|
شؤون سياسية وكيف هيأ دعاوى إعلامية وسياسية مغلوطة، هدفها إبراز قوة اللوبي الصهيوني، وكأنها هي التي تسير السياسة الأميركية، وهذا ما يتناقض مع منطق الأمور وحقيقة السياسة الأميركية، إذ كيف يمكن لإمبراطورية بقوة وجبروت الولايات المتحدة الأميركية أن تسير بقوة لوبي معين، حتى لوكان صهيونياً. وشاعت دائماً مقولة في الدوائر العربية الرسمية إن السياسة الأميركية الخارجية في الشرق الأوسط يوجهها اللوبي الصهيوني الذي يصول ويجول ويرهب الساسة الأميركيين لكي يقدموا دائماً المصالح الإسرائيلية حتى لو تعارضت مع المصالح القومية الأميركية. ولكن لم تظهر دراسات تسلط الضوء على الحجم الحقيقي للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية، لأن مثل هذه الدراسات تعتبر من المحرمات، والواقع أنه في مختلف المحطات كانت قوة اللوبي الصهيوني مستمدة من طبيعة النظام السياسي الأميركي وليس في مواجهته، ومن حيوية شبكة العلاقات التي صاغتها مجموعة المنظمات التي تمثل اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، ومن طريقة عمل النظام السياسي الأميركي ذاته، لا من القوة الذاتية لهذا اللوبي التي تضخمها أجهزة الإعلام لأسباب سياسية وإيديولوجية، حتى تبث روح الاستسلام في العقل السياسي العربي. لكن هذا اللوبي الصهيوني يكتشف يوماً بعد يوم أنه لم يعد يقود اليهود الأميركيين، كما كان يفعل في إيهام الرأي العام خلال العقود الماضية، فاليهود الأميركيون يعلمون أن إسرائيل ليست الترياق الذي بإمكانها استخدامه لحل إشكالاتها الداخلية. وبهذا الصدد فإن وجهة نظر المفكر الأميركي اليهودي (نعوم تشوسكي) هي أن اللوبي الصهيوني لايبلور السياسة الأميركية، بل يجسد مصلحة أصحاب رأس المال والنفوذ في الولايات المتحدة، الذين يقفون وراء السياسة الإمبريالية الأميركية ويستغلون إسرائيل لتحقيق أهدافهم، أما المفكر الإسرائيلي «يوري أفنيري» فيعلق على من يقول بسيطرة اللوبي الصهيوني على السياسة الأميركية لمصلحة إسرائيل، وبين من يقول إن اللوبي وإسرائيل في خدمة أصحاب رأس المال والنفوذ الأميركيين، ويتساءل: «هل الكلب يلوح بالذيل، أم الذيل يلوح بالكلب؟» وانتهى إلى القول: «إن التكافل الأمريكي- الإسرائيلي هو ظاهرة مميزة ومعقدة جداً.. إن الكلب يلوح بالذيل، وإن الذيل يلوح بالكلب، أي إن كلاً منهما يلوح بالآخر!». إسرائيل تخوض الآن معركتها أصلاً في واشنطن سواء بين الإدارة الأميركية بزعامة أوباما واللوبي الإسرائيلي (آيباك) أو داخل (الآيباك) نفسه الذي تشكلت أكثريته المسيطرة في العقود الثلاثة المنصرمة من مؤيدي اليمين الليكودي أو بين تجمعات يهودية أخرى ليبرالية ومع (حل الدولتين) وضد (الآيباك). وفي ظل التصادم الحاصل بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو، قامت (اللجنة الأميركية -الإسرائيلية للشؤون العامة) «آيباك» التي تمثل اللوبي المؤيد لإسرائيل بالضغط على نواب الكونغرس لكي يرسلوا رسالة مفتوحة إلى الرئيس الأميركي أوباما، بهدف تخفيف الضغط الأميركي على إسرائيل «الحليفة الديمقراطية التي ستتخذ مجازفات كبيرة في أي اتفاق سلام». في المقابل، لم تعد «آيباك» هي المنظمة الوحيدة المسيطرة على المجال السياسي لليهود الأميركيين في الولايات المتحدة الأميركية، فموسوعة «سبين ووتش» تقول إن «آيباك» تواجهها منافسة من منظمات يهودية أخرى تتهمها بالانحياز للميول اليمينية المحافظة التي لا تمثل الآراء العامة للتجمعات اليهودية، ومن أبرز هذه المنظمات مجموعة «جي ستريت»، المتشكلة من اليهود الأميركيين (اليساريي الهوى)، التي تعتقد أن السياسة الأميركية (حتى صعود أوباما) تميل بشدة لمصلحة اليمين الإسرائيلي، وأن ذلك لن يخدم، استراتجياً، مصلحة أميركا أو إسرائيل. وقال ( جيرمي بن عامي) المستشار السابق للرئيس (بيل كلينتون) والرئيس التنفيذي للمجموعة: (أفضل شيء يمكن أن يفعله أي سياسي أميركي مخلص بشدة لإسرائيل هو تحقيق حل الدولتين وإيجاد اتفاق سلام شامل بين إسرائيل وجيرانها)، وختم قائلاً: «يقوم عمل المنظمة على إنهاء التأثير الطاغي للجماعات المتشددة واليمينية التي لاتعطي اليهود الليبراليين الفرصة للتحدث فيما يخص عملية السلام في الشرق الأوسط والدور الأميركي فيها« نقلاً عن الدكتور أسعد عبد الرحمن في استعراضه للتحولات والشروخ التي حصلت داخل اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة. |
|