تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


قوس الجمر!

كل أربعاء
الأربعاء 20-10-2010م
سهيل ابراهيم

جمر تحت الرماد، تنفخ فيه أفواه الأبالسة، على قوس جغرافي يزنر خواصر العرب من تخوم الشمال الإفريقي إلى مشارف الشرق الآسيوي، تتخبط فيه المصائر، وتتسابق احتمالات الانفجار،

وتتناوب عليه المكائد, تحت حراسة طواغيت العصر الطالعين على الكون ببيارق سوداء ووجوه من الفولاذ، مات في ملامحها نسغ الإنسان، لا ترى العالم إلا ملعباً للحروب والفتن، ولا تضمر له سوى الخراب، كي يستوي أباطرتها على كراسيهم بقلوب كالصوان، وأيد ملطخة بدماء الضحايا، وأقدام تغوص في أوحال الجريمة التي لم ينقطع حبلها في التاريخ البشري الحديث منذ عقود وعقود، ولم تهدأ رياحها السموم في آفاق هذه المنطقة، المنذورة لتجارب سلاحهم الأعمى!‏

من السودان إلى وادي سوات في باكستان، يزرعون حقول القمح بالألغام، ويدربون فقراء هذه البلدان على لعبة الموت المجاني، مرة حين يطلقون نفيرهم لاصطياد أشباح القاعدة، ومرة حين يتوسلون فرقاً عرقياً أو طائفياً لتقسيم الجغرافيا وتفتيت الدول، كي يسهل لخيولهم السباق في ملاعبها، لاقتناص جوائز النفط، ومناجم النحاس، وخلجان المرجان، في منطقة ابتليت ببواطنها الثرية التي يلمع في ترابها الذهب، وتتحصن فلذات الحديد، وتتكدس عناقيد الماس، وحرمت من مهارات الاكتشاف والاستثمار وتسويق سلعها المؤسسة لأي اقتصاد عالمي، وذلك بفعل تخلفها العلمي، وفقرها الصناعي، والفراغ المتحكم بأفقها الاستراتيجي، وندرة كوادرها المؤهلة لبناء قواعد اقتصادها المزدهر والمستقل!‏

كل ميزة في منطقتنا تحولت إلى صاعق انفجار في أحشائها، موقعها الاستراتيجي، وزيتها الأسود وقمحها ونخيلها وحقول المعادن في جبالها، وخلجانها المرجانية، وممراتها المائية، وطريق الحرير المتعرج في أقاليمها، وتاريخها المتوهج في شواهدها الأثرية، كل ذلك صار سبباً لشقائها بدلاً من أن يكون حاضناً لنعيمها، لأن هذه المنطقة تقاعست منذ زمن طويل عن بناء قوتها التي تصون ثغورها من الغزوات، وتحمي بلدانها من رياح المطامع التي تهب عليها من خلف المحيطات، من عالم القوة الصماء التي لا تقيم وزناً للقيمة الإنسانية خارج حدودها حينما يتعلق الأمر بمصالحها ونهمها لابتلاع خيرات الأمم، مهما سقط في طريق زحفها العسكري من ضحايا، ومهما تركت خلف ظهور جنودها من دمار!‏

في العقود القليلة الماضية أسفرت هذه القوة العمياء عن وجهها، وسلكت طريق الغزو المباشر، في أفغانستان والعراق، ودفعت بأساطيلها وطائراتها القاذفة وجنودها عبر عشرات الآلاف من الأميال، لتضع أيديها على مقدرات بلدين لهما وزنهما وثقلهما في الميزان الاقليمي للشرق الأوسط، ثم غرقت في رمالهما، وصارعت إرادات صلبة تتمخض عنها معادن الشعوب عادة حينما يلسعها جمر الظلم، وتهان في عقر دارها، وعندما صار الصراع شائكاً وكادت القوة الغاشمة تترنح، عادت لتخلي مواقعها كما يحدث اليوم في العراق، بعد أن فتكت بوطن حر مستقل، وكادت تجهز فيه على نبض التاريخ، وتحيل حقوله الخضراء إلى أضرحة!‏

الآن، وبالقوة الناعمة تمتد أصابع الامبراطورية التي لفح عقلها السياسي جنون العظمة، إلى دواخل بلدان أخرى لتوقظ فيها نمطاً أخر من عوامل الفتنة، وأسلحتها هذه المرة من نسيج شعوب مقهورة لم تلامس شعابها بعد أشعة شمس الحضارة والتقدم، فتستنفر فيها العصبيات القبلية والعرقية والطائفية، وتحرض الكل على الكل، وتستحضر مبادئ حقوق الإنسان وشرعة الأمم المتحدة لتناصر فريقاً على فريق، حين تلوح في الأفق نزعة انفصالية تهدد كيان بلد هنا وآخر هناك، كما يحدث اليوم في السودان، وكما ينضح به اليوم واقع اليمن، وكما تحتقن به أوضاع لبنان، وكما يتبين من تفاعلات الصراع في باكستان النووية الغارقة في بحور الكوارث الطبيعية!‏

القوة الناعمة، التي غرزت أصابعها في أجساد هذه البلدان قد تفعل فعل الغزو الصريح، وقد تنتشر عدواها في فضاء المنطقة ليسقط الهيكل على رؤوس الجميع، فقوس الجمر الممتد من السودان إلى باكستان تنفخ فيه اليوم أفواه الأبالسة من كل الجهات، فهل بوسع العرب أن يبادروا إلى الصحوة، لتفويت الفرصة على اغتيالهم بالجملة، أم إن الوقت قد فات، والزمام أفلت من أيدي الجميع!!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية