|
مجتمع في عيد الشهداء تتزاحم الشجون وتنتشي الآمال والأحلام التي يحاول أعداء الوطن الذين لم يختلفوا عن الماضي في شيء، إلا في تلك الأقنعة التي يتخفون خلفها اغتيالها ودفنها في داخلنا وذاكرتنا إلى الأبد. في عيد الشهداء يستحضر السوريون كل معاني البطولة والإباء التي لم تنقطع يوما عن ذاكرتهم و وجدانهم وصيرورة حياتهم، ويستحضرون معها إصرارهم على المضي قدما في طريق المواجهة حتى تحقيق الانتصار على تلك الوحوش والذئاب التي تكالبت عليهم من كل بقاع وأصقاع الأرض لالتهامهم والتهام ذاكرتهم التي لاتزال تزخر بالانتصارات العظيمة التي تفوح منها رائحة الشموخ والكبرياء والزيتون الذي يرفض الانحناء والبكاء. في استحضار الشهيد تمطرنا المعاني النبيلة التي خطها بدمائه الزكية والتي أضحت ثقافة وعقيدة كل سوري يحب وطنه ويعشقه ويبذل في سبيله الغالي والنفيس ، وهذا كان ولا يزال احد أسباب الصمود الأسطوري للشعب السوري أمام هذا السيل الجارف من الإرهاب القادم من الشقيق قبل العدو. في عيد الشهداء سيعترف أيار أنه لم يعد الشهر الوحيد الذي يستذكر فيه السوريون تضحياتهم وانتصاراتهم، فقد أضحت جميع شهورهم أعياداً مجيدة ومحطات وضاءة لاستحضار شهدائهم الذين زينوا وعطروا بحضورهم كل بيت سوري، وغدت كل أيامهم ولحظاتهم ذكريات خالدة في أسفار وصفحات الوطن والتاريخ التي خطها شهداؤهم بحروف من نور وألم و وجع. بعد كل تلك العقود الطويلة يؤكد الشعب السوري مجدداً أن فجر الشهيد لم يغب يوماً عن سماء الوطن وقلبه وقبلته، فهو الحاضر الذي لا يغيب مهما اختلف الأزمنة وتبدلت المعادلات واجتاحتنا الخطوب والمتغيرات والثقافات المسمومة من كل حدب وصوب ، ذلك أن بوصلة الشهيد ثابتة باقية لا تخطئ وجهتها ولاتحيد عن مقصدها. سيكون لأيار هذا العام طعم جديد عند السوريين لأنه سيرسم طريقهم نحو الانتصار الأكبر على أعدائهم الذين بدؤوا يتساقطون الواحد تلو الأخر تحت صمودهم و إرادتهم وعزيمتهم وتضحياتهم التي تجاوزت حدود المستحيل. في أيار الشهادة تلتقي التضحيات وتجتمع دماء شهداء الأمس مع دماء شهداء اليوم على مائدة عز الوطن وشموخه لتعكس حال السوريين وأحوالهم، ولترسم معها يقين الانتصار الذي سيعيد للسوريين كل أحلامهم وطموحاتهم الضائعة والمهاجرة التي ستحكي حكاية شعب عظيم يدافع عن أرضه بدماء أبناءه وأرواحهم التي ستعزف بدورها معزوفة الوطن الشامخ الذي لم ينحن أو يركع إلا لله وحده مهما اشتدت المحن والخطوب ومهما تكالب عليها الوحوش والقتلة. سيعيد السوريون وهم يحتفلون بشهداء الوطن تذكير كل من خانته ذاكرته وكل من باع ضميره ووطنيته وعروبته بعَرض من الدنيا ، أنهم أصحاب هذه الأرض المتجذرون فيها على امتداد الوجود الإنساني، وأنهم لن يخونوها أو يبيعوها أو يضيعوها مهما تكاثر الأعداء ومهما تعاظم الوجع والألم ومهما طال النزف الذي يرسم كل لحظة حكايات التضحية والفداء والعطاء الحقيقي الذي تنحني له الهامات وتذوب في وصفه كل الحروف والكلمات. |
|