|
متابعات سياسية فالأوطان لا يمكن أن تتحرر أو تستقر أو تعيش بكرامة أو يصان ترابها وحدودها إلا من خلال استعداد أبنائها للتضحية بالنفس وإقدام البعض منهم على فعل الاستشهاد حين يناديهم الواجب، ومن دلائل عظمة الشهداء أنهم قُرنوا بالأنبياء والرسل كي يعرف الناس مقامهم وموقعهم وتترسخ مكانتهم في وجدان وذاكرة الأجيال المتلاحقة..! فمن خلال إيمانه الراسخ بتراب وطنه وأرضه وحبه اللامتناهي لشعبه وأمته، يختصر الشهيد تلك المسافة الفاصلة بين الحياة والموت بأيسر السبل لبلوغ غايته الشريفة والنبيلة، مقدماً أبهى صور السخاء والجود والإيثار والتضحية بالنفس كي يحيا وطنه وشعبه بأمن وسلام، ولذلك كان وصف الشهداء بـ»أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر» في فلسفة وأدبيات القائد الخالد حافظ الأسد في غاية الصدق والشفافية، وبما يعبر عن معنى الشهادة وقيمها الأصيلة. فالشهداء هم الذين يكتبون بتضحياتهم قصة الانتصار والاستقلال والسيادة، ويسطرون بدمائهم الذكية وأفعالهم الأسطورية التاريخ المجيد للأمم والشعوب، وهذه هي حال شهدائنا الأبطال على مر العصور، وتاريخ سورية الحديث يعبق بقصص وحكايات وملاحم رائعة لهؤلاء العظام، بدأت في السادس من أيار قبل مئة عام وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا. ففي مواجهة جبروت وطغيان وقمع واستبداد وبشاعة العثمانيين وحقدهم سطرت كوكبة من أبناء سورية الأماجد ونخبة من رجالات الفكر والأدب والنضال من أجل الحرية والاستقلال صفحة من صفحات المجد والبطولة في إحدى ساحات دمشق، فلم يعبؤوا بمشانق وهمجية جمال باشا ـ سفاح تركيا وطاغيتها في ذلك الحين ـ ولا بجلاديه، بل تقدموا إلى حتوفهم بقامات منتصبة وهامات مرفوعة وجباه مكللة بالغار والعنفوان والكبرياء وهم يهتفون لحرية وطنهم وشعبهم. ثم أكملت قوافل الشهداء مسيرتها الواثقة نحو الحرية والمجد والانتصار في مواجهة الاستعمار الفرنسي الحاقد ومشاريعه العدوانية التقسيمية ، فشهدت منطقة ميسلون عند بوابات دمشق الغربية فصلاً رائعاً من معارك الشرف والكرامة حين واجه البطل يوسف العظمة وزير الحربية آنذاك والمئات من متطوعي الجيش العربي السوري المزودين بأسلحة تقليدية وعتاد بسيط جيش فرنسا الجرار وآلتها الحربية المتطورة، وآثروا القتال حتى آخر رصاصة في بنادقهم رافضين أن يمرّ الغزاة دون قتال أو تدنس أرض الوطن دون دماء وتضحيات، ولم يهنأ الغزاة الفرنسيون بعدها على أرض سورية بفعل ثورات أبنائها المتلاحقة وقوافل الشهداء الطويلة، ليكون مصير الفرنسيين كمصير أسلافهم العثمانيين حيث اُرغموا على التقهقر والجلاء دون قيد أو شرط بعد 26 عاماً فقط من الاحتلال وهذا يعكس شراسة المعركة وبسالة السوريين. وخلال حرب فلسطين «حرب الإنقاذ» قدمت سورية قوافل جديدة من الشهداء في مواجهة العصابات الصهيونية التي استقدمها الغرب الاستعماري إلى منطقتنا لإنشاء كيان الإرهاب الإسرائيلي، حيث روى آلاف السوريين في جيش الانقاذ تراب فلسطين بدمائهم الطاهرة، كما قدم بواسل الجيش العربي السوري قوافل أخرى من الشهداء ـ ولا يزالون ـ في مواجهة هذا المشروع الصهيوني الذي يستهدف المنطقة على امتداد ساحات المواجهة سواء في مصر أو لبنان أو الجولان العربي السوري. واليوم كما الأمس يواصل بواسل قواتنا المسلحة وأبناء الجيش العربي السوري من جديد ترسيخ قيم الشهادة والبطولة والتضحية، ويكررون ملاحم ومآثر آبائهم وأجدادهم العظام، من خلال تصديهم البطولي والمشرف وانتصاراتهم الرائعة والمتلاحقة في مواجهة شراذم التكفير والإرهاب والقتل والتخريب المستأجرة والممولة والمدعومة من قبل قوى الاستعمار الغربي والعثماني والصهيوني وبعض أذنابها وأدواتها في المنطقة من أعراب الخليج والنفط، ممن يحاولون لي ذراع سورية والنيل من وحدتها واستقلالها واستقرارها وأمن واستقرار مواطنيها، ومصادرة قرارها ودورها وموقعها الوطني والقومي، مسطرين بذلك أروع صفحات البطولة والاستشهاد في الذود عن حياض وطنهم وشعبهم، فبوركت تضحياتهم العظيمة في عيد الشهداء، وتقدست أفعالهم الخالدة في هذه المناسبة الغالية، وتكللت جهودهم بالنصر والسؤدد. |
|