تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ألـــــــــــــــوان من طقوس حياتـــــــــــنا

مجتمع
الأحد 20 -12-2015
غصون سليمان

في جولة فضول على بعض الأسواق والمحلات المختلفة في مدينة الحياة وعاصمة الوجود دمشق لغاية في نفسي ، رأيت البضاعة بأصنافها المتعددة تتدلل، وماركات الستوك تفضفض عن نفسها بالأسماء التعريفية والعلامات التجارية المقلدة للأصلية ..

تحوم حولك كثير من إشارات الاستفهام والتعجب والتفسير ،حول نوع ولون ومصدر البضاعة التي غزت أسواقنا وافترشت طرقاتنا ومنصفات ساحاتنا وشوارعنا وسرقت أحلامنا وأحلام الليرة السورية يوم كانت تغني وتسمن من جوع وعري وفقر ..‏

وتجعل صاحبها مهما حمل في مخزنه الصغير (جزدانه)من فئة المئات والألوف سيدا وذواقا وقادرا على الشراء والاختيار ، متجاوزا الأنواع والموضات التي لا يرغب ،رافضا ما ينفّر أويعكر مزاجه من حيث الأنواع والألوان ، يشتري مايشاء ويشتهي من الجودة المنتمية إلى المواصفة القياسية السورية ، أكان لباسا أم غذاء أم أدوات منزلية وتجميلية ومنظفات وأحذية ..‏

طوابير من البشر وهذا دليل عافية وعشق المواطن السوري للحياة بتفاصيلها الحلوة والمرة ،أكان غنيا، أم فقيرا ، سائحا ،متجولا،هاويا ، متفقدا حال المدينة وكيف أصبحت طقوسها التسويقية والجمالية وحال الناس بعدما تداخل الحزن والفرح وامتزج الضحك مع الدموع وهربت طفرات من الذكرى من تلك النافذة إلى ذاك البيت ..‏

مشاهد متعثرة هنا ومنفرجة هناك ، تفاعل وتداخل ونشاط تحوم حول البسطات المغلقة والمفتوحة بكل الاتجاهات ، لتسمع في الدقيقة الواحدة إذا ما توقفت عند إحداها عشرات الأسئلة من كلمة ما سعر هذه السلعة الخفيفة وتلك الثقيلة في الشكل والوزن والذوق الترفيهي والاجتماعي..‏

يأتي الجواب للبضاعة الخفيفة يوم كان سعرها قبل العدوان وافتعال أزمة مصير لوجودنا وحياتنا ، خمسون ليرة ،مائة وخمسون وفي حالاتها القصوى خمسمائة ليرة سورية ، فيما هي اليوم تستقر صعودا ونزولا حسب تربية الضمير وحرارة الوجدان الجمعي لمن يمتهنون صناعة البيع في الظروف الضاغطة على العباد ،ألف وخمسمائة عند احدهم ،ألفان عند آخر ،ثلاثة وأربعة وهكذا محلات أخرى وطبعا لنفس البضاعة ..‏

حذاء منزلي على سبيل المثال لا الحصر مؤلف من قطعة قماش مع أسفل قدم بلاستيك رقيق خاص بالموكيت والسجاد داخل المنزل يتعدى في سعره الألف والألفين علما أن نوع القماش والصوف عادي وقس على ذلك من الأشياء الكمالية اللازمة وغير اللازمة ..‏

لن نغوص في تفاصل وجع الأسواق بين الضرورة والحاجة ، بين هجران رخص السلع واستعار الغلاء ، دون رحمة للعباد والتزاما بعبارة ..اللهم إني أسألك نفسي ..يبدو أن إحساس الناس ببعضها البعض تمزق في مساحات كبيرة ، وأصبحت التجارة شطارة وكيفية استغلال العباد ماركة جديدة في قاموس التلاعب على فقر الحال وتعتير الناس وهم يتلوون بعذاب الفقد والهجرة والموت والتخريب وضياع الأهل والناس والأحبة والأصدقاء ,,‏

ومع كل ذلك يبقى الغريب في الأمر هو كيف لهذا البعض من أبناء هذا البلد وهم ليسوا قلة يروجون لبضاعة وصناعة غير محلية وافدة من حدود وبلدان تعمل ليل نهار في السر والعلن في مشاريع التآمر لتحصد موتنا يوميا وتسرق خيراتنا ومقدراتنا وتشوه قيمنا وتغير عاداتنا ..يتباهون بأنها صناعة لا تنتمي إلى ذوق المواطن السوري وحرفية صناعته في كل شيء ، متعمدين إخفاء تلك البضاعة التي تتنفس الضوء من ورش ومعامل الوطن ، فيها رائحة الجودة وتلحظ جيوب الناس وترحم عيونهم التي خذلتها الأسعار في الصيف والشتاء ..‏

حتى أصبحنا ندوّر كل شيء في حياتنا حتى الأحلام ..لكن نعدكم أننا سننهض ويعود الألق والأمل متسللا للنفوس والبحبوحة للجيوب والاستقرار يوم يتم القضاء على الفوضى بجميع مسمياتها ومسبباتها..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية