تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


نحو صيغ جديدة....في طرائق التعليم

مجتمع
الأربعاء 9/3/2005م
لقاء: فاتن دعبول

يتسم عصرنا بالتحولات الكبيرة التي تنعكس على كل دول العالم, وفي جميع المجالات,

وخاصة المجال التربوي الذي هو الأحوج للإصلاح والتغيير,‏

والتغييربدوره يتطلب تصميم استراتيجيات مستقبلية وتعليمية تتواكب مع ما يحدث من تغيرات إضافة لإعادة النظر في ذواتنا وتفكيرنا وممارستنا لنصوغ علاقتنا مع الأشياء بصورة أكثر وضوحا وأكثر اتساعا وأشد قوة..‏

ولتسليط الضوء على أهم المستجدات على الصعيد التربوي وحاجات هذا القطاع لمسايرته النهضة التربوية العالمية كان اللقاء مع الدكتور مصطفى رجب استاذ القياس والتقويم التربوي وقد قدم دراسة لمؤتمر وزراء التربية العرب الرابع في بيروت بعنوان (الاستراتيجيات المستقبلية للتقويم التربوي لتحقيق جودة التعليم).‏

المطلوب إعادة النظر بالطرائق القديمة‏

- ما مدى توافق مناهجنا التربوية مع تطورات العصر.‏

-- إن الأفكار التربوية النمطية والطرائق القديمة المهترئة والممارسات غير الجادة لم تعد تناسب أهدافنا, ولا مجاملة في قول الحق, وربما يكون هذا الكلام مزعجا عند البعض من الذين يمارسون خبرات عفا عليها الزمن, ولكن هذا الازعاج هو الذي يوقظ مناطق تفكيرنا وخرائطنا الذهنية من خلال مساءلة تلزمنا بإعادة النظرفي ظل نهج التطوير والتحديث.‏

فالتربية الآن تقع على الجبهة الأمامية ويجلس الطالب على مقعد السائق في عملية التعلم, والسؤال الذي يطرح ذاته..ما الذي تغير? نقول ببساطة أصبح الاهتمام مركزا على عمليات التعلم فتحول التركيز من التدريس إلى التعلم وتحول النشاط التعليمي من الاستجابة السلبية للطالب إلى بناء نشط للمعنى الذي يصنعه المتعلم وهذا يعني أن مفهوم التعلم قد تغير ولم تعد نظريات التعلم التقليدية (السلوكية) تلائم التوجهات التربوية الحديثة وتواكب ما يحدث من تغيرات في عالم الألفية الثالثة..‏

- ماهي أولى حاجاتنا في العملية التربوية?‏

-- نحن بحاجة ماسة لمخاطبة نظريات التعلم الذهنية والبنائية الاجتماعية ونظريات الذكاءات المتعددة وكفايات الذكاء الانفعالي والتطورات الحادثة في أبحاث الدماغ ومضامينها على التعلم والتدريس والتقويم,أما بالنسبة للمعلم النمطي الخجول ينبغي إعادة ثقافة مهنة التدريس لديه بحيث يكون له القدرة على متابعة التطورات الحادثة في استراتيجيات التعلم والتدريس والتقويم..‏

صيغ جديدة‏

- ما دور المعلم?‏

-- لم يعد للمعلم هذا الدور المهيمن في تلقين المعرفة للطالب واستنساخ خزائنها, بل ينبغي أن يتعلم كيف يتعلم فالمعلم والطالب هما متعلمان,هذا يعني أننا الآن أمام صيغ جديدة في التعلم والتدريس والتقويم, هذه الصيغ الجديدة هي ثورة في التحول إلى ثقافة التعلم الجديدة وتعزيز جودتها وتوجيه ثقافة التقويم نحو ثقافة التفكير.‏

- كيف تقيم طريقة الاختبارات?‏

-- إن ثقافة الاختبارات التقليدية والنوعية الضحلة من الأسئلة جعلت الطلاب لايمتلكون رصيدا حقيقيا من مهارات التفكير المرنة والعقلانية وخاصة عندما يواجهون العالم الواقعي خارج المؤسسة, عندها سيواجهون مشكلات تتطلب إجابات لاتعتمد على تعلم صمي أو ذاكرة ضيقة.‏

فثقافة الاختبارات التقليدية على الرغم من سيادتها أو سيطرتها خلال العقود من السنوات الماضية لم تعد تلبي طموحات المجتمعات التربوية, ولاسيما الاختبارات الموضوعية التي تضيق المنهج والفكر وتقيس مهارات منفصلة غير مترابطة في وقت نحن نبحث عن تكامل الشخصية.. هذه الاختبارات منذ بداية التسعينيات قد خف بريقها بفعل ثقافة التقويم الجديدة التي تؤكد على تكامل عمليات التعلم والتدريس والتقويم والتركيز على مهارات التفكير الناقد والإبداعي وحل المشكلات والنتاجات التعليمية عالية المستوى..‏

الجودة في التعلم‏

- ما أهم أسس ثقافة التقويم التربوي?‏

-- تعتمد ثقافة التقويم التربوي على الأداء والأداء الموثق سعيا إلى تحقيق الجودة في التعلم, ونعني بالجودة التغيير الجوهري في المنظومة التربوية ككل وليس التعديل أو الترقيع هنا وهناك فالمجتمع التربوي يجب أن يغير كليا طرائق تفكيره والتأمل بذاته كما ينبغي, وعلى التعليم أن يعاد تصحيحه, وبمعنى آخر إن الهدف من التربية هو تمكين الأفراد من أن يتعلموا كيف يستثمرون أنفسهم وكيف يصنعون عقولهم والتخلي عن ثقافة الذاكرة واستنساخها وأن يتعلموا كيف يحلوا مشكلاتهم بوسائل تتجاوز الاختبارات الموضوعية.‏

- كيف تقيم تجارب الدول الأخرى من خلال مشاركتك للعديد من المؤتمرات?‏

-- منذ بداية التسعينيات أخذت معظم الدول المتقدمة والعديد من الدول النامية تغير فلسفتها التربوية وطرائقها ومناهجها, وأصبح التعلم للجميع يتطلب رؤية جديدة من المجتمع, فاتجهت هذه الدول إلى تبني نظم تربوية جديدة بدلا من النظم التي كانت سائدة سابقا, مثلا اتجهت نحو تبني نظام المعايير في التعلم (والتي هي معايير الجودةفي التعليم والتي تعرف ب¯ (Slander) كما أصبحت المساءلة التربوية والتقويم الواقعي القائم على الأداء للتوجه نحو جودة التعليم هدفا رئيسا, وهذا يعني أن التدريب على مفاهيم الجودة وصناعة التفكير في المنهج عنصران مهمان في التغيير الثقافي المطلوب, وإذا لم تستطع المؤسسات التربوية أن تواكب مايحدث من تغيرات وتطورات وأن توفر تعلما يمتاز بالجودة العالية, فلن تجد لها مكانا تقف عليه وتستند إليه..‏

فالتغيير أصبح الآن متواصلا ومتسارعا وأصبحت المعرفة العامل الوحيد للإنتاج تقف جنبا إلى جنب مع رأس المال والعمل وهذا يعني أن تغيير الهيكل التنظيمي للتربية وتغيير الأشخاص وتغيير العناوين لايصنع تغييرا في التعليم وإن التغيير الحقيقي المطلوب لمواكبة عصر المعلوماتية وثورة المعرفة هو تغيير في الممارسات والتشريعات القانونية التي تلزم المؤسسات التربوية بعملية التغيير والتجديد في التعلم..‏

وهذا يعني أننا نريد تربية مولدة للمعرفة ومبدعة تساعد على تسهيل عمليات التغيير والإنماء.‏

- كيف تصف التجربة التربوية السورية?‏

-- بدأت وزارة التربية في سورية في التوجه نحو تبني نظام معايير التعلم في مناهجها وهي خطوة على الطريق الصحيح, وإن جاءت متأخرة وأعتقد أنه يجب أن يرافقها مساءلة تربوية واضحة المعالم وأن يواكبها أيضا إجراء تقويم داخلي وخارجي لمؤسساتها المدرسية ولكي نوفر اتساقا مع الخريجين من التعليم الجامعي فنحن الآن بحاجة ماسة إلى تقويم البرامج في الكليات الجامعية وإجراء تعديلات جوهرية فيها ولاسيما أن هذه البرامج والمناهج من مصنع القرن التاسع عشر لتطبيقات القرن العشرين..‏

وكم أتمنى أن يواكب التغيير الحادث في وزارة التربية إصلاحات وتغييرات كبيرة في كليات التربية ولاسيما في التقويم التربوي ونظريات التعلم, كإدخال نظريات الذكاءات المتعددة والذكاء الانفعالي ومضامين أبحاث الدماغ على التعلم والتقويم وتنمية الذاكرة وإدخال مقررات دراسية في استراتيجيات التقويم التكويني والتقويم القائم على الأداء (الحقيقي) وملف انجازات الطلبة, حيث أن العديد من الدول المتقدمة حتى النامية أدخلت هذه الموضوعات كمقررات تربوية إلزامية في برامج إعداد المعلم..‏

- ما دور الطالب?‏

-- فيما يتعلق بالطالب يجب أن يكون نشطا, ناقدا, يشارك مع أولياء الأمور في عمليات التعلم والتقويم وهنا يجب ألا ننسى أن نؤكد على الثقافة التي تعتمد على الذات وصنع المعنى وتأكيد تقدير الذات, والمتعلم المنظم ذاتيا بدلا من الاعتماد على ثقافة الآخرين..‏

أما بالنسبة للاستراتيجيات الأخرى للتقويم فيجب أن توجه نحو تطوير الاختبارات الوطنية التي تعتبر رديفا للامتحانات الرسمية السائدة في المدارس , كما ينبغي الاستفادة من المشاركة في مسوحات المقارنات الدولية للتحصيل لكي نتعلم من غنى خبراتها ما يساعدنا على تطوير الاختبارات لدينا وتنمية النتاجات الذهنية لطلبتنا..إن الانحدار الهائل في مستويات التحصيل للطلبة من خلال مشاركة الدول العربية في المسوحات المقارنة الدولية في الرياضيات والعلوم والذي أثبت أن مستوى الأقطار العربية هي الأضعف في العالم إذا لم نقل أنها تقع آخر القائمة بالنسبة للمستويات الدولية, يدل على أننا بحاجة ماسة إلى إعادة تصميم برامجنا ومناهجنا والالتزام بخطى التطوير والتحديث من خلال برامج وطنية واضحة ومحددة.. وأعتقد جازما أنه دون مساءلة تربوية واضحة ومحددة لن يحدث تطوير أو تحديث أو نمو في عملية التعليم, ولأن العديد من مبادرات الإصلاح التربوية في دول العالم أكدت على هذه المساءلة في عمليات التغيير..‏

نظرة خاصة‏

- ما رأيك بنوعية الاختبارات بشكل عام?‏

-- نظرة فاحصة متأنية على امتحاناتنا في التعليم العام والتعليم الجامعي نجد أنها لاتزال تؤكد على سيطرة المعرفة النصية ولاسيما في التعليم الجامعي, فالأسئلة مليئة بكلمات مثل (تحدث, تكلم, ناقش, اكتب ما تعرفه عن..) وكلها أفعال لامعنى لها ولاقيمة لها ولايفهمها حتى واضع الأسئلة.. وأعتقد أن الحل يكمن في التطوير المهني للمعلمين وأساتذة الجامعة على طرائق التعلم والتدريب والتقويم وإلزامهم على تغيير طرائقهم القديمة من أجل التركيز على التقويم من أجل التعلم, وكي يتعلم المعلمون بفاعلية ,هم بحاجة ليكونوا قادرين على التأمل بتعلمهم وأن يتمثلوا معرفة جديدة, فالتغيير في الصف المدرسي يتضمن أكثر من اكتساب معارف ومهارات جديدة, إنه يعني بشكل أساسي تغييرا في الاتجاهات والمعارف والقيم لكي يعيدوا ابناء مدخل شخصي للتدريس..‏

وعلى صعيد المجتمع المحلي ينبغي أن يكون مشاركا وفاعلا في عملية التغيير,وهذا يتطلب رؤية جديدة لمشاركة هذا المجتمع في نشاطات التعلم والتقويم في المؤسسات المدرسية‏

مهارات الاتصال‏

-- ويؤكد د. رجب في ختام اللقاء على أن سياسات الألفية الثالثة ومنهج ما بعد الحداثة ليست فقط القراءة والكتابة والحساب, بل أنها تتضمن مهارات الاتصال والتفكير الإبداعي والناقد وحل المشكلات..‏

وعليه فإن التوجه نحو بناء ثقافة التفكير وإرساء ثقافة الجودة في التعليم يتطلب توليد معرفة جديدة منتجة وليس مجرد استنساخها أو فرضها وذلك لتظل هذه المعرفة في حالة من التوارد الخصيب والمستمر, ومن الطبيعي أن يتطلب ذلك عقلية جديدة من المربين, منفتحة, مرنة, تساعد على صنع قرارات سليمة, كما يتطلب منظومة تعليمية جديدة, وهذا يعني أن يكون كل مرب معلما للتفكير في بيئة صفية تفكيرية مستلهما دربه من ثقافة الأصالة والمعاصرة, وبعبارة أخرى إن تنمية مهارة التفكير لدى المتعلم والمربي سواء كان معلما أو أستاذا جامعيا أو مديرا أو موجهافهو جواز المرور نحو المستقبل..‏

كلمة أخيرة..‏

أتمنى أن تشترك قلوبنا وعقولنا في عمليات التغيير وأن يكون شعارنا هو الالتزام بجودة العمل..‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية