|
مســــــرح
وكان اونيل يحاول في تلك الفترة الهروب من حطام سفينة شبابه على البر. فهو بعدما قررت جامعة برنستون تعليق دراسته بسبب كسله تزوج بعجالة من الشابة كاثلين جنكينز ما ان علم بأنها تحمل طفله. وحين عاد الى بيت اهله بعد الانفصال عن زوجته الجديدة لاقى صعوبة كبيرة في تحمل الضغوط الواقعة عليه، لاسيما تطفل الصحافة على حياته الخاصة لكونه ابن الممثل الشهير جيمس اونيل. وبناء على نصيحة والده عاد الى البحر في عام 1910 بصفة مسافر عامل على متن السفينة تشارلس راسين التي كانت واحدة من آخر السفن الشراعية التجارية في عصر الثورة الصناعية. ولم يكتب اونيل حرفاً واحداً خلال رحلته هذه أو رحلاته البحرية التالية على متن سفينة بخارية بريطانية ثم سفينة اميركية سياحية فاخرة، ولكن الحياة الخشنة التي عاشها في البحر مدته بخبرات وتجارب تبدت في كتاباته المسرحية. وتركت سنوات التكوين هذه بصمتها على مسرحيات اونيل الرئيسية: فبطلة «آنا كريستي» (1921) كانت تعاني من هجر والدها البحار. ومسرحية «القرد كثيف الشعر» (كتبت عام 1922) تُركز على وقَّاد ظالم ومظلوم على متن سفينة عابرة للمحيطات تعمل بالفحم. وتستوحي «عودة رجل الثلج» (1940) ايامه في حانات الموانئ ونزل القس جيمي في نيويورك حيث اقام أونيل عدة مرات لدى توقف سفينته في ميناء المدينة محاولا الانتحار في احدى غرف النزل عام 1912. ويعود المحيط في مسرحية «رحلة يوم طويل في الليل» (كتبت في الأربعينيات وأُخرجت عام( 1956) حين يصف على لسان بطله ادموند تايرون نشوته وهو ممدد على قيدوم سفينة تشق طريقها عبر الأمواج قائلا «للحظة فقدتُ نفسي، في الواقع فقدتُ حياتي. تحررت! ذبتُ في البحر ، أصبحت أشرعة بيضاء ورذاذاً متطايراً، أصبحتُ ضوء القمر ، والسفينة والسماء العالية ذات النجوم الخابية». وبعد عودة اونيل الى اليابسة كتب مسرحياته ذات الفصل الواحد التي تدور كلها حول البحر والبحارة حتى انها اصبحت تُسمى «مسرحيات البحر». وهي 10 مسرحيات كُتبت بين 1914 و1918. وتُعرض ثلاث منها حاليا على مسرح اولد فيك تانيلز في لندن. ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن المخرج هويت الذي يعمل الآن في بريطانيا ان هذه القطع الثلاث أكثر من ارهاصات شاب واعد في الكتابة المسرحية. واضاف «إن أشد ما أخشاه هو ان يقول الجمهور انها مسرحيات ساحرة لأنها تشير إلى عبقرية قادمة ، وأنا لا اعتقد ذلك، فالعبقرية موجودة فيها اصلا». وكان المخرج السينمائي جون فورد حاول دمج مسرحيات البحر في فيلم روائي واحد عام 1940 وكرر المحاولة على المسرح الوطني في لندن المخرج بيل برايدون عام 1978. ولكن هويت قرر تقديم ثلاث منها كعمل من ثلاثة فصول يربط بينها خيط واحد هو البحر والبحارة. ويرى هويت ان أحد الموضوعات التي تتكرر في القطع الثلاث هو السؤال: «لماذا أمضي هذا الشطر الكبير من حياتي في البحر المخيف مع ضباب كثيف كالحساء الثخين في حين كان بمقدوري ان أكون على اليابسة وربما تكوين عائلة؟» مشيرا الى انه إذا كانت هناك كلمة يقولها اونيل أكثر من الضباب فهي البيت. |
|