تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جون افريك ...في تقرير البنتاغون .. هل الصين قوة حقيقية أم فزاعة?

دراسات
الاحد 14/8/2005م
بقلم: يي شين.. ترجمة :دلال ابراهيم

قبل عشرة أشهر تماماً, صرح كولف باول في بكين,وكان حينها لا يزال يشغل منصب وزير الخارجية, أن العلاقات الصينية- الأميركية

ما زالت في أوجها منذ زيارة الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الصين في العام .1972 أما الآن فإن النبرة الأمريكية قد تغيرت.‏‏

إذ ومنذ إعادة انتخاب الرئيس الحالي جورج بوش رئيساً للبيت الأبيض ,تهدد العديد من الملفات -الحامية- بحرق أصابع الدبلوماسيين,فمن جهتها تحتج الصين ,بشكل خاص, على مبدأ توزيع حصص الواردات النسيجية القادمة, هذا التوزيع الذي أعادت تنظيمه واشنطن من جانب واحد, في انتهاك صارخ لأحكام منظمة التجارة العالمية.والذي ألغته في شهر كانون الثاني المنصرم.‏‏

أما الولايات المتحدة فتتهم الصين بتعمدها تخفيض قيمة عملتها من أجل تشجيع صادراتها.‏‏

والأخطر من هذا وذاك, تصريح الجنرال الصيني زهو شينهو مؤخراً إلى صحفي من هونغ كونغ, إن الصين لن تتردد يوماً في استخدام السلاح النووي في حال تدخلت الولايات المتحدة عسكرياً ضد محاولة استعادة الوحدة مع تايوان.‏‏

وفي سياق هذا المناخ المتوتر,جاء نشر التقرير السنوي للبنتاغون في 19 تموز المنصرم حول -حالة السلاح الصيني- متأخراً عن نشره المعتاد أربعة أشهر, ويعود السبب إلى مراجعته والتحقق منه وتصحيحه لعدة مرات.‏‏

والخلاصة التي انتهى إليها التقرير ,ولاقت تأييد معظم الخبراء الأميركيين,وحملت في سطورها إنذارات خطر, أثارت في الصين, موجة احتجاجات وغضب المختصين,الذين استنكروا هذه -الأرقام التي لا أساس لها- الواردة في التقرير,و-التهديد الوهمي-.‏‏

ولا يرجع القلق والخوف الأميركي من تطور الصين الاقتصادي والعسكري إلى الأمس القريب, ففي عام ,2000صوت الكونغرس الأميركي على قانون يطالب وزارة الدفاع الأميركية بإصدار تقرير سنوي يتضمن تحليل مقدرات الصين واستراتيجيتها العسكرية..وفي حين أثارت كافة التقارير الصادرة سابقاً جدلاً عنيفاً بين واشنطن وبكين ,فإن التقرير الصادر هذا العام استخدمت فيه واشنطن اسلوباً غير مألوف, ففي الواقع رفض الرئيس جورج بوش ,والذي يفترض مصادقته على التقرير قبل رفعه إلى الكونغرس,التصديق عليه مرات عديدة خشية منه أن يؤدي هذا التقرير إلى زيادة تسميم العلاقات المتوترة بين البلدين, وفي وقت يحتاج فيه البيت الأبيض إلى مساعي بكين من أجل إرغام كوريا الشمالية على العودة إلى طاولة المفاوضات حول ملفها النووي,في وقت -كذلك- تتودد فيه بورصة وول ستريت إلى الصين ,من أجل بيعها سندات أميركية .‏‏

ولكن يبدو ظاهرياً أن -التلطيف- الذي غلف به مستشارو الرئيس بوش التقرير,لم يكن كافياً لتلطيف الأزمة.‏‏

وقد استقبلت الأوساط المطلعة في بكين هذا التقرير, دون إبداء أي دهشة أو مفاجأة به. ووصفوه بأنه- معادٍ للصين-.ووقع لومهم, بشكل خاص على أحد المعدين الأساسيين لهذا التقرير,وهو مايك بيلسبوري, المختص بالشؤون الصينية ,وأحد اساتذة الجامعات المعروف بتقربه من- صقور البنتاغون- ,والمستشار الذي يلقى آذاناً صاغية لدى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.ومن وجهة نظر هذا المستشار بشؤون الصين وتاريخها..والذي لم يتردد في ذكر تاريخها الأدبي المعروف والذي يعود إلى600 عام قبل الميلاد بفن الحرب ,تحتل الصين مرتبة العدو الاستراتيجي الأول للولايات المتحدة دون منازع. فهل ينطبق هذا التحليل على الوضع الراهن?‏‏

يقول التقرير,أنه وبعد عشرين عاماً من النمو الاقتصادي الصيني, دخلت الصين في مرحلة حاسمة, تربطها بمستقبلها الخاص بقدر ما تربطها بمستقبل البشرية جمعاء, الأمر الذي جعل منها قوة إقليمية تتيح لها الفرصة للمساهمة بفعالية في الشؤون الدولية, وتقربها من مرحلة جديدة لتطورها. وفي الحالة تلك, بلغت القوة الكامنة لهذه الدولة إلى مستوى -تاريخي- تواصل الارتقاء ,بحيث ما زالت الخيارات الاستراتيجية للزعماء الصينيين مجهولة.‏‏

ويشير التقرير, أنه وبحسب الإيقاع المتسارع لتحديث الجيش الصيني,فإن الصين باتت تشكل خطراً ليس فقط على جزيرة تايوان,وإنما أيضاً على القوات الأميركية المنتشرة في المحيط الهادي.وعلى المدى الطويل,سيغطي تهديدها أيضاً الدول الأخرى في المنطقة مثل اليابان والهند,ورغم أن اليابان هي التي تعرب عن قلقها إزاء ذلك.‏‏

ومن وجهة نظر بكين إن هذا التحليل الصادر عن البنتاغون يحتوي على تناقضات واضحة.ويكشف أكثر عن الرغبة في جعلها قضية شائكة. فالتقرير يعترف أن القوات البحرية الصينية لا تمتلك أي حاملة طائرات,ولا أي معدات قادرة على إمداد الطائرات.وهذا معناه إعاقة مناطق القتال البعيدة عن حدودها الأرضية والبحرية أمامها.‏‏

ومع ذلك ,يلوم التقرير السلطات الصينية على نواياها بتحديث سلاحها إلى أبعد ما هو ضروري, ويؤول ويعيد المعنيون هذه التناقضات إلى رغبة واشنطن في إقناع قراء التقرير أن الصين وإن رغبت في تعزيز قدراتها العسكرية في ظل افتقادها إلى أي عدو محتمل, فإن لديها الطموح ليس في الدفاع, وإنما في الهجوم, الأمر الذي يعني بالنسبة للصين -تلطيخ صورة الصين- من أجل تسويغ سياسة أكثر تضييقاً على بكين.‏‏

ويتبلور الخلاف ,حسب ما ورد في التقرير بين القوتين العظميين حول أرقام الميزانية العسكرية الصينية.‏‏

يذكر الكتاب الأبيض الذي تصدره بكين كل عامين ,أن الميزانية العسكرية الصينية وصلت إلى ما بين 25-30 مليار دولار عام ,2003في حين يقدر البنتاغون الميزانية الصينية بثلاثة أضعاف هذا الرقم ليصل إلى مابين 70-90 مليار دولار.وهذا مايفرد للصين المرتبة الثالثة عسكرياً,أي بعد الولايات المتحدة وروسيا ومن البديهي اعتراض الصين على تلك المبالغة التي لا أساس لها. فالفرق يصل بين التقديرين إلى 60 ملياراً.‏‏

ولقيت الانتقادات الصينية على تقرير البنتاغون تأييداً من قبل بنك الأفكار الأميركي الرئيسي في مجال الدفاعRamd cozporation والذي قدر النفقات العسكرية الصينية لعام 2003 بأنها تتراوح ما بين 31-38 مليار دولار. أي أن الصين, وضمن الإيقاع الحالي لتطورها يلزمها عشرين عاماً لتجاوز النفقات اليابانية أو البريطانية,ولذلك فإن أحد الخبراء في هذا البنك وهو جيمس مولفينون ضم صوته إلى أصوات أولئك الصينيون الذين يلومون البنتاغون كونه لم يستند إلى مصادر معلوماتية موثوقة.‏‏

وغني عن البيان أن هذا التقرير يبالغ في تقدير مقدرات الجيش الصيني,ومعلوم أن المبالغة في تقدير الخطر الذي يشكله العدو المشترك تبقى وسيلة أميركية مستخدمة من أجل حث شركائها على شراء الأسلحة.وترويج المبيعات الأميركية إلى البلدان الآسيوية ,وفي مقدمتها تايوان,والتي تعهدت الولايات المتحدة بمساعدتها على امتلاك ترسانة أسلحة هائلة, بمبلغ يصل إلى عدة مليارات من الدولار,على حساب دافع الضريبة التايوانية,من أجل نفس السبب ,فإن البنتاغون المسكون بهاجس الخوف من الإرهاب في الولايات المتحدة,والذي يغذي هذا الخوف,يعمل في الوقت نفسه على تغذية حججه الخاصة لرفع الميزانية العسكرية باستمرار,إلا أن الخبراء لم يتفهم الحكم على هذا التقرير بأنه يتخطى كافة الحدود على حساب المصداقية.‏‏

وهذا يعني,أن المحللين في البنتاغون يأخذون التهديد الصيني على محمل الجد. حيث سعت الولايات المتحدة ما بوسعها منذ عهد الرئيس بيل كلينتون,لمنع الصين من امتلاك السلاح المتطور.و أمامنا مثال حديث على ذلك: هو شراء الغواصات Slava من أوكرانيا,حيث مارس الأميركيون ضغوطهم على الحكومة الأوكرانية والروسية لإلغاء هذا العقد في آخر لحظاته.ونفس السيناريو تكرر في أ.يار عام 2004 من خلال مشروع بيع نظام رادار متحرك ,قادر على كشف القاذفات غير المنظورة الأميركية B1.‏‏

وفي شهر كانون الأول من العام الماضي,عادت الصين إلى إسرائيل من أجل التباحث معها في تحديث معدات كانت قد اشترتها السلطات الصينية من إسرائيل عام .1991وطلبت واشنطن من تل أبيب حصر هذه التجهيزات في الأراضي الإسرائيلية.‏‏

وفي ظل اعتذارات خطية- تحت التهديد بفرض عقوبات- تتطلع واشنطن إلى ا لتصويت على قانون ينص على مراقبة ا لصادرات العسكرية الإسرائيلية إلى الصين, أو إلى أي دول أخرى.‏‏

ومنذ بضعة أيام ,صوت الكونغرس الأميركي على قانون يقضي بمعاقبة كافة الشركات الأوروبية التي تبيع السلاح إلى الصين.والواقع,إن القدرة العسكرية الصينية لا تتقارب والقدرة العسكرية للولايات المتحدة حالياً,فإذا ما قارنا التكاليف العسكرية الأميركية,والبالغة 417,5 مليار دولار,بالتكاليف الصينية البالغة 30 مليارا, أو حتى لنقل 90 مليار دولار حسب تقديرات البنتاغون ,فإن الصين بعيدة جداً عن اللحاق بالقدرة النووية الكبيرة التي تملي بقوانينها على هذا العالم, أو أن تشكل بالنسبة لها تهديداً حقيقياً.الأمر الذي حدا بالصقور الصينية على غرار الجنرال,هوشينهو, امتلاك الجرأة لتحدي الصقور الأميركية.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية