن هدفها في النهاية خلق حالة من التفاعل، ليس مع المنصة والجمهور، كما يحدث عادة في المسرح، بل مع بعضنا البعض، تفاعل عفوي ربما يغني التجربة، أكثر من أي تفاعل مدروس!‏

الحالة المشهدية المسرحية التي اشتغل عليها سابقا، جعلته يطمح لتقديم حالة ثقافية تخرج من اطار التقليدية..‏

السينوغرافيا كانت جاهزة، ساعده ديكور (نينار)بدا مقنعا لهذا الحضور الشعري، بدءا من اللوحات التي أحاطت بنا، وصولا إلى قطع الخشب التي تكدست بجانب تلك النوافذ التي كان يشع الضوء منها باهتا، ربما أراد أن يتركنا نغرق في ظلمة آنية علنا نتمكن من نبش نورنا الداخلي!‏

روح شعرية‏

التأثر والتصفيق الذي طلبه كنعان بدا واضحا على الحضور بطرق مختلفة فمثلا اخذ اتجاها حزينا في حالتين الأولى لدى خلدون زينو.. الذي بدا أن داخله يتمزق وهو يلقي الشعر، ينظر الينا مستغربا ألا نتمزق مثله.. وهو الحامل في روحه انفلات قد لانفهمه إلا بعد وقت طويل.. !‏

الحالة الثانية اللافتة سنا كنعان.. ياالهي كم نحتاج لبراءتها، لروحها الشعرية، لعفويتها.. لصدقها.. لحسها.. الذي وصل إلينا من جملتها الأولى (كابوس الفراق)تلك التي قالتها ثم اختنقت بالبكاء..‏

حالات شعرية عشناها بدت هي الأخرى مؤثرة لكن بطريقتها العميقة.. فمع الشاعرة سوزان إبراهيم أحسسنا أننا مثلها تفتحت لدينا عين ثالثة وصرنا نرى الآخر كله..‏

شعرنا بصورها الشعرية تلك التي تحاول أن تخبرنا بعضاً مما تشعر به، دون أن تتمكن من الإفصاح أكثر.. شعرنا بها كيف تصاب بالأشجار.. وكلما دنت فأس منحتها يدها، وأنى ألقي بها تحفر لمائها مجراه.. أصبنا مثلها بالحياة..‏

وأتلفنا الليل مثلها.. ونهضنا في الغد معها.. !..‏

روح اللقاء.. ؟‏

.. لنلتقي كثيرا.. نحتاج لتلك اللقاءات، لنستجمع شجاعتنا مجددا.. لنعيش أجواء مختلفة عن رائحة الموت وعبق الدخان الأسود..‏

نحن أصدقاء الشعراء حضرنا لنستمع إليهم، لنتجه صوب آفاق أخرى.. لنبتعد عن لحظات الموت المرعبة، وكوابيس الرحيل، ومراكب الخسران..‏

وكم هو مؤسف أننا نكتشف انه بعد كل الذي حدث‏

بعد كل ما عشناه من نحيب علني وقهر وموت..‏

بعضهم لايزال غارقاً في أمراضه الثقافية..‏

بعض ممن دعاهم الملتقى رفضوا الحضور.. وحتى الاعتذار، أغلقوا هواتفهم وكفى.. وبعض من حضر.. كأنه نزل من برجه العاجي ليمن علنيا بنعمة الحضور!‏

مؤسف أن نلتقي ونحن لازلنا نحمل بعض أمراضنا السابقة.. وكأن شيئا لم يحدث.. !‏

soadzz@yahoo.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية