|
شؤون سياسية كم مرة تآمر العالم والنخب المتخاذلة والمستعجلة لتمرير مشروعات الغرب على سورية وكم من حرب تعرضت لها وحصار فرض عليها ومحاولات متراكمة لتفتيت وحدتها الوطنية والتأثير على صلابتها وخياراتها وثوابتها.
اليوم يمكن القول: إن ما تعرضت له سورية وشعبها وقيادتها ومؤسستها العسكرية على مدى العقود الأربعة كانت كفيلة بإسقاط دول وقوى امبراطورية بل اسقطتها على شاكلة ما جرى للاتحاد السوفييتي ومنظومته الامبراطورية الكونية لشدتها وقوتها ولحجم القوى والتحالفات التي شاركت وبسبب المتغيرات التي كانت بغالبها في غير صالح المشروع العربي السوري وثوابته. اليوم وبعد أن تعرضت سورية لأشرس حملة في تاريخها عندما تحالفت اعتى امبراطوريتين كونيتين: الاتحاد الاوروبي وأميركا وأخذت معها إدارات عديدة في المنطقة في ظل حياد القوى الدولية الصاعدة وبعد أن حوصرت سورية وعرضت لاعتداءات متكررة من مجلس الأمن وقراراته ولجانه وبعد أن سقطت ميمنتها بغداد تحت الاحتلال الأميركي المباشر وحشد على حدودها الشرقية مائتا ألف جندي امبريالي وسقطت ميسرتها بيروت تحت الضغوط والانقلابات وهيمنة السفراء الاجانب واستعداء قوى لبنانية ضد سورية وعلى اثر عدوان عالمي بأهدافه وطبيعته والقوى المشاركة فيه وما استخدم فيه من اسلحة وحصار وهدف عدوان تموز المعلن على لسان رايس وقادة البيت الأبيض والرئيس الفرنسي والبريطاني اسقاط سورية ولي ذراعها وكسر ارادتها بشطب المقاومة اللبنانية تمهيدا لشطب المقاومة الفلسطينية والعراقية ودفع سورية لتغيير مسلكها وفرض انخراطها في المشروعات الامبريالية. بعد كل ذلك وبنتائج الواقع نفسه وأدلته التي لا تدحض ولا يمسها تشكيك يمكن الجزم بأن سورية خرجت اصلب وأقوى وأكثر فاعلية وتأثيرا بمئات المرات عما كانت عليه قبل عامين مما ذكر أعلاه يمكن الاجابة على الاسئلة المنهجية التي طاولت سورية وقدراتها وفرصها وامكاناتها. والحقائق المعاشة تجزم بأن سورية كانت صانعا وحاميا وشريكا ودولة قاعدة قائدة لخيار المقاومة معها وبها بلغت هذا الموقع والدور وتحولت المقاومات بها إلى القوة الفاعلة الحاسمة في تقرير التطورات والاحداث. الأمر الذي يرتب عليها التزامات ويفتحها على فرص وتواجهها تحديات ومهام تاريخية عظيمة لها قدرة وشروط ان تنهض بها. والقانون التاريخي يقول: ان من صنع خيار المقاومة ومن تحمل عبئها وشاركها مهمتها ودافع عنها واسهم في حل مشكلاتها وتأمين خلفيتها والدفاع عن مشروعيتها صار أكثر التزاما بتوليد مشروع النهضة وصياغته والعمل على انقاذه والارتقاء بالاستراتيجية العربية المقاومة بما هي استراتيجية دفاع سلبي لتوليد رؤية استراتيجية ايجابية هجومية بما هي استراتيجية إنهاض المشروع العربي وتطويره وتنقيته وعصرنته والسعي لتحقيقه في بيئة تتزاحم احداثها لتفرض ضرورة النهوض والقيام بالاستناد إلى ما أنتجته المقاومات وخيارها الصائب والحاسم. المقاومات فعل سلبي بمعنى أنها معنية بمنع العدو والاحتلال من تحقيق أهدافه وتثبيت احتلاله وهذا ما نجحت به المقاومة العراقية, واللبنانية, والفلسطينية , والصومالية في الطريق اليه. فالمقاومة تنجز ما عليها وتقوم بما لها بتضحيات كبيرة وبإبداع تاريخي وتصميم وصلابة نادرة بيد أنها تقع في مأزقها التاريخي وتنكشف على اعطابها وبنيتها العاجزة عن انتاج مشروع النصر التاريخي فالنصر هو اليوم الثاني من حسم المعركة العسكرية اي هو البناء وامتلاك الرؤية والقدرة على التوحيد وتخليق البدائل وإقامة الدول والنظم على شاكلة المقاومة وخياراتها الاستراتيجية وفي صالح الأمة وفئاتها كافة خاصة الفقراء ومتوسطي الحال منها وهم مادتها وعصبها الأساس وقوتها الفاعلة. نعم المقاومات تهزم الغزاة وتؤسس لانهيار الاحتلالات لكنها تعجز عن توليد البدائل هذه هي الحال الراهنة في العراق في فلسطين وفي لبنان والمفارقة تتجسد كتحد وكفرصة لا يمكن أن يستثمرها ويشتغل بها ويلتزمها سوى سورية الدولة القاعدة القائدة. في الساحات الثلاث لانتصارات المقاومة يخيم شبح الحرب الاهلية والتفكك والاقتتال الاهلي بين اطراف المقاومات وشعبها. الأمر الذي يهدد بخطر ما حقاً والقول الرائج صحيح: إن المقاومة لا تكتمل انتصاراتها ما لم تمتلك مشروعا للبناء والوحدة والمقاومات العربية ولأسباب تاريخية وايديولوجية ووطنية ولعناصر مادية تكمن في طبيعة المجتمعات والمرحلة وخطط المشروع الامبريالي. في هذه الازمة تبدو سورية مطالبة بأن تضع الآليات والحلول وان تتحول إلى القاعدة والمركز لجذب المنطقة المحيطة وعليها بلا تردد أو تلكؤ المساهمة الخلاقة في حل مشكلات المقاومات وتطوير ادائها وبنيتها وترشيدها وتحفيزها على الوحدة في اقطارها وبينها على أنها مشروع لمقاومة عربية شاملة لامقاومات قطرية أو مناطقية أو طائفية ومذهبية ومساعدتها على امتلاك المشروع الخلاق. سورية المتشكلة اليوم باعتبارها القوة المفتاحية في الأزمة اللبنانية والمالكة لعناصر قوة ونفوذ مؤثر في الصراع العربي الصهيوني والدولة الوحيدة غير المثقلة في الأزمة العراقية الحاضنة لمقاومته وللشعب العراقي بكل أطيافه والمتحالفة استراتيجيا مع ايران والمتفاهمة استراتيجيا مع تركيا والمتوفر لها بيئة نموذجية لتعميق التفاهمات والتحالف مع روسيا والتقارب مع آسيا وعمالقتها الصاعدة. سورية وهي تصمد وتظفر بنصر يتلو النصر والقادرة على اسقاط الحصارات والعزلة والمتحولة إلى قوة قادرة على عزل بوش في البيت الأبيض واستهلاك الادارة الفرنسية الراحلة والبريطانية العدوانية المتساقطة معنية في أول المهام بتحرير الجولان عبر استراتيجية وخيار المقاومة الشعبية والمسلحة المحمية بقوة عسكرية نظامية مرهوبة الجانب وقادرة على الدفاع عن خياراتها وحمايتها بعد أن سقطت مشاريع التسويات وانتفت ظروفها التاريخية. استعجال وضع الجولان على بساط البحث المعمق وتوفير سبل تحريره من دون شروط مسبقة ولا التزامات تنتقص من الحق الوطني والقومي والشراكة الفعلية بإدارة التفاوض تحت النار كما قاعدة المقاومات وافعالها من اجل استعادة الحقوق العربية كافة وفي اولها القدس وانقاذ حق العودة إلى الأرض والممتلكات وتحقيق السيادة الفلسطينية على ارض الاباء والأجداد أمر بات في غاية الاهمية وشرطاً لازماً لاحتلال سورية واشغالها للموقع التاريخي الحاسم في لم شمل العرب وقيادة مقاوماتهم والمساهمة الخلاقة في انهاض مشروعهم وتحقيق طموحاتهم التاريخية وانتزاع حقوقهم والمرحلة تفيد بإمكانية تحقيق تلك الطموحات والآمال كاستثمار في انتصارات المقاومة ونهجها. هذا ما نراه ونزعم أنه تصورات واقعية ملموسة لاكلام إنشائي لشد الهمم وتزيين الواقع ولا هو مجرد رؤية تفاؤلية بل عين الحقيقة وصوابها كما تفيد الوقائع والمؤشرات وما تقوله الأحداث ذاتها. وعليه نفهم ان سورية في المقدمة قاعدة قائدة للمقاومة وفي المقدمة حاملة لخيار تجديد المشروع القومي العربي التحريري وهي في القلب من المتغيرات والتطورات. *كاتب لبناني |
|