|
مجتمع وبدل أن يتدلّوا كما (الثريا) على أعواد مشانق جمال باشا السفّاح، هم الآن - ربّما - كانوا في ساح الوغى أجساداً جزّت أعناقها، وفصلت عنها الرؤوس، وتقطعت أوصالها بسيوف أذناب آل سعود، ولكن رغم ذلك لا تزال جذوة أيار تتوقد بين رميم عظامهم، وتتوهج لتنقل حرارة الحياة من غصن إلى آخر ينتفض بطاقتها الكامنة، ويشتعل فجأة كما لو استلم للتوّ منها الراية، مضيئاً من ذات - الجذوة -إيّاها الزمان الحاضر والمستقبل، تحت اسم وعنوان آخر، وقصة شهادة بل ملحمة شهادة معاصرة جديدة. نعم.. إنَّه مشعل الشهادة الذي لا ينطفئ في قاسيون، الذي كان في تشرين من بعد أيار جهنّماً على العدو، وبرداً وسلاماً على أجيال (القادمين) وأمام الصرح العتيد نقرأ بأفعالهم أنهم (أحياء عند ربّهم يرزقون). فمن ينسى مشهد ذاك الجريح الذي دفع بسرير المرأة التي تئنُّ ألماً من مخاضٍ عسير، إلى غرفة العمليات بدلاً عنه، وفي اللحظة التي أسلمَ فيها الروح بالخارج، صدحت صرخة الحياة عن المولود للتوّ في الداخل، لتمنحه الأم التي وضعتهُ بأمضِّ الآلام، اسم ذلك الشهيد الذي آثرها وجنينها على نفسه، وراحت تهيئ صغيرها الذي استلم منه جذوة (الحياة) الحرّة الكريمة، لشهادة أخرى مع قوافل (القادمين) لتحرير ذات الأرض التي مرّت عليها جحافل بيزنطة والمغول، وجيوش الصليبيين، والأتراك والفرنسيين، وغيرهم من غزاة راحلين، قادمين، دفعوا في صخور هذه الأرض ثمناً باهظاً، فما يزال هذا التراب يُنبِتُ من طهر دماء المتشبثين فيه التين والزيتون، ومن جذور ما أقسم به الإله منذ آلاف آلاف السنين، تندّ صرخة - (لن تمرّوا) - لتبقى شجرة الزيتون في بلادي، كما هي في فلسطين شامخة تعلّمنا حب الوطن، وكما المحارب القديم تتلألأ أوسمتها كالنجوم لذّة للناظرين. نعم قد تكون الحرب شوهت قوامها، والأزمة شقّت لحاءها، والرصاص اخترق صدرها، وانهمرت أوراقها كالدموع فوق جثامين الشهداء الذين نافحوا عنها، أما جذورها فبقيت متشبثة بالأرض (مثل شجرة البطم التي وصفها بذات الوصف فارس زرزور في تل (العزيزيات) عام 1948. هي رغم ما مرّ عليها من محن وخطوب ورزايا، تنهض شامخة تريد أن تحتفظ بالتراب الذي تحيا وتعيش فيه. وأجمل من هذا وذاك أن تحرص على أن تقدم - وقيدها - المتمثل في (جذوة أيار) لكل محارب صنديد أراد أن يستريح تحت رمضائها، لينهض عند الفجر بالنار المقدسة عند جذور التين والزيتون وطور سنين.. ويعيد هذا البلد الأمين... |
|