|
كتب من الكتب الجميلة التي صدرت حديثاً في دمشق كتاب الإنسان ورموزه سيكولوجيا العقل الباطن ترجمة عبد الكريم ناصيف. قدم للكتاب جون فريمان بقوله: لقد كرس يونغ السنة الأخيرة من حياته بكاملها تقريباً لهذا الكتاب وحين وافته المنية في شهر حزيران من عام 1961، كان الجزء الخاص به مكتملاً( والحقيقة أنه لم ينجزه إلا قبل إصابته بمرضه الأخير بنحو عشرة أيام) كما كان قد وافق على فصول زملائه كلها وهي مسودة بعد وفاته تحملت الدكتورة فون فرانز المسؤولية الشاملة في إتمام الكتاب بما يتوافق مع تعليمات يونغ الصريحة، لذلك فإن المادة الأساسية لهذا الكتاب ومخططه العام إنما وضعها وبالتفصيل يونغ نفسه، والفصل الذي يحمل اسمه هو من عمله بالذات وليس من عمل أحد آخر( باستثناء بعض التوسعات التي كان لا بد منها لتحسين إمكانية فهمها من قبل القارئ العام) وقد كتبه يونغ مصادفة باللغة الإنكليزية، أما بقية الفصول فقد كتبت من قبل كتابها المختلفين تحت إشراف يونغ وبتوجيهه. غير أن إعداد الكتاب بصورة نهائية للنشر تم بعد وفاة يونغ، بفضل صبر الدكتورة فون فراتر وتفهمها وروحها السمحة. محتويات الكتاب: لقد صبغ تفكير يونغ عالم علم النفس الحديث أكثر مما يدركه أولئك غير المطلعين، فكثير من المصطلحات المألوفة اليوم مثل إنطوائي، انبساطي ونموذج أصلي هي كلها مفاهيم يونغية، غير أن ما قدمه من مساهمة كبير لفهم السيكولوجيا البشرية إنما هو مفهومه المتعلق باللاشعور ليس فقط باعتباره مكمن الرغبات المكبوتة بل باعتباره العالم الذي لا يقل أهمية وحيوية كجزء من حياة الفرد عن عالم الأنا العاقل« المفكر». وباعتباره العالم الأوسع والأعنى بلا حدود، أما لغة اللاشعور وناسه فهي الرموز بينما وسيلة الاتصال هي الأحلام. لهذا السبب فإن التمعن بالإنسان ورموزه إنما هو بالحقيقة تمعن بعلاقة الإنسان باللاشعور لديه وتفحص لها وبما أن اللاشعور حسب رأس يونغ هو المرشد الكبير والصديق والناصح المستشار للوعي عند الإنسان فإن هذا الكتاب ذو صلة وثيقة ومباشرة تماماً بدراسة الكائنات الإنسانية ومشكلاتها الروحية. إن مناقشات يونغ وكذلك زملاؤه تدور على شكل حلزون متصاعد حول الموضوع مثل طائر يحلق حول شجرة في البداية يكون قرب الأرض ولم ير إلا اختلاط الأوراق والأغصان بعضها بالبعض الآخر، ثم بالتدريج يحلق أعلى فأعلى فتشكل جوانب الشجرة المتكررة. أهمية الأحلام: يشير يونغ إلى أن الإنسان يستخدم الكلمة المنطوقة أو المكتوبة كي يعبر عن معنى يود نقله، إن لغته ملأى بالرموز، لكنه غالباً ما يستخدم أيضاً الإشارات أو الصور التي لا تكون وصفية تماماً، بل بعضها مجرد اختصارات أو تجمعات من حروف أولية مثل الأمم المتحدة- صندوق رعاية الطفولة التابع للأمم المتحدة، منظمة التربية والثقافة التابعة للأمم المتحدة، وبعضها الآخر علامات تجارية مألوفة أو أسماء عقاقير مرخص لها أو شارات أو شعارات. وعلى الرغم من أن هذه كلها ليس لها معنى بذاتها،إلا أنها تكتسب معنى مميزاً من خلال الاستخدام العام أو النية المقصودة، أشياء كهذه ليست رموزاً بل هي إشارات ولا تفعل أكثر من أنها تحدد الأشياء التي ترتبط بها أما ما ندعوه رمزاً فهو المصطلح أو الاسم أو حتى الصورة التي قد تكون مألوفة في حياتنا اليومية إلا أنها تحمل مضامين خاصة إضافة إلى معناها المألوف والواضح إنها تتضمن شيئاً غامضاً، مجهولاً أو خفياً بالنسبة إلينا فكثير من النصب التذكارية الكريتية مثلاً يحمل إشارة القدوم المزدوج، والقدوم أداة نعرفها لكننا لا نعرف مدلولاتها الرمزية، وهناك أشياء مثل العجلة والصليب معروفة في أرجاء العالم كله، مع ذلك تكون ذات دلالة رمزية في بعض الظروف، رغم أن ما ترمز إليه بالضبط لايزال موضع تخمين وجدال. إذاً ثمة بعض الوقائع التي لا نلاحظها بعقلنا الواعي. ويمكننا أن نصبح واعين لأحداث كهذه في لحظة الحدث فقط أو من خلال عملية التفكير العميق الذي يؤدي إلى إدراك لاحق بأنها لا بد وأن تكون قد حدثت وعلى الرغم من أننا قد نتجاهل بالأصل أهميتها العاطفية والحيوية إلا أنها تنبثق من اللاشعور كنوع من الأفكار اللاحقة. إنها قد تظهر مثلاً على شكل حلم، وكقاعدة عامة فإن الجانب اللاشعوري لأية واقعة يتكشف لنا في الأحلام وهناك لا يظهر على شكل تفكير عقلاني بل على شكل صورة رمزية وللحقيقة والتاريخ فإن دراسة الأحلام هي التي مكنت علماء النفس من تقصي الجانب اللاشعوري من الأحداث النفسية الظاهرة في ساحة الوعي. الكتاب: الإنسان ورموزه.- ترجمة: عبد الكريم ناصيف. - الناشر: دار التكوين- دمشق. |
|