تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


خليل عكاري :«الحكايـة الســورية» علـى بيــاض اللوحــة

ثقافة
الأحد 20-12-2015
 علي الراعي

طالما كانت البيئة، البيئة المحلية المكانية تحديداً، هي النبع الثّر الذي لا تكف مناهله عن العطاء، تلك المنابع، التي يبقى المُبدع - أياً كان شكل الإبداع الذي يُخوّض فيه - يمتحُ منها لبناء عمارته الجمالية،

ولعل المثال الأجمل لهذه الحالة المتماهية مع المكان، والتي كانت تُشكل له وتُغذيه طول الوقت هذه «المناهل الإبداعية» هي تجربة الفنان التشكيلي السوري خليل عكاري.‏‏‏

‏‏‏

‏‏‏

شعراء اللون‏‏‏

وقبل الحديث عن تأثير «سورية الجميلة» في إنشاء عمارة خليل عكاري التشكيلية، فقد تتلمذ بدايةً على يدي فنان يُعتبر شاعر اللون في سورية، هو نصير شورى، كما كان له صداقة حميمة جمعته مع فنان مُبدع آخر باللون، ومن أهم الانطباعيين في العالم العربي؛ هو ميشال كرشة. تأثير هذين المبدعين، كان له الأثر الكبير في تجربته الفنية واتجاهها قبل سفره إلى أرمينيا، وفي أرمينيا سيتعلم عكاري من الفنانين الأرمنيين: ماريدروس ساريان، وآرا بيكريان، ثم لتُكرس كل من طبيعة البلدين «سورية وأرمينيا» كل ما لديهما من جمال ضوء وجماليات لونية لتُعطي خليل عكاري كل تلك المساحات اللونية التي يطرحها في فضاء البياض على لوحته التشكيلية.‏‏‏

غير أن الشغف الأكبر لهذا الفنان كان بالطبيعة السورية، الذي قام بتكثيفها على بياض لوحته، لدرجة تشعر، وكأنه يُريد أن يضع كل سورية في تلك اللوحة، من هنا لا نستغرب إذا ما شاهدنا قاسيون يُجاور الأقرع، وبردى في سهول الغاب، وسهوب الجزيرة مُجسدة بالقرب من غوطة دمشق، فكل الملامح السورية تتوالف معاً في ذلك المكان الأثير إلى نفس عكاري، أقصد ذلك الحيز التي توفره له الخامة البيضاء.‏‏‏

الجمال السوري‏‏‏

في ذلك النتاج التشكيلي سيوافق خليل عكاري ماذهب إليه الفنان رينوار، الذي عانى الفقر والألم في بداية حياته، ومن ثم كانت لوحاته تضج بالحياة والتفاؤل، قائلاً: يجب أن تكون اللوحة مُعبرة تُوحي بالفرح والسعادة والجمال، فهناك ما يكفي من الأمور المزعجة في هذه الحياة. عن ذلك يقول عكاري: إلى حدٍّ كبير، أنا مع «مقولة رينوار» لأني أعتقد أنّ الأمور الحياتية التي تحتاج إلى أعمال تحريضية، هي من مهمات إبداعات أخرى أكثر من العمل التشكيلي، ربما تكون من مهمات «فن الإعلان» مثلاً، كما نُشاهد دائماً خلال فترات الحروب، اللوحة تحتاج للكثير من التأمل، ولا تواكب، أو تتساوق مع «العارض السياسي»، لأنّ من صفاتها الخلود، ومن مهمتها المتعة الجمالية، وإيجاد واقع آخر غير البشاعة المتوفرة في كل تفاصيل حياتنا.‏‏‏

ويردف: أرى أن سمة الفنون الجميلة أنها تُقدم «المُتعة الجمالية» أولاً، المتعة التي تحتاجها الذائقة الإنسانية، وهي متعة بصرية ونفسية بالدرجة الأولى، واليوم يكفينا ما نُشاهدهُ من مآس في شرق العالم ومغاربه، كل المآسي زائلة، والخالد هو الفن الجميل، الفن الجميل الذي يمنح المتعة البصرية الباقية مع الإنسان، أو التي تهفو إليها نفس كل إنسان مُتحضر.‏‏‏

وهنا - ربما - سيُخالف الفنان فان غوغ في مقولته: «من جهتي لا أعرف أي سبيل آخر سوى العراك مع الطبيعة لغاية أن تفضي لي بسرها»، فهو يبوح لي بالقول: من جهتي، أخالف فان غوغ من جهة العراك، فأنا لا أصارع الطبيعة، ولا أحسبُ أني في صراعٍ معها، وحتى أكون دقيق معك، فأنا أقرب إلى حالة عشق وتماهي مع هذه الطبيعة، كيف أكون في صراع مع ملهمة لي، ملهمة استخلص منها الجماليات الأقرب إلى نفسي والتي أسردها تكوينات على الخامة البيضاء، من جهة أخرى أشعر وكأن لوحتي وسيلة تعبير مكثفة عن الطبيعة، بتلك الزوايا التي أسقطها على بياض اللوحة. هذه الطبيعة التي يذهبُ عكاري بعيداً في تشخيصها لدرجة الأنسنة، عندما تصير جذوع الأشجار في التفافاتها كأجساد عاشقة، وهو الفنان الذي احتفى بالجسد طويلاً.‏‏‏

الذاكرة البصرية‏‏‏

يقول لي عكاري: سأسرّ لك أمراً، في السابق كنت أخرج إلى الطبيعة وأرسم مناظر ومشاهد طبيعية محددة أعمل لها استكشات لونية، وبعد ذلك أكوّن اللوحة.. اليوم من هذا المخزون البصري الذي كونتّه عن الطبيعة السورية؛ صرت أكوّن اللوحة من خلال المخزون والخلفية البصرية الذاكرية، فقد تشكلت لدي ذاكرة بصرية غنية ومُفعمة بالكثير من المشاهد التي صرت أشكلها من جديد.‏‏‏

وفي كل ما يُقدمه عكاري من أعمال تشكيلية، كان طول الوقت من إيحاء نظرته إلى مسألة المدارس والمذاهب الفنية، والتي يوضحها أنها جميعاً تجتمع بـ «مدرستين» فقط، تنضوي تحتهما كل المدارس الفنية مهما تعددت وتنوعت، وهما: المدرسة التي تستمد رؤيتها من الواقع بكل تصنيفاتها الفنية، فكل فنان يستمد عناصر عمله التشكيلي ولو بشكلٍ مختزل أو رمزي من الواقع، فهو واقعي مهما كانت درجة اقترابه وابتعاده من هذا الواقع، وكل فنان ابتعد عن الشكل وعن الواقع، فهو تجريدي، هذه هي كانت رؤيته خلال عمله التشكيلي الذي بلغ اليوم عتياً من السنين الجمالية،، ومن تأتي الاختلافات من اللمسات التعبيرية التي يُضيفها كل فنان على «واقعيته» بتلك الشحنة التعبيرية لزيادة التأثير البصري، هذا بالمختصر.‏‏‏

التعبيرية الجميلة‏‏‏

وأما لجهة التعبيرية التي تتميز بروحها لوحة خليل عكاري، فهي الشغل الفني الذي يتجسد باللون ووضعيات الأشخاص في قلب التكوينات في اللوحة، والذي يرمز لمناطق محددة من سورية، التعبيرية هي اللمسة الفنية التي تُدخل اللوحة في عالم الفنون الجميلة.‏‏‏

ما يصبو إليه عكاري من كل ذلك أن يُقدم لوحة بهوية سورية صرفة، لاسيما عندما يجمع كل تلك المكونات السورية بعمل تشكيلي واحد، فهو يستشعر هذا الجمالي للأمكنة السورية، والتي تمنحه المعطيات الكاملة لتقديم عمارة فنية سورية خالصة، هنا الحس الجمالي هو من يفرض عليه هذا الجمع بين أمكنة مختلفة في لوحة واحدة، وهي تأتي بكامل الانسجام اللوني والنفسي، ولا تباعد بينها، أو تنافر، وإنما هارموني سوري من نوع مختلف وخاص ونادر، والأمر الذي يُطيّعه؛ هو العلاقة اللونية والحالة التعبيرية للعمل الفني، أي أنّ الإضافة الجمالية، أو اللعبة التشكيلية، تكون في هذه الحالة التعبيرية والألوان الصريحة تارةً، والمتماهية مع غيرها تارة أخرى، كل ذلك يُعطي الواقعية سمتها alraee67@gmail.com‏"الجميلة.‏‏‏

alraee67@gmail.com‏‏">التعبيرية‏

alraee67@gmail.com‏"الجميلة.‏‏‏

alraee67@gmail.com‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية