تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الجنائية الدولية .. الكيل بالمكيال الإسرائيلي

شؤون سياسية
الثلاثاء 27-1-2009م
د. ابراهيم زعير

لم يكن مستغربا اعلان المحكمة الجنائية الدولية عدم اختصاصها بفتح تحقيق بالأحداث الدموية التي حصلت في غزة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي على امتداد ثلاثة وعشرين يوما.

فالسيد لويس مورينو أوكامبو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وكأنه يعيش خارج العالم وفي كوكب آخر لم يتمكن من متابعة مافعلته اسرائيل بأطفال غزة ونسائها وشيوخها وبحق المدنيين الأبرياء من قتل وتدمير لايمكن وصفه إلا بالإرهاب على مستوى الدولة وارتكاب مجازر جماعية بحق المدنيين وجرائم بحق الإنسانية ولم يسمع بأن الجيش الإسرائيلي استخدم أسلحة محرمة دوليا كالقنابل الفوسفورية واليورانيوم المنضب وأنواع جديدة تستخدم لأول مرة في الحروب محولة أطفال غزة وأبنائها حقل تجارب لهذه الأصناف الجديدة من الأسلحة. فالسيد أوكامبو المختص بمحاكمة مجرمي الحرب لم يتوان يوما ولا لحظة واحدة عن ملاحقة أي مشتبه به بارتكاب مثل هذه الجرائم الموصوفة شريطة أن يكون هذا المشتبه مغضوبا عليه أمريكيا واسرائيليا وأوروبيا وفي الحالات المعاكسة أي إذا كان مرتكب هذه الجرائم من حلفاء أمريكا أو اسرائيل فجميع القوانين الدولية توضع على الرف وكأنها لاتنسحب على مثل هؤلاء الأشخاص ولاسيما إذا كان المتهم شخصيات صهيونية إسرائيلية.‏

لا نلوم السيد أوكامبو فهو محكوم بسلوك حدد له سلفا من قبل أصحاب الشأن والتأثير والقرار في واشنطن وتل أبيب، فهو إذا غير حر وبالتالي لايعنيه كثيرا دماء الشعوب المستضعفة وخاصة دماء شعب فلسطين والعراق وأفغانستان وليس مستغربا أيضا على مثل هذه المحكمة المشكوك بصدقيتها أصلا وبنزاهتها وحياديتها أن تبدأ التفتيش والتقصي لإيجاد الذرائع الضرورية لمحاكمة من يدافع عن نفسه من أبناء غزة ولن نصاب بالدهشة إذاما أصدر السيد أوكامبو قرارا بإحالة أطفال غزة للمحاكمة فقط لأنهم لم يتفادوا الصواريخ الإسرائيلية والقصف الإسرائيلي التي تدافع عن أمن اسرائيل «المهدد من قبل هؤلاء الأطفال» ولإسرائيل من وجهة نظر أوكامبو كل الحق بالدفاع عن نفسها وحتى تصل إلى إيقاف ماتسميه الدوائر الغربية بالصواريخ الفلسطينية التي تطلق على المستوطنات الإسرائيلية والمستوطنين اليهود. ومنع تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة ولم ينتبه السيد أوكامبو ومحكمته الجنائية إلى 2500 طفل وامرأة فلسطينية قتلوا بدم بارد من قبل الجنود الإسرائيليين في بيوتهم ومدارسهم بما فيها مدارس الاونروا التابعة للأمم المتحدة ولم يعر الاهتمام إلى حوالي 5000 جريح فلسطيني نصفهم من الأطفال والنساء ولم يهتم أوكامبو إلى الدعوى المقدمة له من التحالف الحقوقي الدولي المكون من 320 جمعية حقوقية تدعوه فيها لمباشرة التحقيق في ارتكاب قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم ضد الإنسانية خلال عدوانها على قطاع غزة ومحاكمة قادتها. بينما اهتم كثيرا بفريق داني الفريدمان الإسرائيلي الذي شكله رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت للدفاع عن المسؤولين المدنيين والعسكريين الإسرائيليين في حال تقديم دعاوى ضدهم. ولم ينتبه جيدا إلى فعزى منع اسرائيل نشر أسماء قادة الوحدات العسكرية التي استخدمت كل ما هو محرم دوليا من أسلحة وقتل في قطاع غزة ولا إلى مغزى التحقيق الاستباقي الذي أعلنته اسرائيل مع ضباط وجنود إسرائيليين متهمين باستخدام اسلحة محرمة دوليا أملا في أن يتملص قادة اسرائيل المدنيين والعسكريين من الجرائم التي ارتكبوها في غزة ولم يسمع السيد أوكامبو بقرار منظمة العفو الدولية التي وصفت استخدام القذائف الفوسفورية في غزة بـ «جرائم حرب » بعد عثور وفدها في غزة على شظايا لهذه القذائف ومطالبتها الأمم المتحدة بإجراء تحقيق دولي في الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل وأشارت مشرفة الوفد دونيلا روفيرا إلى ذلك وفي هذا السياق صرح المقرر الخاص للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية ريتشارد فالك الذي أشار إلى أن «الأدلة على انتهاك القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني هي دامغة وتؤلف معه موضوعا لتحقيق مستقل وأن إطلاق صواريخ من غزة ليست مشابهة».‏

والسؤال لو كانت اسرائيل هي الضحية وليست الجلاد علما أنها لم تكن يوما إلا جلادا والضحية هو شعب فلسطين الآمن الذي سرق منه وطنه واغتصب بالقوة فماذا كان السيد أوكامبو ليفعل؟!!...‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية