تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هيثم يحيى الخواجة: هجرة المبدعين العرب أضعفت تجاربهم

ملحق ثقافي
2012/9/4
حوار: عبدالناصر حسو:الكاتب والباحث المسرحي هيثم يحيى الخواجة من الأصوات الثقافية الهامة على امتداد ساحات الوطن العربي، كتب العديد من النصوص المسرحية للصغار والكبار منذ منتصف الثمانينيات،

ونشر الكثير من الأبحاث والدراسات المسرحية في سورية والإمارات العربية معتبراً أن أي إسهام للمسرح يشكل حالة ثقافية عربية، ومن بعض دراساته: معجم المسرحيات السورية المؤلفة والمعربة، إشكالية التأصيل في المسرح العربي، النص والعرض في الإمارات.. أجرينا هذا اللقاء معه إيماناً منا بأهميته الثقافية والمسرحية في الوطن العربي.‏

• هل تجذّر المسرح في الثقافة العربية وأصبح حاجة إنسانية؟‏

على الرغم من اهتمام الشريحة المثقفة بهذا الفن إلا أنه لم يصل الى حالة التجذر، وذلك يعود إلى أمرين: الأول يتعلق بالمسرحيين الذين لم يستطيعوا تجسير العلاقة بين المتلقي وبين العروض، قد يعود ذلك إلى ضعف بعض النصوص أو إلى ترهل بعض العروض أو إلى ضعف الدعم وتردي الخطط التى تنهض بالمسرح، وقد يعود أيضاً إلى غياب الديموقراطية والتوجه إلى المسرح التجاري وإهمال المسرح الجاد.‏

أما الثاني، فيتعلق بالمخترعات الحديثة التي تغلبت على المسرح في ظل عدم الدعم المؤسساتي وعدم اعتماد أساليب ناجحة للمواجهة إذ لا يكفي الإيمان بأهمية المسرح، لأن هذا الإيمان يجب أن يترجم إلى عمل حقيقي للنهوض بهذا الفن الذي ظل عبر عصور جزءاً لا يتجزأ من الحضارة.‏

أنا لا أدعو إلى الكتابة المشهدية أو كتابة الصورة، وإنما أدعو إلى خطاب مسرحي فاعل ومؤثر في الملتقى العربي، وحتى يتحقق ذلك ندعو كتاب المسرح أن يستخدموا الأسلوب الذي يقنعهم من خلال وعي حقيقي بفن الكتابة ودور المسرح، وعندها لابد أن نصل إلى الهدف المنشود.‏

المهم هو أن الطموح يدعونا إلى طلب تعميق هذا الحوار وتوسيع مداه ولعل التقصير يعود إلى أن المسرح العربي لم يصل إلى حالة التجذر في الثقافة العربية ولم يصبح حاجة إنسانية، وحتى لا يفوتنا القطار علينا أن نهتم بالمسرح المدرسي وننهض بمسرح الطفل وندعم مسرح الكبار ونرسم من أجل أن يكون هذا الفن حاضراً في ثقافتنا وحياتنا وجامعاتنا ومؤسساتنا، وهذا لن يتحقق إذا لم نجدد أدواتنا ونهتم بالتجريب ونسعى إلى مواكبة الواقع بما يتضمنه من سمات، عندها نضمن اخضرار هذا الفن وتحريك الدماء في عروقه لكي يغدو قامة في الحوار الحضاري.‏

• ما موقف المسرح من المتغيرات الجديدة التي طرأت على العالم؟‏

•• إن سرعة المتغيرات أربكت المسرح بحيث بدا من الضروري وجود خطط ذات صفات خاصة من أجل المواكبة والصمود، ولا ريب في أن بعض النصوص المسرحية تنبهت إلى أهمية الأخذ بعين الاعتبار الواقع وما فيه من تطور ونمو إلا أن هذه النصوص وهذه العروض لم تشمل جميع المؤلفين ولا العروض كلها، ذلك لأن البعض لا يزال يصر على المسرح التقليدي ناسياً أو متناسياً الواقع، وهنا لابد أن نشير إلى أن تطور المسرح العربي يحتاج إلى وجود مختبر دائم للفن والتجربة بمعناها العميق، ومن مهام هذا المختبر دفع مسيرة المسرح إلى الأمام شكلاً ومضموناً بدءاً من موضوعات النصوص الملحة وانتهاء بالإحاطة بشواغل الثقافة الجماهيرية والتوجهات الفكرية التى تعمل على إعادة صياغة وجهة العالم.‏

إن المتغيرات الضاغطة لابد أن تدفع المسرحيين لكي يعوا ضرورة الاهتمام بما يحيط بهم كي لا تتعطل آلية تقدم هذا الفن وإثبات وجوده ليحمل هويتنا ويؤثر في حركة المجتمع ووعيه وتطوره، وبناء على ما تقدم فإن على المسرحيين أن يتحركوا في فلك الشواغل التي تجعل المسرح مواكباً لما يطرأ على العالم وقريباً من الجماهير وإن قصروا في ذلك فستزداد غربة هذا المسرح وتتراجع قوته والخاسر أولاً وأخيراً هو المجتمع.‏

• الجيل الجديد أحدث قطيعة مع الجيل القديم مما أدى إلى غياب الخصوصية عن تجاربهم وبالتالي أصبح المسرح عولمياً مارأيك؟‏

يمكنني أن أوصف هذه القضية الهامة من وجهة نظر أخرى مفادها إن الجيل الجديد الذي رغب بالتجديد وتجاوز التقليدي لكي يحقق النقلة العلمية والتاريخية التي تؤسس بشكل صحيح لما يهدف إليه، إذ من الطبيعي أن يصير الجديد قديماً وأن يحل ومحله الجديد، ولكن من غير الطبيعي هو ألا يستند هذا الجديد على التقليدي الذي قام بالاستناد على قواعد، والذي كان في يوم من الأيام جديداً.‏

الذي حدث أن البعض أهمل التتابع التاريخي واندفع نحو الجديد ظاناً أنه سيقبض على الجوهر، ومادام هذا الاندفاع لا يمتلك الوعي الفني الكافي، فقد بدا الإبداع باهتاً في كثير من العروض، لقد تناسى هؤلاء بأن التجريب ليس تخريباً وإنما هو تجاوز التقليدي من أجل فضاءات فنية أكثر اخضراراً وأكثر تألقاً، كما تناسوا بأن المحافظة على هوية المسرح والعمل على المزيد من أجل تأصيله هما أهم سلاحين لمواجهة العولمة التي تسعى إلى تذويب التفرد وتغييب الخصوصية.‏

إن المسرح العربي لا يثبت أمام العولمة إلا إذا تسلح بخصوصيته وسعى إلى تعميق هذه الخصوصية عن طريق استقطاب التجارب المبدعة والخلاقة والمبتكرة التي تؤمن بالهوية والتأصيل والتجريب بمعناه العلمي والمنطقي والفني الذي يسهم بإيجابية في نقل المسرح إلى فضاءات مشرقة جديدة.‏

• هل يمكن للنقد الصحفي أن يؤثر في المسرح في ظل غياب النقد المنهجي؟‏

•• اسمح لي أن أتخذ موقفاً من الإطلاق في إبداء الرأي، إذ لا أعتقد بأن النقد المنهجي غائب تماماً في مجال المسرح فنحن لانعدم كوكبة من النقاد المهمين والمؤثرين في المسرح العربي، إن هؤلاء النقاد استطاعوا أن يؤثروا في الحراك النقدي المسرحي ومنهم من أسس لنقد حداثي يدفع مسيرة فن المسرح إلى الأمام، وخير دليل على رأي الكتب الصادرة لهؤلاء سواء أكان ذلك عن الحداثة أم عن التجريب أم عن التأصيل المسرحي أم فيما يتعلق بالدراسات التطبيقية للعروض.‏

أما ما يتعلق بالنقد الصحفي، فإنني أقترح ألا نكرس هذا المصطلح لأن الأصح في رأيي القول التغطية الصحفية. وأؤكد هنا بأن غالب التغطيات الصحفية لم تستطع أن تحفر مجرى في النقد، ولم تشكل رافداً يثري النقد الواعي المؤثر أو النقد الأكاديمي، وذلك يعود إلى أن هذه التغطيات الصحفية في جزء منها أفسدها الهوى والميل والعاطفة، وفي الجزء الآخر ظل محصوراً في سرد حكاية وفكرة النص، أما الجزء الأخير فهو لاعلاقة له بشيء مجرد ثرثرة لا طائل منها، والسؤال كيف يمكن لهذه التغطيات أن تكون مؤثرة في المشهد النقدي، وهي لا تمتلك هوية ولا تستند على أسس نقدية صلبة؟!‏

• قد يحقق عرض ما إقبالا شديداً من قبل المتفرجين في حين أنه لا يلقى الإقبال نفسه من قبل المسرحيين، ما هو التقييم لعرض ناجح يحقق المشاهدة من الجميع؟‏

•• لابد أن نشير بداءة إلى أن المتلقي لعرض مسرحي ما ينتمي إلى شرائح مختلفة، والعرض المسرحي الجيد هو الذي ينتبه إلى ذلك ويأخذ بعين الاعتبار المتلقي، وليس المقصود من وراء ذلك أن ينزل إلى مستوى المتلقي، وإنما المقصود أن يقتنع المتلقي بما يعرض عليه، وعندما يقنعه مخرج العرض يرتقي به، ولهذا فإن الكاتب المسرحي ومهندس العرض يحق لهما استخدام الأساليب التي يريدها من أجل عرض هادف ومشوق، إن العرض المسرحي فن آسر فإذا لم يستطع المخرج أن يدخل العرض بوابة الفن الآسر، فإنه سيبتعد عن المتلقي وسيكون عرضه هابطاً.‏

في بعض العروض متعة معينة تعجب شريحة من الجمهور، وقد تعتمد هذه المتعه على الآنية في التهريج، وهذه العروض تنشد إليها شريحة من المجتمع التي تحضر المسرح من أجل الترفيه والتسليه، وهذا ما يسمى (مسرح الكروش)، أما المسرح الماتع والذي لا ترفضه شرائح المجتمع بالمطلق، فهو المسرح الذي يطرح أسئلته الاستفزازية بقوة، وهو المسرح الذي يحرك المشاعر ويهز النبض ويلامس حياة الناس ومشكلاتهم وقضاياهم المجتمعية والمصيرية، لهذا نقول للمسرحي حق استخدام المذهب الذي يريد والألاعيب التي يرى إنها مفيدة شريطة أن تكون موظفة وتخدم العرض الذي يرى فيه الجمهور جزءاً من حياته أو حلمه أو طموحه وعند ذلك لا فكاك من التفاعل معه والحرص على مشاهدته.‏

• لوحظ في السنوات الأخيرة كثرة المهرجانات العربية هل تساهم هذه المهرجانات في خلق حركة مسرحية متطورة؟‏

المهرجانات المسرحية العربية ضرورية جداً ولها فوائد كثيرة من أهمها الاطلاع على التجارب المسرحية التي يصعب أن يشاهدها المسرحي في احتفالات أخرى، وإذا أضفنا إلى ذلك الحوار الثقافي الإبداعي الذي يبدأ ولا ينتهي بين ضيوف المهرجان وتعرف الفنانين والمبدعين المسرحيين إلى تجارب إبداعية جديدة وإلى الرؤى والابتكارات اللافتة ندرك مدى أهمية المهرجانات.‏

• هل ساهم المسرح العربي في حوار الثقافات وكيف؟‏

•• إن الحديث عن مساهمة المسرح العربي في حوار الثقافات يستدعي تقصي ملامح الحداثة في المسرح العربي، ولنعترف بداءة بأن هجرات المبدعين العرب أضعفت تجاربهم، لأنهم عملوا في ظروف صعبة وفي بيئة تختلف عن بيئتهم، ولئن نجحت بعض التجارب، فهي لم تستطع أن تحفر مجرى عميقاً، وبالتالي لم تشكل تياراً له سماته ومنهجيته، بينما نجد تجارب على الأرض العربية أثبتت وجودها سواء أكان ذلك على مستوى التأليف أم على مستوى الإخراج إذ لا يمكن أن نغيب تجربة سعد الله ونوس ومحمود دياب وفواز الساجر وجواد الأسدي ومحمد الماغوط، ورياض عصمت والرحابنة ويوسف إدريس ويوسف العاني وقاسم محمد وغيرهم.‏

وأجد لزاماً على الذي يتحدث عن حوار الثقافات من خلال مساهمة المسرح العربي أن يربط ذلك بالتيارات المسرحية، فقد بقي التيار التقليدي الحديث في إطار التجربة العربية ولم يستطع أن يتخطى حدود الكلاسيكية إلى حداثة غير منفصلة عن التقليدية، وأعتقد بأن مصطلح الكلاسيكية الحديثة ينطبق على توفيق الحكيم وصلاح عبدالصبور ويوسف إدريس. أما تيار تحديث التراث فهو تيار كبير اشتغل به محمود دياب، والطيب الصديقي وألفريد فرج وعادل كاظم وعبدالرحمن الشرقاوي.‏

ولا ننكر بأن جهوداً تبذل من أجل حوار الحضارات، ولاريب في أن المسرح هو من أهم الفنون الذي عكس التمازج الثقافي منذ القرن التاسع عشر حتى الآن، فالمسرح اليوم يثبت وجوده وقد يتطلع إلى المنافسة مع دول العالم، ولهذا فهو بشكله وخياراته يشكل وجهاً من وجوه المسرح في العالم، والدليل على ذلك أنه يساهم في حركة المسرح في العالم، بشكل أو بآخر، وهنالك نقاد وباحثون ودارسون أجانب يرصدون حركة تطور ونمو المسرح العربي ويتحدثون عنه، ولاريب في أن الترجمات والكتب التي صدرت عن المسرح العربي أسهمت في التلاقح الثقافي.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية