|
ثقافة ولسنا بحاجة لإثبات ذلك، فبعض المرتسمات من حولنا تُنبىء عن هذه الحقيقة، إذ نحن أمام المُدهش، المفاجىء في توضّع بعض الذين عملوا في الحقل الثقافي الأدبي، وكان لهم حضورهم المعروف، وكنّا نظنّ أنّ الجبال قد تزول ولا يزولون عن مواقفهم المبدئيّة، فإذا بنا نجد البعض وقد ارتضى أن يكون (كمساريّاً) في القطار الغربي الاستعماري، وثمّة أكثر من اسم يمكن للمتابع أن يضعه في هذه الخانة، أعتقد مع آخرين أنّ ماجرى في اجتماع مجلس وزراء الجامعة العربيّة الأخير والذي لم يعد قادراً على إخفاء النّوايا التي كنّا نعرفها جيّداً، فذهب علناً، ومباشرة، وبوضوح، ودون تخفٍّ.. إلى طلب تدويل الأزمة في سوريّة،!! هذا التّاريخ سيشكّل علامة فارقة بارزة في التّاريخ الرسميّ، والشعبيّ لأمّة العرب. -2 - المعروف أنّ هذه الجامعة أقامتْها بريطانيا أيّام عزّها، لتلتفّ على المشاعر المحبَطَة التي وجدت أنّ ماقدّمه الغرب الاستعماري لها بعد الحرب العالمية الأولى عدداً من الدّويلات، وكان قد وعدَ العرب بمساعدتهم على قيام دولة عربيّة كبرى، بعد أن قدّم ابناؤهم قرابين قتال ضدّ الأتراك السّلاجقة الذين أدخلوا العرب وغير العرب ممّن حكموهم في ظلمات من التّخلّف، والتّجهيل، والنّهب، والإفقار، والتّتريك، فأرادت بريطانيا التي كانت عُظمى أن تسترضي المشاعر العربيّة المغدورة، فأقامت هذه الجامعة، ولا شكّ أنّ مَن ينظرْ إلى ميثاقها فسيجد فيه الكثير من الإيجابيّات، فيما لو طُبِّق، بيد أنّها إيجابيّات وُضعتْ أصلاً لتظلّ حبراً على ورق. -3- لقد ظلّت هذه الجامعة منذ تأسيسها عام 1945م خاملة الحضور، أو ساتراً للتمرير، لأنّها أُنشئت أصلاً لتكون شكليّة، ذات ميثاق مقبول، وأفعال متردّية، ومن يُراجع تاريخها يجد أنّ فاعليّتها الإيجابيّة كانت مشروطة بالحراك السياسي الفعّال لكلّ من القاهرة ودمشق، في أزمنة محدَّدة، ففي زمن عبد النّاصر، وفوران المدّ القومي التّحرّري فرض الحراك على هذه الجامعة أن تكون مواكبِة بدرجات دنيا، كما أنّ مثل هذا القول يصحّ عليها في الزّمن الذي كانت فيه دمشق، وما تزال هي رأس الحربة في المشروع المقاوم، وكانت الجامعة مُجبَرة على اتّخاذ بعض الخطوات المقبولة، غير المصيريّة، هذا إن وُجدت، وهكذا تفتقر، بإرادة مختارة، مُمْلاة إلى أصالة الدّور المقبول، ولم تكن أكثر من تَرِكة تسلّمتها أمريكا من القارة العجوز، وحين تنشّطتْ بعد كامب ديفيد ذهبتْ إلى العراق أيّام صدّام حسين لتدعم معركة في غير محلّها، فكانت حركة مشبوهة، ليس المقصود منها أن ينتصر العراق، بل أن تنهزم إيران، وخاصّة بعد أن أعلنت طهران انحيازها للدّور المقاوم، على السّاحة العربيّة، لِنراجع دور هذه الجامعة على مدى سنوات الصّراع العربي الصهيوني، والذي هو لبّ هذه المعركة، فماذا فعلتْ؟ لاشكّ أنّ دور هذه الجامعة مرهون بفاعليّة أدوار الدّول الفاعلة فيها، وهذه نقطة إدانة لكلّ تلك الدّول التي جعلت من الجامعة منبراً لتنفيذ سياسات غريبة مُريبة، فهي، وكما يعرف الجميع، لم تتحمّس لتنفيذ القرارات التي أتّخذتْها، ليس لعدم قدرتها، فيما لو أرادت العواصم ذلك، بل لأنّها أصلاً لاتريد أن تقوم بهذا الدّور المتناقض مع توجّهات عواصم الغرب المتحالف مع إسرائيل، فالقرارات التي أتُّخذت في مؤتمر القمّة في بيروت ظلّت مجرّد قرارات على الورق لأنّ ماجاء مناسباً منها، بسبب الإصرار السّوري اللبناني آنذاك، لم يكن يعبّر عن رغبات تلك العواصم المرتبطة مصيريّاً بقرارات الغرب الاستعماري، فالجامعة، بالنّسبة للعواصم التّابعة، ليست أكثر من خيمة للّقاء، وترحيل للمشكلات الجوهريّة. -4- لِنعدْ قليلاً إلى الوراء، لاسيّما وأنّ ذاكرة الأجيال الشّابّة لاتعي تلك المرحلة، لأنّها لم تكن قد وُلِدت بعد، والهدف هو المزيد من تعرية المواقف الرّجعيّة التي امتنعنا طويلاً عن التّعرّض لها، بهدف الوصول إلى موقف عربيّ رسميّ تجاه قضيّة فلسطين، أمّ القضايا في عصر العرب الحديث،..ولا ننفي أنّ عراصم رجعيّة عربيّة أقدمتْ، أحياناً، على استجابات تسويقيّة أكثر منها نضاليّة، وماطلتْ كثيراً، وكانت تُهيىءُ البنية التّحتيّة والفوقيّة لمشروعها، فهي حين وجدت أنّ ثمّة فُرصة لاحت، قرأتْ فيها أنّها مناسبة لتحسم الأمور لصالح مشروعها المرتبط بالغرب.. فإنّها لم تخجل، ولم تتردّد، وهذا رأيناه حين بدا على السّطح أنّ حلفاءهم من جماعة الإسلام السياسي المستغرب قد وصلوا إلى السّلطة في كلّ من تونس، ومصر، وثمّة مَن يدعمهم في اليمن،.. حين واتتْهم الفرصة لم يتردّدوا في كشف الأقنعة، وموقف كهذا يُذكّرنا بطريقة ما بذلك (الشيخ) الذي كان يملأ الفضائيّات، كما يفعل الآن خلَفه (القرضاوي)، فقد أعلن ذلك الشيخ أنّه صلّى للّه ركعتي شكر لأنّ قوّات عبد النّاصر انهزمت عام 1967م أمام إسرائيل، لأنّه كان يرى في انتصار عبد النّاصر فوزاً للإلحاد!! لعلّه من اللاّفت أنّ الشيخين الرمزين!! من شيوخ هذا الطّريق تنتهي كنيتاهما ب (واوي)، وهما «شعراوي» و «قرضاوي»، -5- أعتقد أنّ تجربة القوى الوطنيّة القوميّة التّقدميّة مع الرّجعيّة العربيّة ليست ضحلة، ولا قليلة الخبرة، فمنذ بداية الاستعمار الجديد، وأبّان فترة الإستعمار القديم لم تقدّم هذه الدّول مايُذكَر لصالح المشروع المُقاوم، بل كثيراً ماكانت عبئاً عليه، أو لغماً فيه، وبعض المواقف التي بدا وكأنّها تتقارب مع رغبة الجماهير العربيّة كانت إمّا فلْتة، كما حدث مع الملك فيصل الذي مازالت أسباب مصرعه سرّاً من الأسرار، وإمّا أنّها اندفعت وراء أهداف بعيدة، غايتها خدمة مشروعها الرّجعي، كما حدث أثناء دعمها لحكم صدّام حسين في حربه ضدّ إيران، لأنّ أيّ بلد منهما يخرج مهزوماً، أو محطَّماً فسيكون لصالح الرّجعيّة العربيّة، فهاأموال نفطهم تذهب لصالح البنوك الغربيّة، ولخدمة المستعمرين لالخدمة العرب ولا المسلمين، ولو أنّ جزءاَ من هذه الأموال وُظِّف التّوظيف اللآّئق، وفي مكانه لما كان ثمّة فقر على الأرض العربيّة، وها نحن منذ مابعد كامب ديفيد وهذه الدّول تُمسك بدفّة القرار فما الذي قدّمته لمواجهة المشروع الصهيوني؟!! إنّ مَن يدقّق في المجريات يجد أنّ العواصم الرّجعيّة قد أنجزت من الخدمات، وبسطتْ من الفضاءات العربيّة للصّهاينة ماكان أمنية عندهم ذات يوم، من وصول البضائع إلى الأسواق العربيّة عبر مشيخاتهم، إلى حضور النّدوات، إلى الزّرع التّدريجي، المدروس بخبث مُحكَم.. بأنّ التّواصل مع الصهاينة لم يعد عيباً، بل هو في مواقع أخرى: «وجهة نظر»!! لقد خسرت حركة التّحرّر العربي الكثير بمهادنتها للعواصم الرّجعيّة، وهاهي ذئبيّتها تكشف عن أنيابها بمجرّد ظنّهم أن الأمور قد باتت مواتية في سوريّة للانقضاض عليها، ولانجانب الحقيقة حين نقول إنّ هذا الاستقتال على ضرب دمشق ناجم عن رؤيتهم أنّ أخْذها الآن من داخل قد يكون فرصة نادرة، لأنّ احتمال استعادة بعض عواصم العرب توازنها، فتعود منارة للتقدّم والمقاومة،.. مثل هذا سيربكها حدّ الهزيمة، أليس غريباً، وجارحاً، ومُحزِناً أن يتنطّح وزير خارجية (غطرائيل العظمى) التي لاتساوي مساحتها مساحة حيّ «القَصَبة» في الجزائر العاصمة ليقول لبلد المليون شهيد: «جاييكم الدّور»؟!! إنّها مهزلة المهازل، لايخفى على متابع أنّ الرّجعيّة العربيّة تذهب علناً إلى تأسيس ناد للملوك الرّجعيّين، وعلى مَن يرتضي أن يكون ذيلاً تابعاً، أو حامل أختام أمارة منها أن يقدّم الولاء وأوراق الطّاعة، وأولاها شطب قضيّة فلسطين، إنّ ماسبق يضع سوريّة المقاومة، وقوى المقاومة الحيّة على امتداد الوطن العربي أمام مسؤوليّاتهم التّاريخيّة في عمليّة المصارحة، كما في إعادة تأسيس حركة جماهيريّة شعبيّة، لاأبالغ إذا قلت أنّ مجريات الأحداث الأخيرة في سوريّة، وعلى ساحة الوطن العربي، قد ساعدت على تكشّف أماكن توضّعها، وهذا يعني إنّ المعركة لاتحتمل أيّ لون من ألوان التّعلّل، أو المساومة، لقد كبّلونا أكثر ممّا كبّلناهم، وجعلوا منّا سواتر لتمرير الكثير الكثير، من شراء بعض الأدباء الذين ارتضوا بيع أنفسهم بالدّولار، إلى الذين حوّلوهم إلى أبواق تنفخ باليأس، أو بالتّشكيك، أو تُعْوِِل تحت راية المطالبة بالحريّة!!.. |
|