|
إضاءات نسألك يا شآم وأنت فيروزة العروبة، وعاشقة الصوت الفيروزي، كيف لهم أن يتجرؤوا على طعن نجمة الدهر الملوّن بالفرح والمجد بسهام ألسنتهم، حين أكاذيبهم المفبركة المنشورة على حبال الردى، تطول أيضاً وأيضاً حبيبتك الغالية.. المطربة العظيمة فيروز!.. ولماذا هي هدفهم المرتجى في هذا الوقت بالذات؟ فمَن منّا لم يعانقه صوت فيروز صغيراً أم كبيراً، وهو يتجوّل في شوارع دمشق شامَة العروبة واليمام المسالم، وراية العرب، وشعاعها النضير الذي لن يصيبه الجفاف، حتى لو غمس ضياؤه بالحقد الأسود، فحين نكون في الشام، يعني أن ترافقنا فيروز بصوتها الملائكي الشجيّ، عبر كل حاراتها والدروب، وأن تلفحنا أنفاس الياسمين وتظلّلنا الأنجم الحمر، ترطّب القلب والعقل بماء الورد الجوري الدمشقي، الذي يغمر العقل بالذكريات المعتلية صهوة الشمس، وليالي الأُنس السابحة فوق قمم قاسيون، ومدارات التاريخ العابر واحات النخيل، الـمُترعة بنبيذ الرشوات وشراء الضمائر، التي طالما ضخّت هرطقاتها سفحاً لكرامات مازالت في الحضيض منذ ضياع فلسطين. لقد غنّت فيروز مَجد الأمة العربية، وضجّ مسارها الطربي عنفوان كرامة، لا تهزمها صروف الدهر والنائبات، لهذا تلقفتها شآم العروبة ورفعتها على أجنحة الحب، ومواضع الندى، وهدهدات القلوب، نجمة مكلّلة بالغار، احتضنها الشعب السوري الأبيّ، الذي أدرك إبان تاريخه العظيم، أن السير على درب الحق، هو السيف الذي لا ينكسر، واليراع الذي مازال نبراس ضوء وراية ارتقاء، فصوت فيروز هوية ووطن وصلاة يومية قائمة بانتظام، حين البادية الغنّاء هي بادية الشام، وبادية بلاد الرافدين، وبادية أرض الكنانة، حيث يحلو الهوى من حيث ندري ولا ندري، ويعذُب مذاق الحب الذي يأتي السمع شفيفاً، طريّاً، ناعم الملمس، ومتدثّراً بالوفاء الذي لا يعرف أهلوه الارتهان لإغراءات المال، ولا الخوف من عدو متجبر حاقد، ولا الرهبة من معتد غاشم، أو الانصياع لمن باعوا ضمائرهم وهوياتهم وأوطانهم في سوق النخاسة، لأن العقل العربي الدمشقي الفيروزي في عافية مسار وصفاء نيّة، والضمير أبيض القَسمات، والحكمة والإيمان والوطنية السليمة هم الحالات المؤانسة خطوط الحق والحقيقة، المتعملقات في أجندات مسؤولين، عرفوا كيف يرفعون العروبة مقياساً، وصوت فيروز حرزا واقياً، ضخّ على شاعرنا الكبير سعيد عقل أحلى القصائد الغزلية بشآم ارتاحت في خاطره وعلى حنجرة فيروز وألحان الرحابنة، صحوة فجر، وتصفيق يمام، وعناقيد كرمة عصرت الدهر نبيذا.. وكؤوس غرام. نعم.. هي الشآم، شآم فيروز التي مازال صوتها يصدح حيّاً في الحارات الدمشقية، وفي كل زاوية من زوايا القرى والمدن التي تلقفت صدى حنجرتها الذهبية بهوى عجائبي، صانته سورية بأشفار العيون، ورفعته على مهود القلوب صداحاً طربياً أصيلاً، لا يتقن الانكسار أو الانهزام، مهما تبدّل الزمن أو تغيّرت المسارات، أو تبدّلت السطور في أجندات المرائين المخادعين، الذين لم يجدوا أمامهم أخيراً سوى العملاقة في الفن والطرب والوطنية والعروبة، سفيرتنا إلى النجوم فيروز، كي يقتحموا أسوارها العاليات، ظناً منهم أنهم سيصيبوا منها مقتلاً، متناسين أنها الرمز القوي للحبّ النقي، وأنها الإيمان المطلق الثابت على رفع الصلاة للوطن وناسه الأوفياء، حين الناس في غفلة من أمرهم، تسيِّرهم المحطات الشياطينية، التي استباحت ضمائرهم وعقولهم بحفنة من المال المستورد، الذي استعار عقولهم كي يحوّلها إلى «ريموت كونترول» تُسيَّر بكبسة أيد عملاقة.. تُسيِّرها كيفما تشاء. إن التعدي بالكلام المزوّر على السيّدة فيروز، الـمُغرمة حتى الثمالة ببلاد الشام وعروبتها الأصيلة وتاريخها المجيد، ما هو سوى فصل من خيوط المؤامرة الكونية اللعينة على سورية، التي حاربوها إعلامياً وعسكرياً وتهجيراً لشعبها الآمن وقتلاً وذبحاً لأطفالها ونسائها وشيوخها، ومن ثم تدميراً لتاريخها التراثي، ظناً منهم أنهم سوف يلقون الترحاب الذي ظنوه نصراً مؤزراً لهم، وحين فشلوا، لعبوا على مسار الحب الذي حمله صوت فيروز وقناعاتها الوطنية لسورية الصامدة، الواقفة على ذرا مجدها التليد، وسيفها البتّار الذي لا يصدأ ولا يشيخ، مهما زادوا من فبركاتهم الإعلامية التي نشروها حرباً شعواء على سورية العروبة، وعلى كل عربي شريف آمن بمسار الصمود والتصدي التي رفعته سورية عنواناً شريفاً لهذه الأمة، التي لن تندثر بين حوافر الخيل مهما طال الزمن ومهما كثرت المؤامرات والعمالة للأجنبي والـمُستعمِر الجديد، القادم إلينا على رؤوس صواريخه المصدّرة إلى «داعش» وأخواتها من العصابات الإرهابية، التي صنعوها ونقشوها بالحناء، وعطروها بالعود، الذي يزكم الأنوف ويخدّر العقول. إن فيروز العظيمة يا سادة الصحافة الصفراء المحنّطة.. ستبقى الكبيرة الشامخة كأرز لبنان الدهري، لأنها جزء لا يتجزأ من مجد هذه الأمة وعلامة فارقة في تاريخ الأغنية العربية الملتزمة، التي تمددت على مراح بيسان والقدس الشريف، متجوّلة بين الدروب المفجوعة بضياع فلسطين، حين العرب منبطحون أمام القرارات الدولية الـمُذلّة، التي سحبت بساط الكرامة من فوق رؤوسهم، ومنحته بفخر ورعاية إلى العدو الصهيوني، الذي مازال ينخر في جسد هذه الأمة، التي مازال هواها يترنّح على مهود كفوف المجاهدين الشجعان، الذين ساروا على خط الشهادة في سبيل فلسطين والحق العربي المستباح، برضى لا تشوبه شائبة مهما غالى العملاء في غيّهم، وارتدادهم وفجورهم وأكاذيبهم، حتى تلك، التي طالت مؤخراً السيّدة العظيمة فيروز، التي بلغ بأنصار الإرهاب الداعشي حدّ الافتراء على من يعتبرها أغلبية العرب، خصوصاً في بلاد الشام، وعلى الأخص في سورية ولبنان، حالة وطنية عنوانها الهوية التي تحمل شعار الوطن وصوت فيروز؟ فمَن منّا لم يرتاح لصوت فيروز وهي تغنّي لشوارع القدس العتيقة وفلسطين المغتصبة، وللشآم وأهلها حيث التاريخ من فضلتهم، والحضارات تطأ الشام مختالة، «حيث بين تخميها تجلى للنهى/ مطلع الحق وتعليم السلام»، مَن منّا لم يصافح معها مكة وأهلها الصيدا، حيث يضجّ الحجيج بذكر الواحد الأحد بإيمان لا تشوبه شوائب التبديل والتغيير والافتراء والمزايدات التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، ومَن منّا لم يسافر مع صوتها المحلّق على أجنحة السنا والهدى، إلى بلاد الرافدين، وأرض الكنانة، وبادية العروبة الأصيلة، على أشرعة عبرت كل المحيطات والخلجان ومنافذ البحار، ممتطين أسراب الغمام، منشدين للحرية والوطن والأمة والحب النقي، والوعد الواعد المطل كنسمة من بردى... يرقُّ لها الهوى حين تغرِّد فيروز فوق الضفاف. ففيروز، التي لم ينسرح صوتها في صالونات أصحاب المال والسلطة، ولم يطل صوتها في بازارات المزادات الإعلامية والإعلانية طلباً لشهرة أو مال أسود، هي فيروز التي مازالت الملكة المتوّجة على قلوب الناس كل الناس، الذين عشقوا صوتها وفنّها المرفوع على أشرعة الحبّ، ولاءً وانتماءً ملتزماً حبّ الوطن والعروبة، لهذا ليس من المسموح لأي كان اختراق حياتها الخاصة، لأن خصوصياتها ملكها وحدها وهذا حقّها المشروع أخلاقياً وأدبياً ووطنياً، من هنا يتماهى السؤال: كيف يحق لصحافي مرتهن لمن يدفع أكثر في بازارات تبييض الأموال، أن يطول السيدة فيروز بما هو حقٌّ لها، هذا إن حصل ما أشار إليه، وهو حتماً كذب وافتراء؟ ثم أليس من حقّها أن تعشق سورية التي عشقتها بدورها وهذا حقّها المشروع، الموقع بحقها في الانتماء العربي القومي الذي أرادته مصيراً ومساراً؟ ثم أليس من حقّها تقدير سورية حاكماً وشعباً ونضالاً وكرامةً لم تدركها الشعوب العربية قاطبة، بل أدركتها فيروز بحسّها الـمُرهف، الذي أتقن رصد الصدق والمروءات والمواقف الوطنية السليمة والوفاء بنقاء سريرة، جعلتها لا تطعن في الظهر، من مدّ لها يد العون حين ألـمّت أزمة مرضية برفيق العمر، زوجها الموسيقار العبقري عاصي الرحباني، كما فعل غيرها ممن يدّعون الالتزام بصفة الأخلاق الحميدة وهم براء منها؟ أليست فيروز مُنحة ربانية وأيقونة طهر وُهبت لهذه الأمة، التي لم تتقن لتاريخه رسم خطواتها نحن المجد التليد؟ أليست فيروز، التي لامست مشاعرنا في الحب والهوى الوطني، طوال مسيرتها الفنية، هي التي ارتفعت بأذواقنا السمعية إلى ذرى السماوات السبع الطباق؟ أليس صوتها الذي امتد على الستة العمد في بعلبك، وعلى أفانين الزهر والقلوب في سورية العروبة، وعند تمثال خوفو وأهرامات مصر، هو الصوت الذي حملنا إلى المحطات الآمنة التي ارتحنا على ضفافها من عناء المؤامرات ووعثاء الدروب الملطخة بالخيانات وظلامية الضمائر التي استباحت ذبح الناس وتهجيرهم من ديارهم بحجة الثورة الكاذبة التي سعت إلى تحطيم أواصر القربى وصلة الرحم بين دول هذه الأمة الغارقة في السواد؟ نهاية الكلام: لم يبق أمامكم سوى السيّدة فيروز تستبيحوا محرابها الآمن المسوَّر بحبِّ سورية قيادةً وشعباً. |
|