|
معاً على الطريق فترى شخصا على درجة عالية من التعلم يفاجئك بقوله: إنه بالأصل ينتمي إلى آل البيت, وأن جده كان سيد قومه, وأن... وأن.. ويدهشك شخص صعلوك جميل سرعان ما يتخلى عن صعلكته وفوضويته وانتمائه الذاتي، يحدثك عن جده الذي يملك مساحات شاسعة من الأراضي والعبيد الذين تسيد عليهم. والأنكى من ذلك: أن كائناً لا هو في العير ولا في النفير لا يكف عن إخبارنا عن بطولات جده أيام الاستعمار الفرنسي. ويزداد الأمر غرابة عندما يحدثك شخص مسكين عن أصوله الفينيقية أو الفرعونية.. وما شابه ذلك متأكداً من نقاء دمه. وفي كل يوم يتحفنا كاتب بكتاب حول أصول عشائر هذه المنطقة أو تلك والحديث عن محاسنها وبطولاتها. حسناً أيها السادة المحترمون.. ماذا يعنيني أو يعني الآخر إذا عرف أنك تنتمي إلى فرد ما قال هو إنه ينتمي إلى آل البيت. إن الأمر لا يعني شيئا إطلاقا, لأن المهم والأهم أن تكون كائنا إنسانياً تتحلى بجملة من الصفات الفاضلة. هل يشفع لأحد انتماؤه إذا صافح العدو القومي, وصار عميلا للأمريكان وكلب حراسة لسلطة تابعة؟ حسناً: أنت تعيش الآن في هذه اللحظة من التاريخ المعاصر, ما دخلك أنت بما صنعه جدك أيام الاستعمار الفرنسي, أنت ماذا صنعت وماذا تريد أن تصنع؟.. هو ذا السؤال الأساسي. حسناً: إذا كنت مفلساً ونصاباً وكذاباً ما قيمة انتمائك إلى عائلة إقطاعية حكمت وظلمت؟ حسناً: قل لي أيها الباحث عن أصلك غير العربي ما الذي تجنيه من هذا أولاً؟ وما أدراك بآلاف السنين من التزاوج الشرعي وغير الشرعي في هذه المنطقة, أنا لا أتحدث هنا عن الأقليات القومية, بل عن الأفراد المهووسين في البحث عن أصولهم غير العربية. والحق إن هذه الصورة من الوعي الزائف تعبير فاضح عن ضعف الشعور بالأنا, بالذات الفردة, حيث لا تجد الأنا حضورها القوي إلا بالانتماء إلى ما سواها وليس إلى ذاتها, وحيث الذات الفاقدة لمكانتها ودورها في الحياة تبحث في التاريخ عما يؤكد وجودها. وهذا نمط من استمرار الشعور القطيعي الذي لم يأت انتصار الفرد عليه بعد. ولن يتحقق انتصار الإنسان انتصاراً كلياً إلا إذا انتصر الأنا في الانتماء إلى ذاته وليس إلا ما عداه من انتماءات ضيقة زائفة تسمح لصاحبها بنوع من الغرور ثقيل الظل على الآخرين. ولا يمكن تحقيق الانتماء إلى الأمة إذا كان الشعور بالانتماء إليها أضعف بما لا يقاس من الانتماءات الضيقة.. إنها دعوة لانتصار الأنا. |
|