|
مجتمع قد ساهمت جميعا في دخول المرأة الواسع في ميدان العمل والانتاج في العالم فإن هذا العمل قد طور شخصية المرأة بما وفره من حفظ لكرامتها وإنسانيتها، كما جعلها قادرة على المشاركة في صنع الحياة الاجتماعية والتفاعل معها، وأوجد لها مكانتها فيها ومكنها من الاستمتاع بها فلم تعد المرأة العاملة عموماً ذلك العنصر التابع الذي ينتظر من الآخرين تسيير أموره وإعالته إذ إن الشخصية تبنى من خلال ممارسة المسؤوليات وبالتالي فإن لنوعية هذه الممارسات وهذه المسؤوليات الأثر الكبير في بلورة الشخصية... إن عمل المرأة وما نعنيه هو العمل الذي يخرجها عن إطار الأسرة ويمكنها من التفاعل مع مجتمعها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ومن التصرف بالدخل الذي تجنيه منه والاستمتاع به بإرادتها الحرة ، إن هذا العمل قد ترك آثاراً إيجابية دافعة وأخرى محبطة تراجعية على شخصية المرأة ربى سعد: خريجة جامعية تقول: لقد عملت بعد تخرجي مدة لا بأس بها ولكن بعد زواجي وبسبب إنجاب الأولاد زادت مسؤولياتي وسيطرت عليّ حالة غريبة من الخوف والقلق من عدم قدرتي على التوفيق بين متطلبات العمل ومتطلبات الرعاية الأسرية،وإن حياتي قد أصبحت صعبة جداً خصوصاً عندما أقارن حياتي بحياة زوجي فأنا أتحمل أعباء البيت قبل الذهاب للعمل وبعد العودة منه وهكذا فإن يوم عملي طويل فأنا أول من يستيقظ وآخر من يذهب للنوم وبالمقابل فإن زوجي يخلد للاسترخاء والراحة طالما هو بالبيت ولهذا قررت ترك العمل ظناً مني أن هذا العمل هو السبب بإبعادي عن أسرتي وهو سبب أرهاقي وتعبي وتوجهت الى رعاية أسرتي وبيتي.. لكنني اليوم آسفة جداً ونادمة أشد الندم على تركي وظيفتي وأيقنت كم خسرت بتركي عملي ،أنا المتعلمة أجلس في البيت كأي ربة منزل أخرى لا يوجد في حياتي ما يميزني ولا ما يزيدني ثقة بالنفس وبأهمية تفاعلي واندماجي مع المحيط والمجتمع. أما السيدة سعاد وهي موظفة وأم لثلاثة أولاد تقول: كان زوجي مرحباً جداً بل ومشجعاً لفكرة العمل وكان سعيداً بي وبعملي،وهو مقتنع تماماً أن المرأة العاملة لها شخصيتها ووجودها المتميزين في المجتمع وإن اهتماماتها وطريقة تفكيرها تكون إيجابية أكثر بكثير من تلك المرأة التي انحصرت اهتماماتها في إطار احتياجات الأسرة المنزلية فقط ،أما الآن فهو يطالبني بترك العمل ويلح عليّ بتركه خاصة وأن ساعات عملي طويلة وطبيعة عملي صعبة ومجهدة وهذا كله كان له أثر سلبي على مجرى حياتي الأسرية غيابي الطويل عن بيتي وإرهاقي الدائم في العمل داخل البيت وخارجه كان له تأثير سلبي على حالتي النفسية والعصبية فأنا دائمة الانفعال والاجهاد والتعب. توضح المرشدة الاجتماعية كاتيا نصر لقد طبع عمل المرأة اجمالاً حياتها بالصبغة الايجابية في شخصيتها وحولها من إنسانة منفعلة الى فاعلة تسعى إلى تكوين إرادة حرة لها آمال وتطلعات وطموحات لاستخدام قدراتها التي عطلتها الكثير من المفاهيم المتوارثة عن الصفات التي تشكل سمة الأنوثة مثل الطاعة والانقياد والليونة.. الخ إن قيام المرأة بالعمل خارج إطار المنزل وسعيها للتطور ووصولها الى مختلف الأعمال والوظائف حتى التي كانت حصراً على الرجال للاعتقاد بأنها لا تصلح للمرأة لعدم قدرتها على تلك الأعمال.. كل ذلك أوجد لدى المرأة وعياً واضحاً بذاتها ومكانتها ودورها في المجتمع عموماً وفي الأسرة خصوصاً. كما خلق وضعاً جديداً في حياتها ولد لديها مجموعة من الاحتياجات والاهتمامات لتتكامل شخصيتها في كيانها المنفرد المستقل ذاتياً، لقد شكل عمل المرأة عملاً تفاعلياً هاماً في تكوين شخصية المرأة وأيضاً في تكوين الشخصية المجتمعية، فالمرأة التي كانت في رأي المجتمع لا تصلح للمبادرة والقيادة لأنها لا تملك استخدام المنطق والعقل حيث أن الطبيعة الأنثوية انفعالية وعاطفية، هذه المرأة أثبتت بتوليها القيادات في العمل أنها قادرة كالرجل على تلك القيادة عندما توضع في ظروف مماثلة وإذا لم يجعل من جنسها كأنثى مشكلة في المناخ الذي تعمل به بل كثيراً ما كانت تفوقه. رغم النظرة الخاصة لكونها أنثى، في القدرة على الانضباط في العمل والمثابرة واستعاب متطلبات ظروف العمل وإحلال المنطق محل الانفعالية ومواجهة العقبات خاصة في التوفيق بين احتياجات العمل واحتياجات الأسرة ولو على حسابها الشخصي كما برزت صفة جوهرية لدى المرأة العاملة وهي أنها في سعيها لتكوين الأسرة والالتقاء بالرجل لم تعد تهدف الى إيجاد الحماية والاعالة كما هي الحال في المرأة التي أبعدت عن العمل لسبب أو ،لآخر فالمرأة العاملة تشعر بأنها شخصية تملك استقلالها الذاتي الذي يمكنها من أن تشكل مع الرجل الذي يهمها الارتباط به أسرة تكون هي فيها المحور الذي يتكامل ويتوازن مع المحور الآخر فيها هو الرجل فهو هام في حياتها كما هي هامة في حياته. إن العمل الذي يجعل من المرأة عنصراً في وحدة مندمجة مع الغير من زملاء وزميلات ويفرض عليها نوعاً من التعاون والتنافس المثمر في إطار من الايجابية لتحقيق متطلبات العمل والانتاج. وهذا ما يخلق لديها سلوكاً جماعياً مختلفاً عن الحس الفردي الذي يطغى على حياة المرأة التي لا تعمل. وهكذا يتولد لديها منظور مختلف للمجتمع باعتبارها فرداً فاعلاِ فيه يمكنها من التكيف الاجتماعي ومن تحقيق تطلعاتها في تطويره ومن إبراز مواهبها وطاقاتها الفردية في إطار جماعي متعاون. فالعمل يخلق من المرأة العاملة إنساناً جديداً بخصائص تميزه عن المرأة التي انحصر اهتمامها في إطار احتياجات الأسرة المنزلية فقط. وهو بما يقدمه من حلول للمرأة العاملة لمشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية يعمل على بلورة الشخصية الايجابية لديها، ومن الطبيعي الربط بين مستوى المهنة والروح المعنوية للمرأة العاملة فكلما ارتفع مستوى المهنة وازدادت فيها المسؤوليات القيادية كانت الروح المعنوية لدى المرأة العاملة فيها أعلى واتضحت الشخصية المستقلة لديها أكثر وارتفع عندها حس العطاء على مستوى المجتمع، ولكن لا بد من الاعتراف بأن العمل يخلق صراعاً حقيقياً في نفسية المرأة العاملة ويبرز هذا الصراع في مظاهر مختلفة تعبر عن نفسها أحياناً بشكل حاد وواضح تدعو للعودة للبيت أحياناً أخرى بشكل خفي متستر تحت ضغط الحاجة للاستمرار في العمل. فكثيرا ما نجد أن النساء العاملات بشكل عام أقل رضا من العاملين نتيجة ما يتجاذبهن من مشاعر متناقضة تجاه دورهن كأمهات مسؤولات عن تربية الطفل ودورهن تجاه أسرهن وبين ما يتطلب العمل منهن وحاجتهن الى تحقيق طموحاتهن فيه وتطورهن واستمتاعهن به. إن هذا التناقض يخلق لديهن موقفاً نفسياً صعباً يظهر بشكل عدم رضا وقلق نفسي خاصة عندما لا تتاح لها فرص الترقي بالعمل إلا بشكل ضئيل. كما يلعب المجتمع الذي تعيش فيه سواء في أجواء العمل أو البيئة خارج العمل المحيط بها دوراً محبطاً للمرأة العاملة با يضعه في طريقها من عقبات إذ أن هذا المحيط مشبع بمفاهيم تنظر لعمل المرأة خارج المنزل على أنه تعد وتجاوز على الجنس الآخر في ميدانه ، ويمكن تلخيص الأزمات والاضطرابات التي تعاني منها المرأة العاملة في حالة الاكتئاب والشعور بالذنب فهي مشتتة بين عملها وضرورة نجاحها فيه وبين مسؤولياتها الأسرية بالاضافة الى حالة القلق والخوف من عدم تمكنها من تلبية دوافع أمومتها ورعاية أطفالها وبسبب وجودها الدائم في دائرة المتاعب تعاني من إرهاق دائم خارج البيت وداخله يجعلها ذات شخصية انفعالية عصبية. إن المرأة في المجتمع تشكل أحد جناحيه. إنها نصف موارده البشرية والتي لا يمكن أن ينهض المجتمع دونها لذا فإن وجود الشخصية الايجابية القادرة على تحمل المسؤولية وعلى العمل والعطاء واتخاذ المواقف والقرارات المناسبة لتفعيل حياة المجتمع، هو الشرط اللازم كي يتمكن المجتمع من الانطلاق في فضاء الحضارة الرحب. ومن هنا كانت تنطلق النداءات، التي عملت في أي مجتمع يريد النهوض بل التحليق على تحريض طاقاته النسائية ودفعها الى ميدان التفاعل الايجابي في حياته وتسليحها بالعلم والمعرفة والاعداد اللازمين لخوض معركة التنمية وممارستها، بمساهمتها الدؤوبة في ميدان العمل. |
|