|
ملحق ثقافي ولكن التنوير الفرنسي لم يكن تياراً متجانساً في فلسفته، إذ سارت المادية بجانب المثالية والإلحاد بجانب التدين، وما هذا سوى تعبير عن حركة الفكر الاجتماعي البرجوازي الصاعد. مثله مثل شيخ التنوير فولتير، بدأ كوندياك حياته الفلسفية مستنداً إلى أرضية فلسفة لوك، ومن ثم توجه لصياغة مذهب حسي خاص به، وأخيراً تحول إلى بحث العلاقة بين أشكال التفكير. كان ايتين بونو دي كوندياك أحد أبرز رجالات التنوير الفرنسي، ولد عام 1715، وتوفي 1780. اهتم باكراً بالفلسفة، فكتب «رسالة في المذاهب» 1749، وفيها أكد على دور الإدراك والانتباه والتذكر، وميز بين الذاكرة والتصور والتعرف، وشرح كيف أنه بفضل الانتباه تتولد المعرفة. لا ينكر كوندياك وجود المادة والنفس، ويرى بأنهما متعذرتان على المعرفة، وكل المحاولات لتخطي حدود عجزنا المعرفي، ستقودنا إلى الضلال والميتافيزيقا. بعد ست سنوات، وفي الطور الثاني من أطوار حياته المعرفية، كتب «رسالة في الأحاسيس»، وكان هذا عمله الرئيس في هذه الفترة، عمل فيه على تطوير أفكار لوك. يرد كوندياك في هذه الرسالة جميع وظائف النفس إلى الأحاسيس القائمة في صلبها، وهو يعقلن الإحساس ذاته والتجربة النفسية كلها. في الطور الثالث من حياته الفكرية، توسعت نزعته العقلانية، فكتب عدة أعمال أهمها «المنطق» و»لغة الحساب». في كتابه المنطق يحاول التأكيد على أن المعاني المجردة لا توجد في الأشياء ذاتها، بل في دماغنا فقط، في صورة أسماء ليس أكثر، هي مجرد رموز تستخدم للتمييز بين عناصر الإدراكات المعقدة. ويشير إلى أن اللغة ليست وسيلة للاتصال، وإنما أداة للفهم، فهي التي تعلمنا كيف أنه بفعل التحليل المنطقي، يتم الانتقال من المعلوم إلى المجهول. إن هذا التناقض في نظرية المعرفة عند المنورين، كان عاماً بينهم، ولم يقتصر على مفكر دون آخر. |
|