|
دراسا ت الأول: الاستقلالات العربية بعد سقوط نظام المستعمرات العالمي على أعقاب الحرب العالمية الثانية التي توقفت رحاها عام .1945. والثاني: أول تجربة وحدوية للعرب في العصر الحديث بين سورية, ومصر عام ,1958 وفشل هذه الوحدة نتيجة لضغوط العوامل الخارجية, والداخلية المعادية لها. وعليه فالحديث عن الثورة لم يعد مسألة تذاكر في حقبة من النضال العربي القومي التحرري وحسب بل يضاف الى ذلك الحماس الذي لم يفتر عند جماهير الأمة العربية في موضوع مشروعها القومي الوحدوي, التحرري المفضي الى الدولة الأمة أسوة بكافة أمم الأرض على الخارطة العالمية المعاصرة. والحال كذلك فإن ذكرى الثورة الثانية والأربعين توافي والظروف المحلية,والاقليمية, والدولية لا تؤاتي كما تتطلع جماهيرنا, وتحلم, فالعوامل الخارجية تغايرت صورتها على أخطر بكثير ما كانت عليه, ولاسيما بعد زوال القطبية الثنائية, وخلل التوازن الدولي, وتحكم قطب واحد بمصير القرار العالمي بعد أن تم إضعاف مقصود لمؤسسات الشرعية الدولية. وعلى الصعيد العربي لم يتمكن العرب من التعامل مع خطورة الموقف الدولي باللجوء الى المزيد من التقارب العربي, والتفاهم, والعمل المشترك بل صار كل قطر ينظر الى الحالة العالمية بمنظوراته الخصوصية, وكأنه ليس شريكاً لإخوته في العروبة بالوجود, والمصير, وخطورة الاستهداف للجميع من قبل أميركا, والصهيونية, وكيانها العنصري اسرائيل. وعلى ذلك بقيت سورية, حزباً, وحكومة, وشعباً تتمسك بثوابت الثورة, وتعد نفسها دوماً لوقف حالة التدهور العربي, وتحصن شعبها من سياسات الاختراق للعقل, والسيادة, والجغرافية, والخصوصية, والآن في ظل المتغيرات السريعة اليومية التي تطبع أسلوب الحياة العالمية تعطينا ثورة آذار مؤشراتها لكي نتيقن من أن ثمة ما يحرك الوجدان القومي حين يباشر العارف بتحولات الراهن, وآفاقيات المستقبل تعاطياً مع ما حدث, ويحدث في العلاقات البينية لدى الأشقاء العرب أبناء الجغرافية الواحدة, والتاريخ الواحد لا سيما حين يتدخل في أي تعاط, أو أي مقاربة تحليلية المنهج النمط الدولي الراهن من مثل تسييد روحية القطب الوحيد المهمين, أو علاقات تحالف الأقوياء, وفرض مصالحهم على الآخر الذي ليس له من حصانة سوى ما يستطيعه بقواه الذاتية في عالم غطرسة القوة الغاشمة, أو القوى المتحالفة في الواقع الدولي المتسم بخلل التوازن, وافتقاد قوة الشرعية الدولية بعد أن تم إضعاف مقصود لمؤسستي الشرعية الدولية المعروفتين. وبما هو الحال تستولد في العقل السياسي متلازمات تأخذ مشروعيتها من خطورة المشاريع التي يتقرر فيها إعادة توضيب العالم جيوبوليتكياً على نحو تتحقق معه المطامح الامبراطورية لأصحاب القوة على حساب المطامح الانسانية لأصحاب الحياة التي تبنى على قيم الكرامة الوطنية, والاستقلال والحرية, وعبر معادلة تنافر الأقصيين هذه تصبح السياسة بوصفها فن الممكن التاريخي أمام شبكة من المحتملات المعقدة. في العقل التاريخي يستلهم التاريخ بإعادة قراءة توفر الكثير من الوقت, والمعاناة, ويأخذ المحلل رؤى التفسير من سيرورة الحدث المعالج, ومن صيرورته, وبما نحن فيه, أو بما من المتوقع أن نصل إليه أفراداً في الأمة, أو أمة بمجموع أفرادها يشير الى احتمالات المزيد من مظاهر التدخل في شؤوننا الداخلية, وفي أسلوب وجودنا, ومصائرنا, ومهما بلغت بيننا فوارق التعليل والتدبير لن تكون المحصلة إلا ضرراً سيلحق بالكل, ولات زمن منجاة لأحد إذا لم نكتشف المخرج الواحد. عوداً الى الأساس يمكننا أن نقول: إن سورية لم تتواجد في القطر اللبناني الشقيق إلا بطلب من الدولة الشرعية, وتواجدت بشمولية الدور القومي الأخوي الذي ليس له إلا أن يوقف نزيف الدم, ويعيد تأهيل النفوس, والطقوس باتجاه الحفاظ على لبنان موحداً أرضاً, وشعباً, وقد قيل في ذلك الزمان, النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين المنصرم عن مطامع سورية الكثير بقصد التشويش على سلامة الموقف القومي الممارس على أرض القطر الشقيق, الى أن أتت اللحظة التي شرعنت هذا الموقف بتوافقات كاملة لبنانياً, وعربياً, ودولياً, وسار لبنان الى إغلاق ملف الحرب الأهلية, وجسر الهوة بين الأخوة في الطائف ليدخل -بكافة أطيافه- زمن العودة الى الحياة الطبيعية في الدولة, والمجتمع, والعملية الوطنية البنائية, وممارسة الدور الكامل في محيطه العربي , والدولي. وفي أي قراءة في السيرورة العربية تقفز الى الذهن القضية الجيواستراتيجة لدولة العدوان اسرائيل بما تعنى به من مجال حيوي لها يحظر القوة بمشتملاتها عند أي من الدول العربية القريبة أو البعيدة فالأمن الاسرائيلي مقدم على أي حلم عربي مهما بلغت انسانيته, ومشروعيته, والحال عليه فما إن استعاد لبنان شرطي الوجود الطبيعي, والارادة الوطنية الحرة, وصعّد مقاومته لاسرائيل من أجل تحرير أرضه بدعم من سورية, وتمكن بمتانة الموقف المشترك, والواصل الى حدود تقاسم الحياة والموت في الوجود الواحد أن يحقق هزيمة لاسرائيل شهدت له بها البشرية المحبة للحرية, والسلام. ففي ظروف الكفاح الواحد بين لبنان وسورية كان التحالف الاستراتيجي بين كافة الفرقاء المعنيين مثلاً يحتذى في الأخوة العربية, ونموذجاً يقدم أمام من اعترته بعض صور اليأس من الموقف العربي الواحد, وحين سار لبنان عبر معاهدة الأخوة والتنسيق المشترك الى غايات مهمة في الحاضر العربي والمستقبل لا بد أن نتوقع من العوامل الخارجية التي تشعر في التحول الاستراتيجي عند العرب على أنه يضيق لمناطق التطلع الاستراتيجي لها, أو حرباً غير منظورة على مصالحها في تجريف الثروة العربية, ومنع العرب من تحقيق أهم علامة في وجودهم وهي وحدتهم على أي صعيد. نعم لا بد أن نتوقع من العوامل المذكورة عدم ترك المركب العربي يسير الى شاطىء الاستقرار, والأمن, والحرية, ولا سيما أن المنطقة العربية قد تقرر لها منذ أعقاب المتغيرات الدولية في العقد الأخير من القرن الماضي أن تدرج على خارطة الشرق الأوسط الجديد, لكي توزع مربعاتها من جديد وفق مقتضيات المشروع الصهيوني في التمكين لاسرائيل بأن تكون المركز الاقليمي الأكبر, والأقوى, ولا حياة لمن سيصبحون في الكانتونات الدينية, أو الاثنية, أو القبلية إلا بالاتكاء على هذا المركز, والاعتماد عليه في توفير أسباب الوجود, والمستقبل. وبعيد احتلال العراق دخل أجواء المنطقة العربية مشروع داعم للمشروع الصهيوني وهو الشرق الأوسط الكبير وشمال افريقيا, ومن الواضح أن المشروعين ذوي الصفة التفكيكية لم يطرحا على قاعدة المقاربة التكتيكية,وبمقاصد آنية بل طرحا على أساس التحضير للمستقبل الجيوبولتيكي للقطب الوحيد المهيمن, ولدولته التي تحظى منه بالرعاية الكاملة اسرائيل. ولو نظرنا الى طبيعة الحضور العسكري, والأمني لسورية في لبنان سنرى أنها كانت جاهزة عند كل ضرورة تفترضها مصلحة لبنان, وغايات الدور الأخوي لسورية فيه أن تنفذ انتشاراً جديداً كما رسم له في اتفاقية الطائف, ولم تتوان سورية عن ممارسة علاقاتها مع لبنان على قاعدة شعب واحد في دولتين, والعلاقات السورية اللبنانية استمرت منذ الاستقلال عن الفرنسيين في 1946 حتى يوم الناس هذا محكومة بما يتفق عليه,ويتعاقد عليه بينهما,وبناء على هذه الثوابت في السياسة السورية إزاء لبنان قبل الدور الأخوي التاريخي, وأثنائه, وعلى مشارف ما يمكن أن يحصل على ضوء القرار 1559 يمكننا القول: إن التصورات التي تستهدف إضعاف لبنان بإبعاد الدعم السوري عنه, والتقليل من القوة الاقليمية لسورية بإبعاد لبنان من المسار المشترك هي جوهر في المخططات الرامية لإحداث المزيد من التقهقر العربي, وضمان حماية اسرائيل من أي تشكيل للقوة حولها. وفي الوقت الذي نستوعب فيه خطورة مثل هذه المخططات نستشرف معها أهمية الوجود, والدور السوري في لبنان وأهمية الوجود, والدور اللبناني في سورية على ضوء مقتضيات, وغايات الأخوة, والتنسيق المشترك,والمصالح القومية العليا للأمة العربية, وحين يطلب منا تحديد صورة لبنان بعد انتهاء الدور السوري الأخوي فيه لا نشعر بأي حرج لو قلنا: إن لبنان قد وضع على العتبة التاريخية الصحيحة لأن يحمل مسؤوليات أمنه, واستقراره, وتطوره ولا أعتقد أن المؤسسات اللبنانية التي بنيت ضمن منطق الخبرة المشتركة, والعقل القومي السليم سوف تعجز عن أداء أدوار سد الفراغ الذي قد يحصل في هذا الجانب أو ذاك, وبغض النظر عن طبيعة التفسيرات التي قدمت تصوراً للحالة اللبنانية بعد ختام المسعى السوري الحميد حيث منها ما قدم المشهد سلبياً, ومنها ما حاول أن يقدمه عاجزاً عن أن يحمل تبعات ما سوف يستجد, ولا بد أن يدخل لبنان أجواء الفوضى السياسية, والأمنية, وأن يدخل -من جديد- في مربع التناحرات الطائفية, والعقائدية, والتقليدية, إن هذه الآراء لا نتمنى أن تحكم الموقف اللبناني باعتبار أن الاستقرار, والأمن, والوحدة الوطنية في لبنان سينعكس ايجاباً على الداخل السوري, ونحن حين نحاول أن نقارب الموضوعية المخلصة, يمكننا أن نستذكر مقولة مرشح الرئاسة الأميركية السيناتور كيري في زيارته للمنطقة حين أشار الى ضرورة عدم التعجل في التنفيذ المزمع للقرار 1559 حتى لا تحدث فراغات ليست من مصلحة أحد. أما على صعيد سورية فلا يمكننا -أيضاً- أن نتجاهل مستجدات معينة قد لا تتحدد في المستوى الاستراتيجي لادارة الصراع مع العدو الصهيوني وحسب, بل قد تتعداها الى ما ستدفع المنطقة باتجاهه على ضوء تطابق الرؤيتين لدى الادارة الأميركية, والقيادة الاسرائىلية المتغطرسة بزعامة شارون حول مستقبل المنطقة بعد احتلال العراق. وما نجزم القول فيه بالنسبة لسورية هو أن الذات القطرية القوية في سورية لها عوامل تمتينها وتعزيزها وما يلاحظ دوماً هو أن سورية تواصل أدوارها العربية, والاقليمية , والدولية بثقة المالك لأدوات تحركه. ومهما بلغت حدة الظ¯روف المرتقبة لن تترك الخبرة السورية في التعامل مع المناهج العقلانية الأبواب مفتوحة لعنصر الوقت السلبي في زمن العطالة, بل لديها مبادراتها الناجحة خدمة لمصالحها, ومصالح أمتها العربية. أما بالنسبة لمصير العلاقة بين سورية ولبنان بعد انتهاء الدور السوري فيه فلا بد أن تكون كما هي عليه الآن لأن سورية لم يكن لها في لبنان سوى أن تدفع معه ضريبة الدم من أجل استقلاله وحريته, ولسوف يبقى هذا الموقف يحدد شكل العلاقات المنتظرة..وما يعزز الثقة بأن شيئاً ما سلبياً لن يحدث في العلاقات المنظورة هو قوة الخلفية الجغرافية, والتاريخية بين البلدين الشقيقين وما ستوفره من مصالح مشتركة متواصلة لا تسمح بالتأثر, والتأثير السلبيين فيما سيكون عليه الحال ,العلاقات المعنية في المستقبل المنظور. وقد قال الشاعر العربي: وكانت إذا احتربت يوماً وفاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها. |
|