تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


من يحكم في إسرائيل?! ... قراءة في تركيبة القوى الحزبية الحاكمة

دراسات
الاحد 14/8/2005م
بقلم د. رفعت سيد أحمد

إن أهمية دراسة وفهم ما يجري داخل (إسرائيل) لا تقل أهمية عن عملية (مقاومتها) ومقاومة مشروعها التوسعي الاستيطاني,

فالاكتفاء بالمعلومات العامة السطحية عن هذا الكيان هو الذي يؤدي بنا إلى اتخاذ مواقف وقرارات تكون عواقبها سيئة على أوطاننا وبلادنا, فنحن إزاء كيان معقد له تركيبته السكانية, وبه مؤسسات عسكرية وعلمية وسياسية متداخلة وبه أعراق وهويات مختلفة غير متجانسة, وبه أيضاً قوى وأحزاب عديدة وصل متوسط عدد من يدخل الانتخابات البرلمانية (الكنيست) حوالى 30 حزباً, وفي داخل هذا الكيان أجهزة للمخابرات, وقوى للأمن الداخلي التي لا يقل تأثيرها عن باقي القوى والفاعليات, كل هذه القوى تتحكم في صناعة القرار وفي تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي.‏‏‏

في هذه الدراسة نحاول أن نقترب من أقوى وأهم جوانب هذا المشهد,- وهو التركيبة الحزبية- برامجها وأحجامها وقدراتها التأثيرية على صناعة القرار السياسي الإسرائيلي تجاه العرب والعالم, فماذا عنها من واقع دورها في انتخابات الكنيست الخامس عشر السابق والسادس عشر الحالي ولكن قبل ذلك لنلقي نظرة على طبيعة القوى التي تتخذ القرار السياسي في إسرائيل, خاصة أنها تمتلك آليات عمل وتتداخل خطواتها لتحدث تأثيراتها الخطيرة على المنطقة العربية خاصة في المناطق الملتهبة سواء العراق أو لبنان أو سورية بعد استشهاد الحريري وبالطبع فلسطين بعد اتفاقات التهدئة, فماذا عن هذه القوى? وكيف توضع آلية صناعة القرار في إسرائيل? إن ذلك يتم عبر عدة هيئات هي:‏‏‏

(1)- طرح القرار للنقاش بمعرفة رئيس الوزراء, (2)- إعداد دراسات حوله من مجتمع الاستخبارات, (3)- تحرك معلوماتي واستشاري من المنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية, (4)- دور لجان مشكلة خصيصاً من خارج مؤسسات الحكم, (5)- خبراء وفنيون, (6)- دور ورأي رئاسة الأركان العامة في المؤسسة العسكرية, (7)- دور ورأي لجنة شؤون الخارجية والأمن القومي في الكنيست, (8)- دور ورأي معلومات مجلس الوزراء كمركز صنع القرار, (9)- الوزارة المصغرة/مجموعة القلب في صنع القرار وتتشكل من: رئيس الوزراء - وزير الخارجية - وزير الحرب - رؤساء الأحزاب المؤثرة.‏‏‏

وهذه القوى تصنع القرار وتتخذه, ثم تتابعه, ولعل أقوى حلفائها هي (الأحزاب والجيش) وسوف نقتصر حديثنا في هذه الدراسة على الأحزاب تكويناً ودوراً, مؤجلين (الجيش) إلى دراسة أخرى قادمة.‏‏‏

بالنسبة للأحزاب الإسرائيلية, فإن الفهم الصحيح لأحجامها وأدوارها يتضح حين ننظر إليها وهي في حال الحركة والفعل, نقصد, وهي في حال الانتخابات ومحاولة الوصول إلى الحكم أو التأثير في تشكيله بهذا المعنى تقدم لنا النتائج الانتخابية للكنيست الخامس عشر /1999/ والكنيست السادس عشر /2003/ حقائق مهمة عن تركيبة الأحزاب التي تحكم المشهد السياسي الإسرائيلي الراهن وتؤثر في المنطقة من خلال تأثيرها في الحياة السياسية للعدو, فماذا عنها?‏‏‏

المعروف أنه قد تنافس في انتخابات عام 1999 للكنيست الإسرائيلي أكثر من 30 حزباً, استطاع 15 منها الوصول إلى الكنيست وتعبر هذه الأحزاب عن التعددية السياسية والعرقية والثقافية في إسرائيل والتي أصبحت ظاهرة تهدد إسرائيل بالانقسام وفي انتخابات الكنيست السادس عشر في 28/1/2003 جاء الليكود في الصدارة وتراجع حزب العمل وسنتحدث لاحقاً عن ذلك ولكن لنبدأ بانتخابات 1999 فقد حققت الأحزاب الإثنية 38 مقعداً (26 في الانتخابات السابقة), والأحزاب الدينية 27 مقعداً, والعلمانية المناوئة للأحزاب الدينية 16 مقعداً, ويمكن حصر النتائج في الكنيست الخامس عشر في الآتي وفقاً لعدد الأصوات التي حصل عليها كل حزب:‏‏‏

إسرائيل واحدة (العمل) بزعامة ايهود باراك وحصل على ,26 أما الليكود (وسط اليمين) بزعامة ارييل شارون فحصل على ,19 أما ساش (أصولي متطرف) بزعامة الياهو يشاي فحصل على ,17 وميريتس (يساري علماني) بزعامة يوسي ساريد ,10 أما يسرائيل بعاليه(المهاجرون الجدد) بزعامة ناثان شارانسكي فحصل على ,6 وحزب الوسط بزعامة اسحق موردخاي فحصل على ,6 وشينوي (يساري وضد الأصولية اليهودية) بزعامة تومي لابيد فحصل على ,6 أما القائمة العربية الموحدة بزعامة عبد الملك الدهامشة فحصل على ,5 ثم جاءت الأحزاب الأخرى كحزب يهودت هتوراه (أصولي متطرف) بزعامة مئير بوروش فحصل على ,5 أما الحزب الديني القومي (المفدال) (يميني أصولي) بزعامة اسحاق ليفي فحصل على 5 أما الاتحاد الوطني (تحالف يميني ديني وعلماني) بزعامة ريافم زيفي فحصل على ,4 أما يسرائيل بتينيو بزعامة أفيجدور ليبرمان فحصل على ,4 أما حداش (حزب شيوعي) بزعامة محمد بركة فحصل على ,3 أما حزب الشعب الواحد بزعامة أمير بيرتس فحصل على ,2 أما بلد (التجمع الديمقراطي العربي) عزمي بشارة فحصل على .2‏‏‏

من واقع الدراسات الوثائقية عن الكيان الصهيوني يمكن الانتهاء إلى هذه التشكيلة الحزبية الحاكمة والمؤثرة:‏‏‏

1- حزب العمل: تأسس عام 1930 من اتحاد حركات عمالية وشبابية صهيونية ذات جذور روسية واشتراكية باسم (ماباي) ومن مؤسسيه ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي وقد سيطر هذا الحزب على الحركة الصهيونية العالمية, نقابة العمل العامة (الهستدروت) وأنشأ منظمتي (الهاجاناه) و(البالماخ) العسكريتين اللتين كانتا نواة الجيش الإسرائيلي بعد قيام إسرائيل.‏‏‏

2- حزب الليكود: تأسس تحالف الليكود عام 1973 من تجمع أهم قوى اليمين المحافظ في إسرائيل بقيادة حزب حيروت استعداداً لخوض انتخابات الكنيست والتي انتهت بفوزه بتسعة وثلاثين مقعداً, ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن يتأرجح الليكود بين كونه حزباً حاكماً أو معارضاً.‏‏‏

تعود جذور حزب حيروت إلى حزب (الإصلاح) الذي تأسس عام 1925 بقيادة جابوتنسكي وهو من أصل بولندي, وقد تأثر جابوتنسكي بالمد النازي الذي كان طاغياً في ألمانيا وأوروبا الشرقية, ويؤمن حزب الإصلاح بخصوصية الأمة اليهودية وعظمتها!! وضرورة استلهام وإحياء تراثها, وقد مات جابوتنسكي عام .1940‏‏‏

3- حزب شاس-حراس الثورة الشرقيون: ظهرت حركة شاس في أوائل السبعينيات بقيادة الحاخام عوفاديا يوسف وهي تعبر عن اتجاهات دينية وإثنية (اليهود الشرقيون وبخاصة المغاربة) وقد أحرزت في انتخابات عام 1984 أربعة مقاعد, ثم توالى حضورها البرلماني المؤثر.‏‏‏

4- حركة ميرتيس تحولت إلى حركة (ياحد) برئاسة الوزير السابق يوسي بيلين: حركة يسارية تشكلت قبيل انتخابات عام 1992 من اندماج ثلاثة أحزاب هي المابام وراتس وشينوى من أهدافها دعم الحقوق الإنسانية والمدنية, والمساواة التامة بين جميع أفراد إسرائيل والعدالة الاجتماعية, كما تهدف إلى المحافظة على أمن إسرائيل بما تسميه بالقيم الصهيونية وهي الآن رغم يساريتها منحازة لشارون ومخططاته العدوانية ومثلها في انتخابات عام 1999 (نائبان) وانتخابات 2003 (6 نواب).‏‏‏

5- حزب يسرائيل بعاليا: حزب يميني وسطي يشكل المهاجرون الروس قاعدته الأساسية.‏‏‏

6- حزب الوسط: حزب معتدل يدعم عملية السلام مع الفلسطينيين, تأسس عام 1999 تتضمن قائمة مؤسسيه شخصيات مهمة تخلت عن حزب الليكود منها اسحق موردخاي.‏‏‏

7- حزب شينوي (التغيير): تأسست حركة شينوي عام 1974 بزعامة البروفيسور آمنون روبنشتاين بعد أن انشقت عن حزب العمل.‏‏‏

8- حزب القائمة العربية الموحدة: ظهرت القائمة العربية الموحدة عام 1988 بقيادة عبد الوهاب الدراوشة استجابة للانتفاضة الفلسطينية عام .1987‏‏‏

9- حزب يهودت هتوراه أو (يهود التوراة): تكون الحزب قبيل انتخابات عام 1988 من اندماج ثلاثة أحزاب دينية هي:‏‏‏

أجودات إسرائيل وديجل هتوراه وموريا, وهي الأحزاب اليهودية الدينية في إسرائيل وأوروبا وأميركا.‏‏‏

10- الحزب الديني القومي (المفدال): تكون من اندماج حزبين هما (همزراحي) و(هبوعل همزراحي) وذلك في صيف عام .1956‏‏‏

11- حزب الاتحاد القومي: هو تحالف يميني ديني علماني تشكل من اتحاد مجموعة من الأحزاب.‏‏‏

12- حزب يسرائيل بتينيو أو بيتنا: أسس الحزب أفيجدور ليبرمان عام 1999 بالائتلاف مع حزب الوحدة الوطنية بقيادة بنيامين بيغن ابن مناحم بيغن.‏‏‏

13- حزب حداش (الحزب الشيوعي): الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش) امتداد للحزب الشيوعي الذي أسس في فلسطين عام 1922 من يهود وعرب.‏‏‏

14- حزب التجمع الديمقراطي الوطني-بلد: حزب عربي يقوده عزمي بشارة.‏‏‏

15- حزب شعب واحد: أسسه أمير بيريز رئيس الهستدروت وأحد أعضاء حزب العمل في الكنيست لعام 1996 ومثله في الكنيست السابق نائبان والكنيست الحالي نائبان أيضاً.‏‏‏

تلك خريطة القوى والأحزاب الإسرائيلية التي يتشكل منها المشهد السياسي الحالي, وهي بتركيبتها الراهنة تقدم إجابة وافية عن السؤال الذي بدأنا به هذه الدراسة: من يحكم إسرائيل?! وهو السؤال الذي إن استطعنا الإجابة الموضوعية عليه, وإذا ما استطعنا الإلمام جيداً بمكوناتها, وفقاً لما سبق وقدمناه من حقائق.. فإن إمكانيات مواجهة هذا العدو والانتصار عليه قوية وهذا بالتحديد ما قام به (حزب الله) في لبنان حين فهم العدو جيداً وفهم تركيبة قواه الحاكمة ومناطق قوته وضعفه, فقاوم عن علم وعن بينة ولذلك انتصر, وهذا ما ينبغي أن نقتدي به, لأن حربنا مع هذا العدو, حرب طويلة, وجبهاتها مفتوحة, وتحتاج إلى جانب سلاح القوة, سلاح العقل والسياسة والأهم إلى سلاح المعرفة والعلم.‏‏‏

والله أعلم.‏‏‏

* كاتب ومفكر سياسي مصري‏‏‏

E-mail: yafafr@hotmail.com ‏‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية