تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


موانع ومحاذير التدخل الأجنبي في سورية

شؤون سياسية
الخميس 30-8-2012
عبد الحليم سعود

تقول بعض التسريبات التركية “أن ثمة استعدادات سرية أميركية تركية للتدخل العسكري في سورية، وأن هذه الاستعدادات قد بلغت أوجها في الأيام الماضية، وأن الحديث عن إعطاء مهلة للجهود الدبلوماسية هو مجرد حديث للاستهلاك الإعلامي”.

يعلم القريب والبعيد أن الحكومتين الأميركية والتركية منخرطتان حتى النخاع في الأزمة السورية، وأن التدخل التركي والأميركي في هذه الأزمة أكبر من أن يشكك فيه أحد أو يتبرع أحد لنفيه، فما يسمى المعارضة السورية في الخارج باتت ملحقة بمكاتب الاستخبارات الأميركية تأتمر بأمرها وتنفذ أجنداتها المختلفة، في حين أن عصابات ما يسمى “الجيش الحر” تتخذ من الأراضي التركية منطلقا لعملياتها الإرهابية ضد الدولة والشعب في سورية، وأما بالنسبة لبعض التسريبات التي تجري بين الحين والآخر والتي غايتها الضغط على سورية من أجل إرغامها على قبول تسويات في مواضيع وقضايا مختلفة فإنها تأتي في إطار الحرب النفسية التي تشنها كل من حكومة أردوغان وإدارة أوباما لرفع معنويات المعارضة المسلحة المنهارة التي تلقت في الأسابيع الأخيرة ضربات موجعة على يد قواتنا المسلحة الباسلة، بعد أن أصيبت كل من واشنطن وأنقرة بالإحباط وخيبة الأمل جراء رهانهما على حصان خاسر.‏

فليس هناك من يجهل محاذير التدخل الأجنبي في سورية وخاصة إذا جاء من خلال دولة كتركيا، فمثل هذا التدخل سيفتح عليها أبواب جهنم ولن يكون بمقدور حلف الناتو أن يجنب أنقرة تداعيات هذه الحماقة في حال حدوثها ولو كانت واشنطن بعدتها وعتادها هي الحليفة، فما هي محاذير التدخل العسكري الأجنبي في سورية..؟!‏

ثمة من يحلو له أن يشبه ما يجري في سورية بما جرى العام الماضي في ليبيا ليشجع على اعتماد نفس السيناريو الليبي في سورية، ولكن في المقابل ثمة من يرى أن هذه المقارنة السهلة بين بلدين عربيين مثل سورية وليبيا ما هي إلا صرعة إعلامية لا تدعمها أي حقيقة استراتيجية يمكن الركون إليها أو الوثوق بها، لأن تكرار ما جرى في ليبيا العام الماضي داخل سورية هو أمر مستحيل أولا لأن الأمم المتحدة ترفض أي تفويض باستخدام القوة العسكرية في حل الأزمة السورية وتتمسك بالدبلوماسية كحل وحيد وقد جاء تكليف الأخضر الإبراهيمي بدلا عن المستقيل كوفي أنان تأكيدا لهذا الاتجاه، وثانيا لأن ميزان القوة العسكرية في سورية مختلف عما كان عليه في ليبيا، وثالثا لأن المحيط الجيوسياسي لسورية مختلف جدا عن المحيط الجيوسياسي لليبيا.‏

ففي الأزمة الليبية مثلا شكلت مدينة بنغازي كبرى مدن الشرق الليبي عاصمة للمعارضة ونقطة انطلاق لهجماتها على باقي المناطق ولامتداد المواجهة غربا وذلك بسبب خروجها عن سيطرة العاصمة طرابلس بفعل التدخل العسكري الأطلسي المباشر، لكن الأمر في سورية مختلف، فبعد أكثر من عام ونصف على اندلاع المواجهات لم تتمكن عصابات المعارضة المسلحة من السيطرة على أي من المدن السورية، وكل ما حققته هذه العصابات هو السيطرة لبعض الوقت على بعض الأحياء في هذه المدينة أو تلك نظرا لضعف أو انعدام التواجد الأمني والحكومي فيها، وهي سيطرة تحولت إلى تقهقر “تكتيكي” مع وصول أبطال الجيش العربي السوري إلى هذه الأحياء وتطهيرها من هذه العصابات.‏

في سورية مثلا هناك أكثرية ساحقة من الشعب السوري متمسكة بالدولة والنظام ومؤسساته وهي أكثرية ترفض وتمقت أي حديث عن التدخل الأجنبي في سورية وتعتبره مسا بالسيادة والاستقلال وتفريطا بوحدة تراب الجمهورية العربية السورية، عدا عن كون الشعب السوري يشكل لوحة فسيفساء غنية أجزاؤها متماسكة ومترابطة بشكل يصعب فصله رغم كل ما يبذله حكام الخليج وباعة النفط من أموال لضرب النسيج الاجتماعي في سورية، بينما ليبيا كانت مختلفة حيث تبين مع مرور الوقت أن الحكومة الليبية في طرابلس كانت وحيدة ومعزولة ولم تكن تمثل اكثرية في مجتمع يغلب عليه الطابع القبلي.‏

ومن وجهة نظر استراتيجية بحتة يؤكد خبراء أن الانتصار على الجيش الليبي الذي كثرت فيه الانشقاقات كان سهلا نسبيا وإن دامت المعركة لأكثر من سبعة أشهر، في حين أن الوضع في سورية مختلف جدا فالجيش السوري بغالبيته يلتف حول قرارات الحكومة وينفذ أوامرها وكل حديث الانشقاقات لم يتعد في معظمه حالات الفرار التي تحدث في معظم جيوش العالم، بالرغم من الأموال الطائلة والمليارات التي يدفعها حكام الخليج العملاء للتأثير على أفراد الجيش السوري والحرب الإعلامية القذرة التي تشنها بعض القنوات المأجورة.‏

ثم إن الجيش العربي السوري الذي أعد جيدا لحرب طويلة مع جيش الاحتلال الإسرائيلي قد تدوم لسنوات يمتلك من السلاح والعقيدة والإيمان والشجاعة ما يجعله قادرا على إلحاق الهزيمة بهؤلاء الإرهابيين وإن وقف العالم كله في صفهم لأن معركته معركة ضد التطرف والتعصب والتخلف والجهل والإرهاب الذي يرفضه كل أحرار العالم.‏

في حالة ليبيا توحد العالم كله ضدها بعد أن ابتلع المقلب الذي صنعته أميركا والغرب ، أما في حالة سورية فهناك روسيا والصين ودول مجموعة بريك ودول منظمة شنغهاي للتعاون ومعظم دول أميركا الجنوبية ودول عدم الانحياز يقفون على جانب سورية ويدعمون سيادتها واستقلالها في وجه المحاولات الغربية للنيل من صمودها ووحدتها وأمنها واستقرارها، ولذلك يبدو صعبا على الولايات المتحدة وحلفائها أن يخدعوا العالم مجددا تحت ذرائع حماية المدنيين أو الأوضاع الإنسانية.‏

ويجمع خبراء كثر بأنه مهما حصل في سورية فإن التدخل العسكري من دون تفويض أممي سيبقى أمرا مستحيلا، لأن الروس والصينيين ومعهم الكثير من أحرار العالم لن يقبلوا بأن تتكرر خديعة ليبيا، كما أن الجوار الجيوسياسي لسورية يعقد احتمال التدخل الأجنبي فيها، فسورية تجاور لبنان والعراق والكيان الصهيوني وأي تدخل في سورية سينعكس سلبا على محيطها، وستمتد نيران المواجهة وتحرق المنطقة وهذا مالا يريده الغرب ولايتمناه لأن إسرائيل والنفط الخليجي هي خطوط حمراء بالنسبة إليه، ومع أي تدخل في سورية التي تعتبر خطا أحمر ستضرب كل الخطوط الحمراء الأخرى وسيتأثر الغرب مباشرة ولن يستطيع تحمل النتائج والتداعيات.‏

لقد آن الأوان للجميع أن يدركوا بأن حل الأزمة السورية هو سوري بامتياز، فلا يتعبوا أنفسهم بتوقع قدوم الحلول من الخارج لأنها لن تأتي أبدا.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية