|
شؤون سياسية
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وطيلة أربعة عقود من الحرب الباردة كانت تركيا تمثل الموقع الأطلسي الأهم في آسيا وهذا الواقع سمح لتيار التغريب الأوروبي في تركيا بأن يرفع سقف طموحاته إلى حد الحلم بالانضمام إلى العائلة الأوروبية, ولكن مع كل أسف ومنذ عام 1960 إلى الوقت الراهن مازال الحلم التركي بعيداً إن لم نقل مستحيلاً, وهذا ماكشف عنه غالبية رجال السياسة الأوروبيين بشكل واضح وجلي. على الجانب الآخر يرى تيار كبير في المجتمع التركي أن الهوية الحقيقية لتركيا يجب أن تتكامل وتنسجم مع جغرافيتها ومحيطها ومع تاريخها أيضاً, ومن الأفضل (يقول هذاا لتيار) أن نكون في مقدمة الشعوب الإسلامية من أن نكون ملحقين وتابعين غير مرغوب بنا في الدول الأوروبية. إن قراءة متأنية واقعية وميدانية لاتجاهات الرأي العام في تركيا في الوقت الحاضر, تبين بشكل واضح لا لبس فيه بأن الاتجاهين همامحور الصراع المحتدم حالياً على الساحة التركية, وضمن هذين الخطين نجد أن السيد رجب طيب أردوغان والاتجاه الذي يمثله قد ناور بذكاء وحنكة شديدين فهو يتبنى الإسلام المعتدل كنهج سياسي واجتماعي داخلي, هذا من جهة ومن جهة أخرى ما انفك يعلن ويصرح بالتزامه بالأسس العلمانية للجمهورية, يدعمه في ذلك أنه رئيس الوزراء التركي الذي انتزع موافقة الدول الأوروبية على البدء في مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وقد فرح الكثير في هذا الانجاز وبالغ آخرون في توصيفه حتى إن بعضهم وصف السيد أردوغان بأنه قد حقق ما عجز عنه السلطان سليمان القانوني في فتح أوروبا. أنا شخصياً أعتقد أن مثل هذا المفاوضات بخصوص انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لن تؤدي إلى نتيجة عملية مع أنها قد تستمر مئة عام أخرى. هنا نستطيع أن نقول بأن السيد أردوغان قد نجح في الحركة السياسية وجمع بين خلفيتي الاتجاهين طرفي الصراع في تركيا, مايسمح له بإحداث إصلاحات تنسجم مع المشروع السياسي الذي يتبناه مع صديقه عبد الله غول, ولكن بالطبع هذا لايعني أن الأمور ستسير بهدوء كما يطمح حزب العدالة والتنمية, فالأسئلة السياسية والثقافية والاجتماعية في الداخل التركي ليست أقل تعقيداً من مسألة انضمام تركيا إلى البيت الأوروبي , فهل سيكون بوسع حزب العدالة والتنمية الإجابة المنطقية والمعقولة على مسائل من نوع احترام الأسس العلمانية للجمهورية وحقوق الإنسان, إضافة إلى قضايا المرأة والأحوال الشخصية والتعليم. وينجح السيد أردوغان في التعامل من هذه القضايا الإشكالية بامتياز. حتى هذه اللحظة, يبدو أن الثقة التي يعبر عنهاحزب العدالة والتنمية تترجم شعوراً حقيقياً بالاطمئنان إلى المستقبل, وطرحه للانتخابات النيابية المبكرة يؤكد ذلك بكل وضوح, فلننتظر ماذا ستقول صناديق الاقتراع في هذه الانتخابات!! |
|