|
ملحق ثقافي
فقد استعمل الإنسان الملابس في حياته اليومية إلا أنه تميز في لباسه في المناسبات والحفلات والمواقف، حتى أصبح لكل مهنة ووظيفة ملابس خاصة نتعرف من خلالها على صاحبها، وباتت تؤثر في الآخر نفسياً واجتماعياً. أصبحت الأزياء تفرض نفسها على مكانة الإنسان المهنية والاجتماعية... مروراً بالأحقاب التاريخية والبيئات المختلفة، فمثلاً ملابس شعب ما تختلف عن ملابس شعب أخر في الألوان والتفاصيل والزخرفة والثنيات والطول والقصر والضيق والوسع تبعاً لمتطلبات العصر والبيئة والمكانة الاجتماعية والسياسية والدينية والعسكرية والاقتصادية.. فالأزياء ترتبط بالإنسان ارتباطاً وثيقاً وتحدد هويته وانتماءه الطبقي والقومي والديني والمذهبي ومنطقه الفلسفي والحضاري والحياتي.
ومع عروض تيثبيس، كانت الأزياء تغطي جسم الممثل أولاً، وهي الوظيفة الأساسية للممثل في الحياة إلا أن اسخيلوس يعد أول من أدخل الأزياء إلى العروض المسرحية، وخصص لكل شخصية زياً مسرحياً خاصاً بها، حتى أصبحت في ما بعد عرفاً اجتماعياً في الذاكرة الجمعية للشعب الأثيني مع المبالغة أحياناً، بينما الأزياء في العروض الكوميدية كانت مبالغة جداً بحيث تثير الضحك عند المتفرج، وأغلب الظن أن اسخيلوس كان محافظاً للأمانة التاريخية للأزياء، مثلاً، الممثل الذي يؤدي دور الملك، يرتدي ثياب الملك في عصره، ويضع تاجاً على رأسه، لذا كانت الأزياء منذ بداية العروض المسرحية الأولى رمزية دلالية واقعية تزيينية، لكن السمة العامة للأزياء كانت الألوان الحية التي تجتذب المتفرج، وتستأسر انتباهه وخاصة في المسرح الكابوكي الياباني، ومسارح الصين «أوبرا بكين»، وفي كوميديا ديللارتي.
كانت ومازالت الأزياء جزءاً من عملية التنكر، شخصيات ساتير خير مثال على هذه العملية، واستخدمت الأزياء فيما بعد لإخفاء معالم الشخصية مع القناع، وخاصة التنكر في شخصيات العشاق لإنتاج كوميديا كما في بعض نصوص الكاتب الفرنسي ماريفو. في أحقاب تالية كانت نوعية الأزياء تنسجم مع مفاهيم دينية أو جمالية أو اجتماعية، وتطرح مفهوم الخير والشر، الجمال والقبح، المقبول والمرفوض، من خلال رموز لونية أو شكلانية، وهذه كانت الوظيفة الرمزية للأزياء. ومع استمرارية تطور الأزياء في الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية، تشكلت أعراض مسرحية أعطت الزي وظيفة درامية هي التعريف بالشخصيات والأدوار، مثلاً كان الزي في المسرح الأغريقي وسيلة لتميز البطل عن بقية الشخصيات، وفي الوقت نفسه كان زياً تزيينياً أكثر مما هو زي درامي، إلا أن هذا الزي حل محل الحوار والجمل السردية الطويلة، وتالياً أثر في الكتابة المسرحية خاصة مع دراماتورجية لسينغ واستخدام التقنيات، فمثلاً يقول الممثل الذي يؤدي دور أوديب أنا أوديب، أو أنا هاملت أو أنا الشخصية الفلانية، أصبح المتفرج الآن يستدل على شخصيته من خلال زيه المتعارف عليه في الذاكرة الثقافية والحضارية للشخصيات، وهكذا اتسعت رمزية الأزياء والألوان ودلالتهما الاجتماعية. ومع الدخول إلى المسرح الشعبي وكوميديا ديللارتي ازداد الاهتمام بدور الأزياء، وبات الممثل يرتدي أزياء عجيبة لا مرجعية لها سوى الإضحاك أو ازياء تلعب دور أنماط الشخصيات، فمثلاً الأزياء البيضاء تدل على من يقوم بدور معين كالعجائز أو أصحاب الحكمة، والأزياء الصفراء على من يؤدي بعض الأدوار الأخرى، يلعب لون الأزياء دوراً أساسياً في التعبير عن الشخصية من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية، ولا يمكن للون الأزياء أن يلعب دوراً من تلقاء ذاته، أو بمعزل عن مقولة المسرحية ما لم يكن ارتباطها بالعناصر الأخرى إلا من حيث أن أهميتها، تظهر عندما يدخل اللون والزي إطار المشهد أو الحدث في المسرح الحديث بعد أن تمت قوننة اللون والزي والإضاءة والديكور... وبقدر ما يكون اللون مدروساً ومنسجماً مع الألوان الأخرى بقدر ما يحقق هدفه كوسيلة تعبيرية.
أحياناً يدل جزء من الزي على الشخصية، مثلاً لو كان الغرض «الإكسسوار» في بداية العرض وشاحاً يفرده الممثل على الطاولة، أو يرتديه كعباءة أو عمامة أو يتحول إلى غطاء طاولة أو سرير، وهكذا يأخذ الزي وظيفة غير وظيفته في الحياة هي الوظيفة الدرامية، ويأخذ دلالات متعددة ويضيف ثراءً إلى العرض المسرحي. الأزياء تحدد هوية الشخصيات، بمعنى أنها تحدد الجنس والسن والانتماء الطبقي والاجتماعي والمهني والمذهبي والسياسي، والشخصية التاريخية المتخيلة والشخصية المعاصرة في حقبة زمنية ما، ومع الانتصارات المذهلة لعلم النفس، بات الزي يعبر عن نفسية الشخصيات مثل شخصية قلقة أو مركبة واسعة الأفق، أو عصبية المزاج، وبالمقابل تكون الأزياء ضيقة ومشدودة أو فضفاضة واسعة، زاهية أو غامقة، مصنوعة من الحرير أو الكتان، تشوبها معادن أو قطع إضافية، وبالتالي تضيف عمقاً درامياً إلى الدور، وهذه عناصر تعبيرية، لكنها مساعدة للممثل خلال أداء الدور على الخشبة أو أمام الكاميرا. وكذلك الأزياء تحدد حركة الممثل التي لها علاقة بالبروفات أحياناً ومدى الحركات التي يقوم بها على الخشبة، ويمكن أن تكون ثابتة وتضيف الأزياء الثنيات أو الجمود على الدور. كما قلنا إن الأزياء جزء من الممثل حتى لو كانت عصرية أو تاريخية يرتديها الممثل في حياته اليومية، لذا لا يمكن التخلي عنها حتى في العروض التي تدّعي أنها فقيرة، وطالما أن الأزياء هي أكثر العناصر الفنية تعبيراً صادقاً عن المجتمع والبيئة وعن الفترة التاريخية وعن الوضع النفسي، فهي هوية الشخصية، ويعرفها المتفرج، ويقرأ تاريخها ويعتمد على ذاكرته الشخصية حتى إن كانت الشخصية لا تتكلم «محارب، حارس، عامل، فلاح، مراسل.. كومبارس» وهي تمنح تاريخ ميلادها وجنسيتها. تعبر الأزياء عن الحالة المسرحية دون ثرثرة كلامية، واجتماع الأزياء ضمن رؤية تكاملية يضيف صراعاً دائراً على المسرح باللون والتشكيل وفي النهاية لها علاقة بالعرض المتكامل. إلا أن الأزياء يجب أن تكون جميلة وأنيقة حتى إن كان الهدف منها القبح، وأن الشخصية ترتدي أزياء متسخة وغير مرتبة، ولها علاقة بالديكور والإضاءة وألوانهما. الأزياء البيضاء للشخصيات الخيرة والسوداء للأشرار، وكان اللون الأبيض عند المصريين للجنود بينما اللون الأسود لغيرهم. إن للأزياء تأثيراً على المجتمعات والأفراد بحيث تعكس الموضة، والفن كوسيلة تروج هذه البضاعة من خلال الشركات التجارية في البلدان الأجنبية، مثلاً الفتيات يرتدين فساتين صوفيا لورين، وتنانير كاسندرا، وتسريحة الممثلة الفلانية، وكذلك الرجال يصنعون شكل شواربهم كالممثل مارشيللو ماسترياني مثلاً أو تسريحة الممثل الفلاني.. إن تأثير الأزياء كبير على الناس وقد يكون الممثل يوماً وسيلة لترويج البضائع لصالح الشركة الفلانية مثلاً، ويمكن استغلال هذا الموضوع بأن يغير في رغبات الناس وفي أشكالهم والهدف منها تحسين الذوق وتنميته. تنوعت الأزياء في العروض السورية حسب المواضيع والمذاهب والمناهج المسرحية رغم عدم اختصاصي في هذا المجال، وعادة من يصمم الأزياء المسرحية هو فنان تشكيلي أو مصمم أزياء أو موضة عالمية، فالعروض التي تعتمد على الكلاسيكيات كانت الأزياء تنتمي إلى زمن كتابة النص وغالباً يغير المخرج ويجعل من العرض معاصراً بإضافة إكسسوار أو قطعة تدل لها مرجعية في الواقع المعاصر، فتكون الأزياء محلية، وغالبية العروض التاريخية يدل على زمن الرواية، وكذلك مكانة الشخصية، هناك عروض لاتهتم بالأزياء ومدارسها، وهذا يعود إلى مزاجية المخرج ورؤيته للعرض وهذا الدور يقع على عاتق السينوغرافي الذي ينظم المشهدية البصرية ويجعل العرض وألوانه يقع في لبس وغموض في ظل غياب الدراماتورج الذي يعيد العرض إلى زمنه ويطرح أسلوب أداء الممثل وشكل العلاقة مع المتفرج والأزياء المقترحة من تلك الفترة الزمنية. قدم المسرح القومي عرض عالم صغير وكانت الأزياء لها علاقة بطبيعة مهنة الشخصية، ولهذه الطبيعة أزياء مختلفة عن بعضها، لكن لا علاقة لها بمصلح البسكليت على سبيل المثال، أو يبدو أن مصلح البسكليت ليس لديه أزياء خاصة تدل عليه، وكذلك عرض الموت والعذراء، فأزياؤها عادية وإن كانت لها مرجعية أوروبية إلا أنه لا تستدل على الشخصية ولا على حالتها النفسية علماً أن العرض يتحدث عن الإعاقة النفسية. لاتدرس الأزياء في العروض السورية دراسة معمقة مع الألوان الأخرى المتواجدة على الخشبة، بينما الحديث عن الأزياء في المسلسلات التلفزيونية قد يكون بعيداً عما تحدثنا عنه لدرجة أننا نجد في كل دورة رمضانية أزياء لمسلسلات متشابهة وخاصة التاريخية منها، بينما الأزياء المعاصرة لا علاقة لها بالمناهج والأزياء الدرامية ودلالتها ورموزها. قد نجد لوناً طاغياً على المسلسل إلا أنه يدل أحياناً على المكان ونادراً على مهنة الشخصية/ مثلاً غرفة النوم لها أزياء خاصة بيجاما، مكتب العمل له زي خاص اللباس الرسمي أو العمل، الحفلة لها زي خاص وكذلك الشارع وهكذا، تختلف أزياء الصيف عن الشتاء أو الربيع والخريف، وكذلك تختلف أزياء ابن الصحراء عن أزياء ابن الجبل أو الساحل أو المدينة.. أخيراً العرض مؤلف من مجموعة نصوص تبعاً للتخصصات، وتحويل الأزياء إلى شكل مجسد على الخشبة يتطلب مهارة مصمم الأزياء ويشكل هذا نص الأزياء المؤلف من مجموعة نصوص أخرى مثل نص الديكور ونص الموسيقا ونص الإضاءة.. ومن هنا أطلق مصطلح النص المتعدي، أو القراءة المتعدية للنص الواحد. |
|