|
كتب والتي ضمت أيضاً مجموعة من المفكرين، أمثال ماكس هوركهايمر، هربرت ماركوز، إريك فروم، فلتر بنيامين، فردريك بولوك، وأتوكر يشهايمر، ومن بعدهم يورغن هابرماز، كارل أتو آبل، ألفريد شميث، ألبرشت فيلمر، وأكسل هونيث. وهذا العمل مساهمة فريدة للتعريف بهذا الفيلسوف ودوره الفعال والحيوي الذي لعبه في تعميق البحوث الفلسفية والجمالية التي تفسر لنا توجه أدورنو إلى نمط آخر من العقل يتباين كلياً عن نمط العقل الأدائي، والمتمثل في العقل الجمالي والفني الذي سيحرر الإنسان من السيطرة والقهر ويتحقق بالتالي الوعد بالسعادة. وعليه فإن استعادة العقل لبعده الجمالي واسترجاعه لبعده التحرري، المنبعث من الأعمال الفنية والجمالية يُمكِّن – حسب أدورنو – “أن ينتشل الإنسان المعاصر من كل أشكال السيطرة ومن الاغتراب والتشيؤ وغيرها، التي أصبحت تحاصره من كل جانب في ظل تحكم العقل الأداتي...”. تقسم مباحث الكتاب إلى عشرة أقسام جاءت تحت العناوين الآتية: القسم الأول: ثيودور أدورنو – نقد العقل الأداتي/كمال بومنير. القسم الثاني: مناحي التأثير النيتشوي على نقد أدورنو لمُثل التنوير أو الحداثة بما هي مسار نحو العدمية/عبد الرزاق بلعقروز. القسم الثالث: حضور فكر أدورنو في كلٍّ من نظرية السلطة عند ميشال فوكو وفلسفة التفكيك عند جاك دريدا/خلدون النبواتي. القسم الرابع: أزمة القيم عند أدورنو/صايم عبد الحكيم. القسم الخامس: قوام التعقل عند ثيودور أدورنو/عبد الله موسى. القسم السادس: استطيقا أدورنو أو الفن بوصفه نقداً ونضالاً/جمال مفرج. القسم السابع: ثيودور أدورنو؛ ملاحظات حول الأدب/سليم حيولة. القسم الثامن: التجربة الفنية والفهم الجمالي عند أدورنو/حميد حمادي. القسم التاسع: إدوارد سعيد “أدورنو: الكينونة المتأخرة”/ترجمة: وحيد بن بوعزيز. القسم العاشر: “راهنية الفلسفة”. ثيودور أدورنو/ترجمة: خيرة عماري. ثيودور أدورنو.. مدرسة فرانكفورت من الجدير بالذكر أن أدورنو عالم اجتماع ألماني وأهم مفكري مدرسة فرانكفورت. وُلد في فرانكفورت. درس الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الموسيقا. وفي عام 1931، اشتغل بالتدريس في جامعة فرانكفورت، كما ارتبط بشكل وثيق بمعهد البحوث الاجتماعية. وبعد صعود النازيين في ألمانيا إلى الحكم، هاجر إلى إنكلترا عام 1934 ثم إلى الولايات المتحدة عام 1938. وفي الفترة ما بين عامي 1941 و1948، شارك في رئاسة مشروع بحث في جامعة كاليفورنيا حول التمييز الاجتماعي. وأصدر خلال هذه الفترة عدة أعمال من أهمها جدل الاستنارة الذي أصدره بالاشتراك مع ماكس هوركهايمر عام 1947 ويُعَدُّ أهم أعمال مدرسة فرانكفورت، وفلسفة الموسيقا الجديدة (1949، ومـن مؤلفاته دراساـت أخــلاقية صغيرة (1951)، ورطــانة الأصـالة (1964)، وملاحظات عن الأدب (في جزأين 1958 و1969). وتتمحور هذه الأعمال وأغلب كتاباته الغزيرة الأخرى حول المشكلات الثقافية والاجتماعية ودور الفرد في المجتمع. وتأثر أدورنو بفكر هيغل وماركس وفرويد وزيميل، وتُعتبر نظريته حول المجتمع مزيجاً من أفكارهم ونظرياتهم. ويرى أدورنو أن ظهور العقل في عصر الاستنارة وتحرره من الأساطير لم يؤد بالضرورة إلى نتائج إيجابية، فقد تحول العقل نفسه إلى قوة غير عقلانية تسيطر على الطبيعة والإنسان، كما رأى أن المجتمعات الحديثة تطمس الفرد تماماً وأن البشرية في طريقها إلى شكل جديد من أشكال البربرية، ويُعَدُّ كتابه الجدل السلبي (1966) من أهم كتبه، إذ يضم بعض أفكاره الكلية عن العصر الحديث والإنسان والكون، ويُعَدُّ كتابه النظرية الجمالية نظريته في الفن حيث يطرح تصوره بشأن استقلال العـمل الفني وفكرته القائلة: إن الأعمال الفنية الأصيلة تميل إلى «الكلية». ولذا، فالفن هو الذي يحيي الدعوة إلى الانعتاق في «حضارة الصناعة». وقد عاد أدورنو إلى ألمانيا عام 1953، وأصبح أستاذاً في علم الاجتماع في جامعة فرانكفورت ثم رئيساً لمعهد البحوث الاجتماعية، وتُوفي أدورنو في سويسرا عام 1969. ولو تحدّثنا باختصار عن بعض النقاط المشتركة بين توجهات أدورنو وبين توجهات كلٍ مِن فوكو ودريدا لأمكن لنا القول إنهم يتقاطعون جميعاً في: نقد العقل، والتشكيك بأسس التنوير، والنقد الجذري لمآلات الحداثة، وأخيراً الاهتمام بالتحليل النفسي وبالأدب وبالفن. فوكو وأدورنو: ينتمي فوكو (الأول) إلى جيل البنيويين الفرنسيين الذي بدأ إنتاجه الفكري يظهر بعد الحرب العالميّة الثانيّة وخاصة في سنيّ الستينيات. تحت تأثير البنيويّة، التي كانت تعطي الأهميّة والأولويّة للنسق والبنيّة على حساب حرية العلامات اللغويّة، انتهي الأمر بالبنيويين إلى إعلان موت الذات. بتطبيقه للمنهج البنيوي في دراساته على العلوم الإنسانيّة، يُعلن فوكو في الكلمات والأشياء عن “موت الإنسان” مؤكّداً على أن الذات البشرية لم تعد هي الفاعلة، كما كانت تظن الوجوديّة السارتريّة، وإنما البنى اللغويّة. مع فوكو تختفي صورة “الإنسان المتمرِّد” والصانع لوجوده لمصلحة صورةٍ جديدة لذواتٍ سجينة ومسحوقة تحت ثقل بُنى المجتمع ووقائع التاريخ والأنظمة الاجتماعية واللغويّة. لن تقتصر مشكلة “اختفاء الذات” على دراسات فوكو للعلوم الإنسانيّة، بل ستتوجه كذلك لمعالجة هذه المُشكلة في دراساته الأدبيّة لهذه الظاهرة في الأدب الفرنسي وبتحديد أكبر في “الرواية الجديدة” التي تظهر فيها الذات الإنسانيّة خاضعةً للآلية الجنسانيّة لجسدها أو للقوانين البكماء للغتها أو للنظام الخفيّ للأحداث اليوميّة. وإذ تبدو قضية موت الذات إحدى بدع ما بعد البنيويّة الفرنسيّة ذات المرجعيَّة النيتشويَّة، إلا أن هذه الظاهرة كانت موجودة، وإن بشكلٍ مُختلفٍ، عند أدورنو، وذلك باعتراف فوكو. رغم وجود بعض نقاط التقاطع ما بين فكر أدورنو ومؤلفات فوكو الأولى حول تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي 1961 أو مولد العيادة 1963 وصولاً إلى الكلمات والأشياء 1966 من قبيل ذلك التشابه القائم بين ثنائية “العقل والجنون” الفوكويّة التي يُقابلها ثنائية “العقل والأسطورة” الأدورنيّة، دريدا وأدورنو: لعلَّ أول ما يثير الانتباه في التقارب الفكري بين كل من أدورنو ودريدا هو أنهما قد بدأا مشوارهما الفلسفيّ بالاشتغال على فينومينولوجيا هوسرل. ففي عام 1924 يُناقش أدورنو أطروحته للدكتوراة التي حملت عنوان “تعالي الأشياء وتعالي الفكر في فينومينولوجيا هوسرل” في حين سيبتدأ دريدا مشروعه الفلسفي بترجمة والتعليق على كتاب هوسرل أصل الهندسة. في كتابه الشهير “الخطاب الفلسفيّ للحداثة (1985)، يتحدث هابرماس عن مجموعة تقاطعات تجمع كلاً من أدورنو ودريدا اللذين يتشابهان: “في تحسُّسهما من النماذج المغلقة الشموليّة التي تستوعب كل شيء، وبشكلٍ خاص من كل ما يريد أن يكون عضويّاً في العمل الفنيّ. هكذا يشدِّد كلاهما على أولوية الاستعاريّ على الرمزيّ، وعلى أولويّة الكناية على المجاز، وعلى أولويّة الرومانسيّ على الكلاسيكيّ. يستعمل كلاهما المقطع كشكلٍ للعرض ويلقيان بشكوكهما على كل نظام. بطريقة حاذقة، يفك كل منهما رموز الحالة العاديّة انطلاقاً من حالاتها الحديّة؛ إنهما يلتقيان معاً في نزعة متطرِّفة سلبية فيكتشفان الأساسيّ في الهامشيّ والثانويّ، والحق في جانب الخارج عن القانون والمنبوذ، والحقيقة في الهامشيّ والشّاذ. إن مسألة الماديّة التي تخترق أعمال أدورنو وجهده الساعي إلى نزع القناع عن المواقف المثالية وإلى قلب علاقات التكوين الخاطئة، وكذلك طرحه لأولويّة الموضوع، كل ذلك يجد ما يوازيه في منطق الإضافة الدريديّ. |
|