|
معاً على الطريق وأما الطفل حسن فقد نام ولم يحفظ دروسه وعندما أرادت والدته أن تعاقبه أقسمت جدته العجوز بأن تتركه نائماً - فالصباح رباح – غير أن أبو أحمد كان يقرأ شعر الشريف الرضي لأحفاده كي يهدؤوا عندما سمع إطلاق نار قريب . . بسمل الشيخ ونهض باتجاه الباب ولكن الباب انفتح بقوة ولم يعد الشيخ يتذكر شيئاً عند تلك التفاصيل الصغيرة لقرية وادعة بين كرومها انتهت الحكاية القديمة , وبدأت حكاية جديدة تشبه أفلام هوليود المرعبة أو هي فيلم دموي من الغرب الأميركي . . أطفال يذبحون على الوسائد . . وشيوخ يضيعون في البراري .. نساء يصبحن شجرات مقطوعة في غابة مليئة بالوحوش . . بيوت تنام على ركامها وأمهات يودعن عتبات الروح والحياة . . بشر كقطعان يساقون إلى المجزرة . المجزرة يقظة كل ليلة والعالم المتحضر نائم. المجزرة تتحرك كبلدوزر يجرف أمامه الشجر والبشر والحجر والعالم المتحضر أصمّ لا يسمع صوت البلدوزر . . دماء تروي الأسّرة . . دماء تروي الأبواب . . والأبواب تبكي على أهلها . . النوافذ تقف شاهدة لكنها تخاف الصراخ . . الصراخ يفجّ فضاء القرية ولكن للأسف الصوت لا يصل إلى السماء . . لا أعرف لماذا لم يصل صوت السوريين إلى السماء بعد ؟ هي ليست المجزرة الأولى لقرية اشتبرق وهي ليست -الذبح الأول لأهلها الطيبين -. . فقد مرّ الطغاة العثمانيون ذات زمن غاشم وذبحوا أهل القرية . . لم يرحموا حتى الأجنة في بطون الأمهات . . غير أن العثماني جاء من جديد . . في بداية الأزمة حاملاً سكاكينه ووحشيته , يرافقه بعض المتخلفين والجاهلين بتاريخ أمتهم وبتاريخ العثمانيين وأعادوا سيرة الذبح الأول عندما ذبحوا الأرمن والعلويين والأكراد وطوائف أخرى خلقها الله على هذه الأرض لتزين الأرض وتبني الوطن. نعم عاد العثماني وغافل القرية الوادعة وذبحها مرة أخرى .. وكأنه لم يرتو بعد من دم أبنائها فما زال عطشاً منذ عشرات السنين لدمها فكم هو خائف من دمها, من شيوخها, من أطفالها وأشجارها ونسائها. كم هو خائف من حجارتها, وترابها وبساتينها. لله درك يا اشتبرق أعادتنا مجزرة اشتبرق إلى مجزرة جسر الشغور الأولى حيث تمّ قتل أكثر من مئتي عنصر أمني وعسكري في الجسر, ما زلنا نسمع أصواتهم ونشمّ رائحة صبرهم وصمودهم.. ما زالت المجزرة بكل تفاصيلها تمر أمام أعييننا وكأنها تحدث الآن . . وكأن العاصي لم تغسله مياه الشتويات التي مرّت , فهو مازال أحمر قانياً.. وما زالت ضفافه تتلون بالأرجوان .. وما زال الأرجوان يصبغ حتى حقول القمح والخضار والزيتون. واليوم هو النهر ذاته يتلقف دماء أهل اشتبرق فحاذروا أيها الطغاة أن تشربوا من مياه العاصي ,ستتحول مياهه في بطونكم إلى حجارة وإن اغتسلتم بمائه فسيتحول الماء إلى حجارة من سجيل . ستفجّ ذاكرتكم .. وستعلق في حلوقكم .. وستموتون في غيظكم .. إن دم أبناء وطني لن يذهب هدراً ولن يذهب شهداء اشتبرق إلى النسيان.. وعلينا أن نتذكر كل شهيد بالاسم وكل أم بالاسم وكل طفل بالشوق علينا أن نتذكر لأن الأمم التي تنسى يضيع حقها لقد ولىّ زمن النسيان وولى زمن الصمت في عالم أخرس متوحش لأن المثل العربي يقول ( إذا لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب) لله درك يا تراب الوطن كم شربت من دماء أبنائك وكم ستشرب بعد. ؟ لقد آن الأوان ليعيد الشعب السوري حساباته ويفكك المصطلحات المستوردة التي دخلت عنوة تحت شعارات زائفة وكاذبة . . فما قيمة كل الشعارات والمصطلحات أمام نهر الدم الذي يجري . . حان الوقت لنسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية لأن الرجعية العربية مصممة على ذبحنا , ولأن الغرب الاستعماري الكاذب لا يعنيه سوى بيع أسلحته ونفاياته للعربان الخونة . وأما مجلس الأمن فهو مجلس اللصوص والسراق وقطاع الطرق . . وهو ليس أكثر من لوحة مضاءة خلفها وحوش الغرب الذين ينامون ملء جفونهم بينما نحن يذبح بعضنا بعضا . . متى نفيق من غفلتنا ونخلع ثوب الجهل عن عقولنا . . هل نحتاج إلى كواكبي آخر حتى يوقظ أمتنا ؟ ألا طوبى للشرفاء والشهداء . . طوبى لأهلنا في اشتبرق والمجد للصابرين على الألم . |
|