تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تعقيب على حوار استعادي?

فضائيات
الأحد 13/5/2007
أديب مخزوم

ضمن اطار المقابلات التلفزيونية القديمة,التي يعاد بثها في برنامج (كنوز الطرب) على شاشة روتانا طرب,تابعنا حواراً مع الموسيقار الراحل محمد الموجي, أجراه معه الإعلامي المعروف مفيد فوزي,وتميز بنبرته الانتقادية اللاذعة القادرة على اثارة الكلام والجدل الحاد.

وهذه الخطوة الاستعادية الجديدة ما كانت استحقت منا المتابعة والرد لولا سقوطها في دائرة الالتباس والشك واستبعادها لبعض كبار المبدعين في مجالي الموسيقا والغناء في عالمنا العربي..‏

وإذا تجاوزنا الحدود الاقليمية الضيقة,كان من المفترض أن يعترف محمد الموجي بريادة ودور فريد الأطرش والأخوين رحباني وغيرهم في تحديد آفاق مجريات النهضة الموسيقية والغنائية في النصف الثاني من القرن الماضي لكن ذلك لم يتم وكأن الإبداع الموسيقي العربي الحديث هو صناعة مصرية خالصة ولمزيد من التوضيح والوضوح نشير الى أن مفيد فوزي طلب من ضيفه في البرنامج محمد الموجي أن يذكر السبعة الكبار في عالم الابداع الموسيقي العربي الحديث.‏

فذكر محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وسواهما من الملحنين المصريين,وعندما سأله عن الملحن محمود الشريف الذي لم يذكره قال الموجي إنه يضعه قبل اسمه.‏

الحوار باختصار يمكن أن يثير عاصفة من التساؤلات والانتقادات ويعيد الى الأذهان أجواء الحروب الخفية التي كانت في القاهرة ضد فريد الأطرش على اعتبار أنه ظل بنظر كبار الموسيقيين سورياً بحكم الولادة وإن كان قد حاز فيما بعد على الجنسية المصرية.‏

ولهذا كان دائماً يعاني من عقدة الاضطهاد على حد تعبيره في كل مناسبة- الشيء الذي دفعه في النهاية لمغادرة القاهرة في أواخر الستينات والاقامة في بيروت التي توفي فيها في نهاية العام .1974‏

والحقيقة أن النهضة الموسيقية العربية المعاصرة,كانت ابداعاً مشتركاً لفريد الأطرش,والأخوين رحباني والفنانين المصريين على السواء,ويجب أن يكون أي باحث أو فنان على حذر حين يتحدث حتى وإن كان محمد الموجي حتى لا يحرف الحقيقة عن مسارها الطبيعي.‏

لأننا هنا إذا حاولنا المفاضلة بين مساهمة فريد الأطرش والرحابنة واظهار أهمية كل طرف بالنسبة لمحمود الشريف فسنجد أن نظرة الموجي غير صحيحة.‏

مع العلم أنه لحن عشرات الأغاني لكبار المطربين والمطربات ولم يسمع بها أحد أو على الأقل لم تترسخ في الذاكرة الجماعية باستثناء لحنيه (يا سيدي أمرك وحلو وكداب) لعبد الحليم حافظ. علاوة على أن فريد الأطرش حائز على وسام الخلود الفني من فرنسا كفنان عالمي لسبب معروف وهو أن الأوركسترات الشهيرة عزفت ألحانه في مدن الفن الكبرى وقدمت أغانيه بأكثر من ثماني لغات.‏

وهو أسرع ملحن على الاطلاق, فاللحن لم يكن يأخذ منه إلا دقائق معدودة, وهو من هذه النواحي يقف في الصف الأول مع كبار فناني هذا العصر.‏

ودخول اسمه في سجل الفنانين الخالدين (الموسوعة الفرنسية- الانسيكلويدي) الى جانب العظماء من أمثال بيتهوفن وموزارت وشوبان وسواهم يجعله بحق ظاهرة فريدة في تاريخ الموسيقا العربية المعاصرة.‏

فمع موسيقا فريد الأطرش ازداد التراث الموسيقي العالمي ثراء,وشكلت ألحانه مصدر إلهام لكبار عمالقة الموسيقا في مصر وفي هذا الصدد يقول بليغ حمدي (كاذب من يقول في جميع المراحل التي فاتت من أكبر موسيقي الى أصغر موسيقي إنه لم يتأثر بفن فريد الأطرش الشعبي واتجاهاته, فقد تأثر بموسيقاه جميع من يعملون في الحقل الموسيقي والغنائي).‏

ويروي جلال معوض قصة أخرى عن حكاية محمد عبد الوهاب مع لحن فريد (أنا واللي بحبه) حيث يقول: عبد الوهاب طلب من فريد الأطرش في جلسة خاصة أن يأخذ منه عشر أغان يسجلها باسمه مقابل أن يعطيه لحن (أنا واللي بحبه) .‏

وكان الباحث الموسيقي د. سعد الله آغة القلعة وزير السياحة الحالي قد قال في برنامجه التلفزيوني حياة وفن فريد الأطرش (الحلقة السادسة) إن محمد عبد الوهاب قد اقتبس بعض الجمل اللحنية من بعض ألحان فريد الأطرش.‏

وتفيد الاشارة الى أن محمد الموجي لم يكن بعيداً عن مسالك الاقتباس عن الموسيقا العالمية,شأنه شأن محمد عبد الوهاب والمعروف أن الأخير رغم اعجابنا الشديد به وسماعنا له منذ طفولتنا قد أصدرت منظمة الأونيسكو بحقه منذ سنوات لائحة ضمنتها ما اعتبرته سرقات محمد عبد الوهاب من الموسيقا الأوروبية .وكانت بعض الصحف العربية قد نشرت اللائحة الاتهامية وأطلقت عليها صفة الفضيحة.‏

ومن سرقات محمد الموجي نذكر لحنه لعبد الحليم حافظ (لو كنت يوم انساك) المأخوذ في بعض مقاطعه من كونشيرتو أوروبي.‏

حتى أن رياض السنباطي هرم الموسيقا العربية له بعض الاقتباسات من الكلاسيكيات العالمية الشهيرة,ومن ألحانه المتأثرة بالأجواء التقنية الأوروبية (يا ناسيني وأنا عمري ما أنسى حبك) التي أدتها شهرزاد, وبالأخص في المقدمة الموسيقية.اضافة الى اقتباس مقاطع من لحنه (حد قالك) غناء نجاة الصغيرة.‏

ويقال إن رياض السنباطي هو أكثر ملحن عربي حديث استمع الى الموسيقا العالمية.‏

ألا يمكن أن يكون التغاضي عن اقتباسات هؤلاء وتغييب دور كبار الفنانين العرب ,ولاسيما فريد الأطرش الحائز على وسام الخلود الفني من فرنسا الى جانب بيتهوفن وموزارت وشوبان وسواهم هو نوعاً من الخلل المزمن في التوثيق الموسيقي العربي.‏

فالحوار الاستعادي مع محمد الموجي شكل بالنسبة لنا أكثر من فسحة لتسجيل الملاحظات وطرح التساؤلات حول حقائق ومسائل فنية مثيرة,لا تزال بحاجة الى المزيد من التجرد والموضوعية.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية