تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


عنف صامت

عين المجتمع
الأحد 20 -12-2015
منال السمّاك

يدّعون التحضّر على الملأ.. ويمارسونه سلوكاً راقياً.. ويترجمونه كلمات منمقة ، وعندما يثار الجدل حول المساواة بين المرأة و الرجل ، يتبارون في تلميع صورتهم الذكورية تجاه القضايا التأنيثية،

ويناضلون جهاراً للدفاع عن حق نون النسوة في أن تكون نداً لجمع المذكر حقاً وواجباً .. وفي ضرب الأمثلة الحية التي تصورهم كمؤمنين بالمساواة ، يتفننون في إعلاء سقف الحقوق وتوسيع مساحة الحرية التي تصون كرامة أنثى أياً كانت صفتها عائلياً أو تصنيفها اجتماعياً .. ولكن بعضهم سرعان ما ينقلب إلى سيد بلا منازع يمارس سلطته الذكورية على «حريم» مملكته الأبوية، ولكل أسلوبه الذي ينفرد به تسلطاً قد يلامس حدود القمع أو حتى العنف أحياناً.‏

عندما نتكلم عن العنف الممارس على من اصطلح على تسميتهن مهما علا شأنهن ثقافياً أو وظيفياً بـ(الحلقة الأضعف)، غالباً ما يكثر الحديث عن العنف الجسدي الذي تثار حوله زوبعة من الاعتراضات والدعوات لعدم السكوت عنه ، وضرورة خروج المرأة المعنفة من دائرة الصمت ، وعدم الإصغاء لهمسات مقربة بالتزام الصبر للحفاظ على متانة بنيان العائلة.. لتحوز لقب صابرة ومضحية يحترمها محيطها الاجتماعي، لا مطلقة تثار حولها التساؤلات والشبهات.‏

و لكن هناك عنف خفي يمارسه الأغلبية الساحقة نادراً ما تتم الإشارة إليه، حيث يشتد وقع الألم وتتسع الجروح ويطول التئامها لتترك فيما بعد ندوباً وتشوهات نفسية يصعب علاجها ، هنا لا أدلة على إيقاع العنف ولا عقوبة قانونية لممارسه أو مرتكبه ، ولكن قد يكفي تسخيف أو تجاهل أو ازدراء للمرأة ومطالبتها بأدوار متعددة تضاف إلى عملها الوظيفي ، لتكبر مساحة الشرخ وتتعمق هوة الشعور بالنقص ويزداد الإرهاق النفسي لتبدو مشوهة روحياً... يبدو أن العنف النفسي ظاهرة زادتها تأجيجاً ظروف حرب ساخنة ، فأشعلت حرباً باردة خلف الأبواب والنوافذ المغلقة ، كانت المرأة فعلاً هي الحلقة الأضعف .. فهل من عقوبة للجاني؟..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية